عادي
في حوار مع قناة “الجزيرة”حول الانتخابات الأمريكية

محمد حسنين هيكل: أوباما المسكين جاء ليواجه مأزق السقوط .. 1/2

05:01 صباحا
قراءة 11 دقيقة

وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل انتصار باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأنه النظير الأمريكي لسقوط جدار برلين، لافتا إلى أن الدعم الذي تلقاه أوباما من المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى ومؤسسات الحزب الديمقراطي، كان تعبيرا عن اقتناع هذه المؤسسات بأنه الرجل الأصلح لقيادة أمريكا في تلك المرحلة، ومواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية.

وأرجع هيكل موجة الارتياح العالمي لفوز أوباما، إلى شعور العالم بأن مصيره لا يزال مرتبطا بالولايات المتحدة الأمريكية، وأن القرار في أمريكا كان في يد غير مسؤولة تجر الآخرين معها بقوتها العسكرية ونفوذها الاقتصادي، واعتبر هيكل في حلقة الخميس الماضي من برنامجه مع هيكل الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية، فوز أوباما هو نقطة البداية التي تبحث عنها كل القوى السياسية في أوروبا وآسيا إيذانا ببداية عهد جديد.

وقال هيكل إن الرئيس الأمريكي الجديد سوف يواجه تحديات كثيرة في بداية فترة حكمه، من المؤسسة العسكرية والكونجرس وجماعات المصالح، إضافة إلى ما سوف يعانيه من مشاكل بسبب الديون التي خلفها سلفه جورج بوش، وتقدر بنحو 14 تريليون دولار.

وأوضح هيكل أن التغيير هو ما جاء بأوباما، وليس أوباما من سيأتي بالتغيير في أمريكا، مشيرا إلى أن الأمريكيين كانوا في حاجة إلى إجراء تغيير أساسي هو في حقيقته أقرب ما يكون إلى التطهر، بانتخاب شخص نقي من خارج مؤسسة الرئاسة إلى البيت الأبيض. وإلى نص حوار الحلقة الأولى:

كنت من الذين كرروا في حلقة كهذه أنه من الصعب أن ينتخب الأمريكي رجلا أسود أو امرأة، وهو رأي كرره أكثر من محلل، فكيف تفسر إذن نجاح أوباما وهو من أصول إفريقية؟

لن أبرر فيما أقول ما حدث، فما زلت متأكدا أنه في ظروف طبيعية ما كان ممكنا لا لملون ولا لامرأة الفوز في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة؛ لأن المجتمع الأمريكي ببساطة ليس مؤهلاً بعد لهذا.

قلت آنذاك في حواري مع الجزيرة إنني أتمنى فوز أوباما، لكن ما أشرت إليه هو أنني لا يمكن أن أتصور وأنا رجل أعلم طبيعة المجتمع الأمريكي، وأعلم قضية التمييز العنصري، وقد قمت بتغطيتها كصحافي، أنه من الصعب أن ينجح أسود في الرئاسة، هناك من كان أكثر قدرة من أوباما وهو كولن باول، فكر في الرئاسة لكنه لم يقدم على خطوة الترشح.

ما يعنيني في ذلك الحدث ليس هو فوز أوباما، لكن رأيت فيما يحدث نظير أمريكي لما حدث بسقوط حائط برلين، وهنا أؤكد أنني أتحدث عن نظير وليس توأما، هو مثيل للحدث بالطريقة الروسية، ولكن على الطريقة الأمريكية.

مثيل له من حيث الوقع والصدمة؟

من حيث الوقع والصدمة، بل من حيث السقوط نفسه وطبيعة ما سقط، فعندما سقط حائط برلين سقطت معه الدفاعات الأولى للاتحاد السوفييتي لحلف وارسو؛ سقط الحائط الأسمنت المسلح، حصون المراقبة.. وسقطت أوكار المدافع الرشاشة، ودخل بعدها الاتحاد السوفييتي في مرحلة أخرى.

هذه المرة أكاد أرى حائط برلين يسقط ولكن في نيويورك! هناك تشابه لسقوط الجدارين، أحدهما جدار عسكري، والآخر جدار من غواية مالية لا يمكن تصورها؛ بنوك وبنك احتياطي والمشاهد تقريبا تكاد تكون هي نفسها، لكن الأمريكان قاموا بها على طريقة هوليوود وبالديمقراطية، بشكل باسم ضاحك، والروس أتوا ببوتين خاصتهم الجديد النظير لأوباما!

الأمريكان قاموا بتغيير على طريقتهم الديمقراطية، والروس قاموا بالتغيير عندما ظهرت الحاجة بوسائلهم أيضا، وأشير هنا وحتى لا تذهب بعض الأذهان إلى ما هو أبعد من قصدي، أنني لا أشبه الشيوعية بالرأسمالية، لكني أتحدث عن أوجه شبه أخرى لا مجال لإنكارها، حدثت عندما وقف كلا المجتمعين أمام لحظة كانا مضطرين فيها لإجراء تغييرات أساسية كي يُحَافظا على البقاء.

إذن فبهذا المعنى تتفق مع د.عزمي بشارة حين رأى أن التغيير في الولايات المتحدة هو الذي أتى بأوباما وليس أوباما هو من سيأتي بالتغيير؟

إلى حد كبير جدا عزمي محق في هذا، فأنا أتصور أن حالة أزمة نظام، أوجدت ضرورة إلى شيء ما من خارجه، أقول هذا وقد قمت بتغطية الانتخابات الأمريكية الأربع عشرة مرة السابقة، ولكي أكون أكثر دقة؛ قمت بتغطية الحملة الأولى بالنسبة لي في 1952 (أيزنهاور ستيفنسون) وحتى الأخيرة الأخيرة (أوباما ماكين).

غطيت.. بمعنى؟

بمعنى أنني كنت موجودا في الولايات المتحدة، وحضرت بنفسي بعض المناسبات، بقيت أسبوعين لأسباب شخصية، لكني مكثت ثلاثة أسابيع أرقب وأتابع الحملة، لم أكتب عنها لكني اهتممت بالانتخابات الأمريكية الحالية، لأنها علامة تغيير فاصلة جدا في السياسة الدولية الراهنة، وربما في التاريخ المقبل، هذه أغرب حملة انتخابية شاهدتها أو شاهدها غيري، وقد غيرت مسارها أكثر من مرة.

أول هذه السنة الكل كان يعلم أن هذه سنة الحزب الديمقراطي، الجمهوريون دخلوا في إدارة بوش 8 سنوات وأساؤوا إلى انفسهم وإلى البلد ضمن مسار أزمة بدأت قبلهم بكثير. بوش والميراث المترتب عليه لا يسمح بإدارة جمهورية، فما حدث أن أحجم الجمهوريون المميزون عن الترشح، ونتيجة لذلك التوقع، تضاعف الأمل بالنسبة للديمقراطيين عندما دخلت هيلاري كلينتون في سباق الانتخابات، لأن هيلاري كلينتون كانت زوجة أحد الزعماء أو الرؤساء الكاريزميين في تاريخ الولايات المتحدة الحاليين، كما أن لديها مشروعا، فبدا أمام الجمهوريين والديمقراطيين أن هيلاري كلينتون لا يستطيع أحد إيقافها، فهي سوف تمشي في مارش منتصر حتى (البيت الأبيض)، وفعلا كانت استطلاعات الرأي ترجح كفتها عن أوباما، لكن مع الوقت بدا أن فضيحة بيل كلينتون في أواخر عهده لم تُغفَر له بعد، وأن مواريث كلينتون ليست كافية لدعم زوجته حتى النهاية.

دخلت ظاهرة أوباما وبدأ طور آخر في المعركة الانتخابية، ولم يتصدر من المرشحين الجمهوريين سوى ماكين، ودخلنا في مرحلة تالية، أوباما دخل في تصوره للتغيير، وتبين أن هيلاري كلينتون لم تستطع الوعد بالتغيير المطلوب، وبالتالي شهدنا فوز أوباما في الحزب الديمقراطي.

المرحلة الثالثة بدت فيها مشكلة اللون، كان الجميع يرون أنه من الصعب أن ينجح أوباما بسببه؛ لكن ما حدث هو سقوط حائط نيويورك: الأزمة المالية.

نتذكر دائما أنه كانت هناك إمبراطوريتان كبيرتان: الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، واجه كل منهما الآخر وأهلكا بعضهما في الحرب الباردة، كلاهما خرج من الحرب مرهقا لأبعد مدى، لكن أحدهما سقط، وهو الاتحاد السوفييتي، لأن ليس لديه مرونة وليونة التجربة الأمريكية التي لديها الخيار الديمقراطي، سقط الاتحاد السوفييتي وبقيت أمريكا، لكن أمريكا على وشك لأنها مرهقة على الآخر!

أتذكر في مرة الجنرال ديجول قال عن أمريكا: حتودي نفسها في داهية، ولكن حتودينا معاها في داهية!. وقد كان، هي مرهقة والإرهاق يزيد.

نعود إلى المرحلة الثالثة من الانتخابات الأمريكية، جاءت تسونامي الأزمة المالية، وإذا بسقوط الحائط، والبنوك أمامنا تتهاوى.

عندما نتحدث عن التماثل بين السقوطين، أجد تشابها بين الرجلين اللذين أتيا بعد السقوطين، وكلاهما من خارج المؤسسة، بوتين في التجربة السوفييتية، وأوباما في التجربة الأمريكية، أحدهما من K.G.B والآخر من أقلية تعدادها 13% في أمريكا!.

ولكن بوتين كان ضمن المؤسسة الرسمية على الأقل في الجانب الأمريكي؟

نلاحظ أن في أمريكا اثنين يماثلان اثنين في روسيا، يلتسين وجورباتشوف بقابلهما بوش وتشيني، أحدهما يمثل الرجل الكاريزمي والآخر يمثل الجانب التنفيذي، هناك اختلاف كبير بين طبيعة النظامين، وهناك أيضا أوجه شبه تكاد تكون مرعبة بين ما يجري مع اختلاف كل شيء.

الأولى على نحو قصة مرعبة قام بتأليفها دايستوفسكي والثانية على طريقة فيلم Mr. Smith Goes to Washington عن شخص مثالي أمريكي أخذوه إلى واشنطن علشان يصلح الدنيا لكنه يئس وتركهم، لكن على أي حال لولا الأزمة المالية لا أعلم إلى أين كانت ستصل الانتخابات الأمريكية، ربما كانت لتصل إلى عقدة لا يستطيع منها أن ينجح أيهما.

الجمهوريون كانوا يراهنون على شيء، ونلاحظ إلى أي مدى كُثفت الغارات على وزيرستان، لأن الحزب الجمهوري أراد أن يأتي برأس أسامة بن لادن لكي تكون هذه مفاجأة أكتوبر، لكنا أصبحنا أمام مفاجأة أكتوبر بسقوط الأسواق المالية!

أريد أن تقف أمام مشهد آلان جرينسبان الخبير الأمريكي الساحر في الشؤون المالية، وهو واقف أمام الكونجرس يقول: أنا لا أستطيع أن أفهم ما جرى، أنا في حالة صدمة مما جرى لا تصدق ولا أستطيع تفسيره.

أؤكد هنا أن ما جرى ليس سقوطا لأمريكا ولا سقوطا للرأسمالية، ولكن من الممكن أن تقول إن أمريكا تعثرت أو أنها في حالة إغماء تقريبا.

في هذه الحالة يمكن القول إن الولايات المتحدة ومؤسساتها استطاعت أن تجد الرجل المناسب في الوقت المناسب لإعادة تجديد..؟

- هيكل مقاطعا: استطاعت أن تجد من تراهن عليه، انتبه إلى أن الاتحاد السوفييتي قام بعمل عملية التغيير بالتطهير هناك أناس في أمريكا يتصورون أن بإمكانهم عمل تغيير بالتطهر وليس التطهير، بأن تأتي بفرد نقي من خارج المؤسسة.

صفحة بيضاء؟

لو تتذكر الفيلم الذي قام به فرانك كابرا Mr. Smith goes to Washington بهذا الفيلم براءة الداخل الأمريكي عندما يقترب من المؤامرات وأجواء وسراديب واشنطن، ويفاجأ بألعاب القوى الموجودة بالعاصمة ويضيق بها، والحزب الديمقراطي بمؤسساته كان يبحث عن شيء، البعض يقارنون بين كينيدي وأوباما، وأنا أرى أن المقارنة لا مجال لها، فقد جاء كينيدي إلى معركة هجومية ليسترد المبادرة للولايات المتحدة الأمريكية، بعد الجمود والرخاء والاطمئنان لدفاع أيزنهاور في مواجهة الاتحاد السوفييتي، لكن أوباما مسكين جاء ليواجه مأزق سقوط.

القوى الكبرى عندما تسقط لا تتفتت مثل أحوالنا، لكنها تتفكك، وعندما جاء بوتين على سبيل المثال كانت الإمبراطورية السوفييتية قد انتهت، لكنه جمع شمل ما بقي من الاتحاد، وبدأ بربط صواميل ما انفك منها.

التجربة الأمريكية أقوى، ما هو السبيل إلى أن يستطيع هذا الشاب ليس هو فحسب بل إدارته والقوى المحركة وراءه ربط ما تفكك.

هل استطاعت الولايات المتحدة إذن بمؤسساتها أن تظفر بهذا الرجل في لحظة تاريخية دقيقة، ووجدت فيه إمكانية عبور هذه الهوة؟

لا.. لا.. أنت أمام رجل في الواقع بلا تجربة، تربى معظم صباه خارج أمريكا، ثم ذهب إلى أمريكا فأصبح ظاهرة، لقد رأيته وهو يتحدث هو مزيج بين داعية، من مفكر مثالي يتحدث بمثالية، لكن عندما تصل إلى خلف الوعظ الأخلاقي وخلف الصورة البراقة اللطيفة، لشاب خارج من منطقة جديدة، وراء كل ذلك لا توجد تجربة.

عنده جانب دغمائي في شخصيته وكلامه؟

عنده جانب تبشيري، وقد لفت نظري في كلامه حتى في طريقة إلقائه هذا الجانب التبشيري، ولكنه موجود في مجلس الشيوخ وبدأت الأنظار تلتفت إليه باعتباره ظاهرة، ويذكرني أوباما بما نجده أحيانا في العالم العربي من دعاة جدد، يطلعون ويلفتون الأنظار.

هناك فقر سياسي موجود في الحزب الديمقراطي، كانت هيلاري كلينتون بالنسبة لهم هي المرشح الأقوى، لكنها وقعت في منتصف الطريق لسببين، الأول: أنها سيدة وهم غير واثقين أن أمريكا مستعدة لرئاسة سيدة بعد. والسبب الآخر أن وراءها تجربة زوجها، حتى إنهم عندما قاموا بتقديم أنفسهم في الحملة الانتخابية قالوا تاخد اثنين بدل واحد هي وجوزها!

هل يمكن أن نسقط الجوانب الأخلاقية والثقافية أو غيرها، هل يمكن أن نغيب أن الناخب الأمريكي والرأي العام الأمريكي وصل فيها إلى مرحلة لم يجد فيها حرجا من أن يأتي رئيس من ذوي أصول إفريقية ليمسك بزمام الأمور؟

انتخاب أوباما في حد ذاته أعتقد أنه دليل على المرونة الأمريكية، دليل على انفتاح العقل الأمريكي لتقبل ما لا يمكن التفكير فيه، لكنه لا يمثل بالفعل قوة حقيقية، ما يصنع السياسة هي الحقائق الحقيقية على أرض معينة.

لقد سمعت كثيرا من زعماء الزنوج أو السود في أمريكا غاضبين جدا من أوباما، حدثني أحدهم في بوسطن قائلا على أوباما: هذا الراجل سيجهض قضية التمييز العنصري، لدينا مشكلة التمييز العنصري، كنا نلوم كولن باول أنه قبل المنصب الرفيع وفكر في الرئاسة لأن لدينا مشكلات أكبر بكثير من مجرد أن يُختار رجل أسود للتمويه، فيُجاء به في منصب كبير كوزير للخارجية، عندنا مشاكل حقوق حقيقية، ولما جاءت كوندوليزا رايس حاولوا أيضا استغلال نفس الحكاية لكن أمريكا تعلم حتى السود فيها يعلمون أن أمريكا ليست مهيأة لكن في ظروف أخرى لتقبل الأسود، لأنك كنت تريد التطهر.

نعم. وجوده في لحظة تاريخية خطيرة جدا، مع آمال كبيرة تُعلق عليه داخل المجتمع، هل تعتقد أنه قادر على أن يغير كثيراً من النواحي داخل المجتمع الأمريكي؟

أولى القضايا التي ستواجهه هي كيف يستطيع إثبات نفسه؟. هو مرشح مبتدئ بهذه الطريقة، مرشح ليست لديه قاعدة قوة، وأول ما سوف يواجهه أنه سوف يُمتحن في البيت الأبيض.. يمتحنه المحيطون به من إدارته الذين أتت بهم المؤسسة، سنجد تزاحما على الأماكن، وعلى مواقع التأثير على عقل الرئيس الأمريكي، وهو أمر منتظر من جميع القوى التي ساندت حملته.

أولهم اليوم هو رام إيمانويل، وقد تم تعيينه ككبير موظفي البيت الأبيض، ومعنى ذلك في هذا التوقيت: أن رام هو المشرف على عملية الانتقال. رام هذا والده إيمانويل كان عضوا أساسيا وفعالا في عصابة اراجون في فلسطين، وقد دخل في عملية إرهابية، وطُرد في عهد الانتداب من فلسطين إلى أمريكا، وفي أمريكا تزوج يهودية مثله مُنظِمة نقابية، وأنجبا رام وعمره حوالي خمسين سنة الآن، وقد ذهب إلى مدرسة يهودية في شيكاجو، وهو كان موجودا في إدارة كلينتون وكان عدوانيا جدا، اختلف مع كل رجال البيت الأبيض وتركه، لأنه كان لديه رأي مختلف.

هي أول إشارة وتحدٍ لباراك أوباما، وأنتظر باقي التعيينات والإشارات، فالقوى التي ساندت أوباما تريد ممثلين لها في الوزارات: وزارة الدفاع، الخارجية.

بايدن نائب الرئيس نفسه ليس شخصية بسيطة، هو منذ سنين طويلة جدا في مجلس الشيوخ، رئيس لجنة العلاقات الخارجية وله آراء ومواقف متعبة جدا.

ماذا تطلب المؤسسة المالية؟.. كيف تُواجه المؤسسة العسكرية؟ وبما لديها من تمييز عنصري حاد. بالنسبة أيضا للعمل العسكري ماذا يفعل؟ لديه 600 قاعدة في أمريكا نفسها و400 قاعدة في أوروبا و400 قاعدة في الشرق الأوسط، وحوالي 240 قاعدة في آسيا، لديه انكشاف وانتشار عسكري لأبعد مدى، ولديه تحدٍ مالي رهيب، لكن أكبر تحدٍ له سيكون أمام الكونجرس، والذي حصل على مجموعة من السلطات خاصة ما يتعلق بالحرب ومارسها منذ نهاية عهد كلينتون، وحتى الآن وسيحاول الكونجرس توسيع سلطته في القرار الأمريكي.

فيما يخص الأزمة المالية تحديدا.. هل يمكن لهذا الرجل باراك أوباما في ظل الآمال المتعلقة به أن يغير الأمور؟

سيحاول وهناك بالفعل محاولات، لكني أُذكر هنا عندما كان ريجان في الحكم الأمريكي، وكان قد دخل في سباق السلاح بهدف كسر الاتحاد السوفييتي، وجه ريجان لآلان جرينسبان سؤالاً: هل نستطيع إذا صرفنا أكثر على السلاح أن نكسر الاتحاد السوفييتي فهو لن يجارينا، أجابه بأن هذا ممكن، ونتيجة لهذا خرج ريجان من الحكم وأمريكا مديونة بأربعة تريليونات دولار، وهو الذي جاء وأمريكا مديونة بنصف تريليون دولار، وعندما جاء كلينتون حاول قدر الإمكان ضبط الدين وأنزل العجز، وأنشأ فائضا في الميزانية، لكن حين يخرج بوش الابن من الحكم ستكون الولايات المتحدة مديونة بما بين 12 و14 تريليونات دولار، إذا تصورت أن إنتاجها الوطني كله أقل من 7 إلى 8 تريليون دولار، إذن أنت أمام بلد مديون بدين حقيقي.

الأرقام لا تكذب، إنها حقائق موضوعية، من الممكن أن يتخذ إجراءات للحلول، وسيتم سحبنا بكل تأكيد لنكون جزءا من هذه الحلول! لكن من له قبل للتصدي لهذا الدين، لذا يقول أوباما إنه يمكن للأزمة أن تنفرج في سنة أو اثنتين أو ثلاث، ويُلمح بأنها قد تكون في الرئاسة الثانية.

الوضع المالي الذي نشأ من حماقات الأعوام الثمانية السابقة وارتفاع الدين الأمريكي بما هو أكثر من الناتج القومي الأمريكي بمرة وربع هي مقاييس عملية، ما هو مدى ما يمكن فعله حيالها؟

إذن أنت لديك تصور أن هذا الرجل تتعلق به من الآمال ما هو أكثر من قدرته على الإنجاز؟

الرأي العام الأمريكي سار باندفاع عاطفي، ونتيجة لما جنى منه مما جرى من الانهيارات في سبتمبر وأكتوبر في اتجاه مرشح الحزب الديمقراطي أوباما، ربما كان الأمر ليختلف لو أتى الجمهوريون برأس بن لادن، لكنهم فشلوا!

هناك شحنة عاطفية من الناس تتجه إلى أوباما وهي لا ترى ما وراء أوباما، ترى الشكل وترى الرمز.. ترى الضوء والأمل ترى حاجة fresh على الأقل روح التغيير.

من الأمور التي تلفت النظر أن شعار حملته الانتخابية كان Change التغيير، بينما شعار ماكين كان Country first.

شخص يريد أن يُجمد الأمر الواقع كما هو ويضيف ويزيد عليه، والآخر يعد بأن هناك تغييرا. وهنا كان شعور الناس العام في اتجاه الأخير، لكن هذا الشعور يختلف تماما عن: نوعية المشاكل والتحديات التي سيواجهها في البيت الأبيض، وحدود ما يستطيع أن يفعله حيالها.

إلى جانب دور المؤسسة المالية في حملة أوباما المؤسسة الإعلامية انحازت بشكل واضح لأوباما؛ ما الذي تراه في هذا الرجل إذا كانت قد وقفت معه بهذا القدر؟

أقصى ما تريده المؤسسة الأمريكية من أوباما: أولا أن يعطيهم فرصة لاستعادة الأنفاس Breathing space، ثانيا إعطاؤهم فرصة لتركيب ما انفك وانكشف وانفضح، ثالثا أن تقيم نوعا جديدا من العلاقات مع العالم، لعلها تستطيع بواسطة أوروبا والعالم العربي أن تحل بعض المشاكل.

ما أتصوره.. أن ما تريده المؤسسة بالدرجة الأولى هو إعطاء جرعة من الأمل، للتمكين من فرصة لعمل.

_

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"