براءة التكنولوجيا

03:42 صباحا
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس


من المهم بداية الإشارة إلى أن اتهام التكنولوجيا بأنها قد أثرت سلبياً في صناعة النشر في العالم العربي اتهاماً جائراً، لأنها ومع حداثة تطوراتها لم تغير شيئاً في هذه الصناعة التي كانت ولا تزال متأخرة في العالم العربي منذ عقود، وهذا الاتهام يجعل التكنولوجيا الشماعة الجديدة التي ستلقى عليها الملامة بانتظار إشكالية جديدة مستقبلاً. وعلينا وقبل الإسراع نحو توجيه الاتهامات التفكير في أن التكنولوجيا قد تكون حلاً وليست مشكلة إن أحسن استخدامها وتوظيفها لخدمة هذه الصناعة المغبونة.

ومن المهم كذلك الإشارة إلى أن أكبر إشكالية تواجه صناعة النشر في العالم العربي تبدأ من غياب المفهوم العام لمعنى الكتابة والنشر كمحركات للاقتصاد الابداعي وكيف ينظر إلى الكاتب العربي مقارنة بالكتاب في العالم والذين يعتبرون الثروات الاقتصادية ودعائم صناعة الإعلام وفنون السينما والمسرح. ويجب التوقف عن الإساءة للكتاب نفسه، والذي يعامل كمنتج ولا ينظر إليه على أنه فن إبداعي من ضمن الفنون الأخرى، بل لا يزال يعتبر من ضمن قائمة السلع والمنتجات العادية والخاضعة للربح أو الخسارة والتي إن فقدت من السوق سيتحمل المشتري غيابها، بل ويمكن تعويضها . كما وأن الكتاب لا يزال بالنسبة للكثيرين ترفاً ثانوياً أو هواية لتمضية وقت الفراغ أو في حال غياب المدرس عن حضور الحصة أو رحلة ترفيهية إلى معرض كتاب وجولة في أرجائه.

لقد تمت الإشارة أكثر من مرة إلى أن المشكلات الكبرى في هذه الصناعة تتعلق بالافتقار إلى بنية تحتية ومنظومة نشر متكاملة تتضمن خبراء في هذا المجال، فلا يكفي أن يكون صاحب دار النشر كاتباً أو قارئاً ليتمكن من إدارة عمليات النشر بكفاءة عالية، ولا يمكن إخراج صناعة النشر من أسفل مظلة صناعة الإعلام الكبرى وتقليصها في جزئية تبقي الكتاب على قائمة السلع وتسجنه في منزلة لا يستحقها أبدا. ويجب ألاّ ننسى ما يتسبب به ارتفاع معدلات الأمية وانخفاض القوة الشرائية بسبب انخفاض دخل الفرد ووجود قيود على استيراد الكتب، بالإضافة إلى عدم وجود إحصاءات أو معلومات محدثة حول هذه الصناعة بما فيها البيانات الخاصة بالكتب في العالم العربي، وإحجام معظم أصحاب دور النشر عن الإفصاح عن نتائج المبيعات وقوائم المقارنات بين الكتب خشية أن يتسبب ذلك بانسحاب العملاء من الكتاب الذين لم تتصدر كتبهم هذه القوائم وذهابهم إلى دار نشر أخرى.

إن فصل القراءة عن النشر وعدم معالجة الإشكاليات الأساسية وغياب البحوث الواقعية التي تقيس قدرة الأفراد على شراء الكتب وأسعارها، عدا عن مقارنة هذه الأسعار مع مستوى دخل الفرد وما يغطيه من الضروريات الأساسية تزيد من إعتام منطقة صناعة النشر، ولا تكشف الغطاء عما يتسبب في تأخير هذه الصناعة في عالمنا العربي ويحد من مراجعتها ووضع الحلول لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"