عادي

تحطيم الاقتصاد الروسي قد يكون كارثة على الغرب

03:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: عمر عدس وصباح كنعان
الأمل الذي يراود الغرب، في زعزعة استقرار روسيا، وفي أن يؤدي ذلك إلى إسقاط الرئيس بوتين، يفتقر إلى الحكمة، لأنه لا يمكن التكهن بالعواقب . . تقول صحيفة الغارديان .
في صحيفة "الغارديان"، (16/12/2014) كتب انغوس روكسبورغ، (الذي عمل مستشاراً للحكومة الروسية من 2006 إلى 2009): مثل سفينة بلا دفة وقد نفد منها الوقود في عاصفة ثلجية هوجاء، يبدو الاقتصاد الروسي وكأنه يتجه نحو الانهيار . . فكل الرسوم البيانية - التي تبين معدل سعر صرف الروبل مقابل الدولار، وتراجع إجمالي الناتج المحلي، ومعدلات الفائدة المصرفية، وأسعار النفط - تبدو وكأنها جبال جليدية عائمة تتهدد السفينة بخطر مطلق . والسؤال الوحيد الذي يجول في الذهن، هو: كم من الوقت تستطيع السفينة أن تظل طافية؟
ثمة سببان مباشران للأزمة: سعر النفط والعقوبات الغربية . النفط يجري تداوله بسعر يقلّ عن 60 دولاراً للبرميل، في حين أن روسيا التي لا تزال تعتمد اعتماداً ساحقاً على صادراتها من النفط، أثمن مواردها، تحتاج إلى سعر 105دولارات للبرميل لإعداد ميزانياتها . وذلك ناجم عن الإخفاق في إصلاح الاقتصاد وتنويعه خلال السنوات العشرين الماضية .
وبالنسبة إلى العقوبات الغربية، تمّ فرضها بهدف واحد واضح - هو إرغام بوتين على تغيير مساره في أوكرانيا . أو لنقُلْ، إن ذلك هو الهدف المعلن، على الأقل . ولمّا كانت تلك الإجراءات لا تترك أي أثر على طريقته في التفكير، فيما يبدو، وأن الغرب لا يزال يدرس فرض مزيد من العقوبات، يتضح أنّ هنالك سبباً آخر، هو معاقبة بوتين على أفعاله، حتّى ولو غيَّرَ رأيه . وممّا يحزّ في النفس، أن مَن يكتوي بنار هذه العقوبات، ليس بوتين، بل الشعب الروسي .
ولكن الغرب ماضٍ في تكرار هذا الخطأ . واستمرار تكرار الخطأ مرات متوالية، مع توقّع نتائج مختلفة في كل مرة، ضربٌ من الجنون، كما يُقال . وحيث إن معنى ذلك، هو معاقبة الناس العاديين وحدهم، فإنه ينطوي على قدر كبير من القسوة، فضلاً عن أنه يأتي بنتائج عكسية . قبل عشرين عاماً، كان الحلم المنشود، إنقاذ العالم الشيوعي السابق، وجلب الازدهار والديمقراطية لشعوبه، ولكنّ ما نفعله الآن، هو إفقار الروس وتنفيرهم .
ويمضي الكاتب قائلاً: نستطيع، بطبيعة الحال، أن نتمسك ببنادقنا ونُصرّ على أن "العقوبات تؤتي أكلها" . ولكنْ ماذا سنجني إذا كان أثرها الوحيد هو تدمير الاقتصاد الروسي؟ لعل المأمول هو زعزعة استقرار البلاد، إلى درجة إطاحة بوتين . (ألمسُ كثيراً من الشماتة بين بعض المراقبين، الذين يحدوهم أمل جارف، بأن يؤدي انهيار الاقتصاد الروسي إلى سقوط بوتين) . فإذا كان الأمر على هذه الشاكلة، فإنه بمثابة لعبة حظٍّ بالغة الخطورة . وإنّ صبَّ الزيت على نار حروب الكرملين العشائرية التي لا نكاد نفهمها، سيكون ذروة الحماقة .
فليست لدينا أي فكرة عمّا ستؤول إليه النتيجة - وقد تكون أسوأ ممّا لدينا في الوقت الحاضر بكثير . أم لعل المأمول، هو أن الشعب الروسي بعد إغراقه في الفقر والقنوط، سوف يهُبّ في وجه الكرملين، ويُنشئ حكومة من اختيار الغرب .
ذلك أضغاث أحلام .
وينصح الكاتب بمعالجة أسباب سلوك بوتين، لا أعراضه . ويقول إن هنالك طرقاً لإعادته إلى سواء السبيل (على افتراضِ وجودِ مَن لا يزال راغباً في فعل ذلك)، ولكن الأمر يتطلب أفكاراً جديدة، لا تبدو جذابة أبداً، لمعظم زعماء الغرب . كما أنه يقتضي تفكيراً جريئاً ومبتكراً، لا ردود أفعال آلية دون تفكير، ومنطقاً خاطئاً قائماً على مراكمة عقوبات تتصاعد في صرامتها وقسوتها .
ولعله قد حان الوقت للاعتراف بأن الميراث الذي خلفته السياسة الخارجية المدمرة التي اتبعها جورج دبليو بوش، يحوي في جرابه، أكثر من تدمير العراق، وممارسة التعذيب وإيقاظ الإرهاب من سُباته . فالرئيس بوش، لم يفهم شيئاً عن روسيا - عندما حدّق في عينيْ بوتين وقال لنا إنه "وصل إلى قرارة روحه" . . وها نحن نعايش العواقب . لقد كانت إدارة بوش هي التي ولّدت الشعور بانعدام الأمن الذي كان السبب في قيام روسيا بالرد والإفراط فيه، على كل خطر تستشعره - بما في ذلك، إحساسها مؤخراً بأنّ الغرب يسعى إلى جَرِّ أوكرانيا عنوةً، وإخراجها من الفلك الروسي، وإقحامها في الفلك الغربي . فقد تخلى بوش من جانب واحد، عن معاهدة الحدّ من انتشار الصواريخ البالستية، التي تعتبرها روسيا حجر الزاوية في التوازن الاستراتيجي، وشرع في بناء درع صاروخية على أعتاب روسيا؛ وقام بتوسيع حلف شمال الأطلسي حتى بلغ حدودها، ليمنح ''الأمن'' لدول أوروبا الشرقية، غيرَ مُبالٍ بما سببه ذلك من توجُّس روسيا وشعورها بالتهديد .
ويقترح الكاتب عدة إجراءات لإعادة الأمور إلى نصابها . . ومنها التخلي عن برنامج الدرع الصاروخية، وإنهاء توسُّع الناتو، والتفكير بشجاعة في اتخاذ تدابير أمنية جديدة، لدول أوروبا كلها، وتشمل روسيا بدلاً من أن تستثنيها وتشعرها بالخطر . ويقول الكاتب - استناداً إلى ما يعرفه عن بوتين وعن روسيا - إنّ ذلك لو حدث، فسوف يؤدي إلى حلّ الأزمة القائمة حول أوكرانيا، ولن ينتهي الأمر بتدمير الاقتصاد الروسي دون داعٍ، وتكبيد الشعب الروسي المرارة والمتاعب . وإذا لم يحدُث فسوف يجد الغرب نفسه مضطراً إلى التعامل مع دولة روسية ساخطة لعقود قادمة، لأن مَن يخلفون بوتين أيضاً، لن يتنازلوا عن حقِّ بلادهم في الأمن والاستقرار .
ويناشد الكاتب الغرب في نهاية المطاف، قائلاً: تعالوا نعُدْ إلى المثل العليا التي تجلت عام ،1989 عندما أعلن الرئيس غورباتشوف، عن تصوُّره "لبيت أوروبي مشترك" جديد . . ذلك ما كان كل زعيم روسي منذئذٍ يريده ويتمناه، بينما لم يفعل زعماء الغرب ذلك أبداً، فيما يبدو .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"