عادي

تجويع الشعب الفلسطيني في غزة

02:56 صباحا
قراءة 5 دقائق

التجويع هو إحدى الطرق التي يتبعها الكيان الصهيوني لمعاقبة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة . وليس #187;تطبيق حمية غذائية#171; على الفلسطينيين هناك، تعبيراً مجازياً، بل هو عملية مدروسة تقوم على التحكم بعدد السعرات الحرارية التي تسمح #187;إسرائيل#171; للفلسطينيين بالحصول عليها!

في موقع #187;موندويس#171;، (24-10-2012)، كتب جوناثان كوك (الحائز على #187;جائزة مارتا غيلهورن الخاصة للصحافة#171;): قبل ست سنوات ونصف السنة، بُعيْد فوز حماس في الانتخابات الوطنية الفلسطينية، وتولي زمام الأمور في غزة، وصف مسؤول #187;إسرائيلي#171; كبير ردّ فعل #187;إسرائيل#171; المخطط على ذلك . قال: #187;الفكرة، هي وضع الفلسطينيين على حمية غذائية، ولكنْ من دون جعلهم يموتون من الجوع#171; .

وعلى الرغم من أن دوف ويسغلاس كان مستشاراً لإيهود اولمرت، رئيس الوزراء #187;الإسرائيلي#171; يومئذٍ، فإن قلة من المراقبين اعتبروا تعليقه أكثر من مبالغة، وتوصيف طريف للحصار الذي كانت #187;إسرائيل#171; على وشك فرضه على القطاع الضئيل المحاط من جميع الجهات .

ويمضي الكاتب قائلاً: في الأسبوع الماضي، ظهرت الأدلة أخيراً لتثبت أن ذلك، أصبح بالفعل سياسة #187;إسرائيلية#171; . فبعد معركة قانونية دامت ثلاث سنوات، خاضتها جماعة #187;إسرائيلية#171; لحقوق الإنسان، أُرغمت #187;إسرائيل#171; على إماطة اللثام عن وثيقة تُدعى #187;الخطوط الحمراء#171; . وقد طرحت هذه الوثيقة التي أعدتها وزارة الدفاع #187;الإسرائيلية#171; في أوائل ،2008 عندما تم تشديد الحصار، اقتراحات حول كيفية معاملة #187;إسرائيل#171; لغزة في ظل حكم حماس .

وقد قدّم مسؤولو الصحة #187;الإسرائيليون#171; حسابات لعدد الحدّ الأدنى من السعرات الحرارية، التي يحتاج اليها سكان غزة البالغ عددهم 5 .1 مليون نسمة، لكي يتجنبوا سوء التغذية . وقد تُرجمت تلك الأرقام يومئذٍ إلى عدد من حمولات الشاحنات من الغذاء، التي يُفترض ب#187;إسرائيل#171; أن تسمح بدخولها القطاع كل يوم .

ويقول الكاتب، إن وسائل الإعلام #187;الإسرائيلية#171;، حاولت طرح هذه المناقشات المفزعة، التي عُقدت سِرّاً، في أزهى صورة ممكنة . وحتى صحيفة #187;هآرتس اللبرالية#171;، وصفت بالتورية هذه الصيغة المتطرفة من تحديد السعرات الحرارية، بأن الهدف منها، هو #187;ضمان عدم حدوث مجاعة في غزة#171; .

ولكن صورة مختلفة عن ذلك تماماً، تتضح عندما يقرأ المرء التفاصيل . فبينما قررت وزارة الصحة #187;الإسرائيلية#171; أن الفرد من أهالي غزة يحتاج يومياً إلى ما معدله 2279 سعراً حرارياً لكي يتجنب سوء التغذية - مما يتطلب دخول 170 شاحنة كل يوم - وجد المسؤولون في الجيش #187;الإسرائيلي#171; عدداً وافراً من الذرائع لتخفيض عدد الشاحنات إلى جزء من الرقم الأصلي .

وكان ما يحدث في الواقع الفعلي، في تلك المرحلة، هو أن ما مُعدله 67 شاحنة فقط - أي أقل بكثير من نصف الحدّ الأدنى المطلوب - يعبُر إلى غزة كل يوم . هذا بالمقارنة مع 400 شاحنة قبل بدء الحصار .

وتشير مصادر الأمم المتحدة، إلى أن #187;إسرائيل#171; رفضت أن تأخذ في الاعتبار، أن جزءاً كبيراً من الغذاء الذي تحمله الشاحنات السبع والستون، لم يكن يصل غزة أبداً في واقع الأمر . وذلك لأن القيود التي تفرضها #187;إسرائيل#171; على المعابر، كانت تسبب تأخيرات طويلة، تنجم عن إنزال الغذاء من الشاحنات، وتفتيشه، ثم تحميله على شاحنات أخرى، مما يجعل كثيراً من المواد الغذائية يفسُد وهو معرض للشمس .

ويُضاف إلى ذلك، أن #187;إسرائيل#171; أجرت تعديلات أخرى على تلك الصيغة، بحيث يتضاعف عدد الشاحنات التي تحمل السكر الفقير في قيمته الغذائية، بينما يقل كثيراً عدد الشاحنات التي تحمل الحليب والفواكه والخضروات، ليبلغ النصف في بعض الأحيان .

ويشير الكاتب إلى قول روبرت تيرنر، مدير عمليات وكالة غوث اللاجئين في غزة، #187;إن الحقائق على الأرض في غزة، تشير إلى أن واردات الغذاء ظلت تهبط باستمرار إلى ما دون الخطوط الحمراء#171; .

ويقول الكاتب، إن الأمر لا يحتاج إلى خبير لكي يستنتج أن فرض هذه #187;الحمية#171; على طريقة ويسغلاس، سوف تؤدي إلى سوء تغذية واسع النطاق، وبخاصة بين الأطفال . وهذا بالتحديد هو ما حدث، كما وجد تقرير متسرب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ذلك الوقت . . التي قالت عام 2008: #187;إن سوء تغذية مزمناً يتجه نحو التصاعد باستمرار#171; .

ويضيف الكاتب، إن احتجاجات #187;إسرائيل#171; بأن الوثيقة كانت مجرد #187;مسودة تقريبية#171;، وأنها لم تطبق أبداً ليست جديرة بالثقة، وهي خارجة عن الموضوع . فإذا كان الساسة والجنرالات قد نُصِحوا من قبل خبراء الصحة بأن غزة تحتاج إلى 170 شاحنة كل يوم، فلماذا اتبعوا سياسة تسمح بعبور 67 شاحنة فقط؟

ويقول الكاتب، إنه ما مِن شك في أن الحمية التي اختُرعت لغزة - شأنها شأن الحصار #187;الإسرائيلي#171; بوجه عام - يُقصد منها أن تكون شكلاً من العقاب الجماعي، الموجه إلى كل رجل، وامرأة وطفل . والهدف، وفق وزارة الدفاع #187;الإسرائيلية#171;، هو شن #187;حرب اقتصادية#171; تولّد أزمة سياسية، تفضي إلى انتفاضة على حماس .

. . ويرى الكاتب أن الهدف النهائي من تلك #187;الحمية#171;، هو إجبار المجتمع الفلسطيني برمته في غزة على التسليم والخضوع، من خلال مزيج من العنف والفقر وسوء التغذية، والكدح الدائم للتغلب على محدودية الموارد . ويضيف الكاتب، أن من نافلة القول أن ذلك مخالف لكل القوانين، وغير أخلاقي .

وفي موقع #187;الترنت#171;، (18-10-2012)، كتب جوان كول، أستاذ التاريخ في جامعة متشيغان، أن الجيش #187;الإسرائيلي#171;، بتخطيطه لتقييد عدد السعرات الحرارية بتلك الطريقة، يتآمر في حقيقة الأمر لإبقاء الفلسطينيين في غزة (الذين نصْفهم أطفال)، على شفا سوء التغذية بصورة دائمة، وذلك ما يدعوه خبراء الصحة باسم #187;اللا-أمن الغذائي#171; .

ويمضي الكاتب قائلاً، إن التخطيط لإبقاء الناس على الحافة، يقارب في سوئه التخطيط الفعلي لقتلهم بالتجويع . ويعلم كل ذي بصيرة، أن الحصار أداة حادة كافية لتحقيق ذلك، حيث يعلو عدد الشحنات ويهبط مما يجعل تلك السياسة تسبب بؤساً حقيقياً .

ويقول الكاتب: لا شكّ في أن الطريقة التي اتبعها الجيش #187;الإسرائيلي#171; للتهوين من شأن الوثيقة، تشكل أوضح مثال في التاريخ، على الدعاية المضللة . فهو يقول، إنه قد أعدّها ولكنه لا يرجع إليها، وأن الهدف منها، هو ضمان دخول عدد من الشاحنات، يكفي فقط لإبقاء الناس على الحافة .

ويتابع الكاتب قائلاً، إن للحصار الغذائي، آثاراً خطرة . فما يقارب عشرة في المئة من الأطفال الفلسطينيين في غزة، ممن هُم دون الخامسة من العمر، قد تقزم نموهم بسبب سوء التغذية .

ووجد تقرير حديث أعدته منظمتا #187;أنقذوا الأطفال#171;، و#187;العون الطبي للفلسطينيين#171;، أن فقر الدم، منتشر على نطاق واسع، وأنه يؤثر في أكثر من ثلثيْ الأطفال الرّضّع، و6 .58% من تلاميذ المدارس، وأكثر من ثلث الأمهات الحوامل .

ويتوقع تقرير أصدرته الأمم المتحدة الشهر الماضي، أن يصبح قطاع غزة، غير قابل للعيش فيه عام ،2020 عندما يبلغ عدد سكانه 1 .2 مليون نسمة، إذا لم تغيّر #187;إسرائيل#171; سياساتها نحوه . وما تدهور وضع المياه، والانحدار الحاد في أوضاع الفلسطينيين، إلاّ بعض الأمثلة على المشاكل التي سوف تواجهها تلك المنطقة .

ويقول الكاتب، إن أشد ما يثير الفزع، هو أن #187;الإسرائيليين#171;، وكذلك المجتمع الدولي، ليس لديهم خطط بعيدة المدى لقطاع غزة . ولا يلوح ضوء في نهاية النفق . ولا يوجد تصور للكيفية التي سينتهي بها هذا الحصار للأبرياء، هنالك تصريحات لفظية عن #187;حل الدولتين#171;، ولكن الجميع يعلمون أن #187;إسرائيل#171; لن تسمح للفلسطينيين بامتلاك دولة! ويبدو، أنه محكوم على الفلسطينيين أن يبقوا في معسكر اعتقال ضخم في الهواء الطلق إلى الأبد . . ما لم يبذل العالم عناية كافية لإنقاذهم من ذلك المصير .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"