عادي

تزييف إعلامي أمريكي في الأزمة الأوكرانية

04:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: عمر عدس وصباح كنعان
يقول الصحفي الأمريكي روبيرت باري، المتخصص في الصحافة الاستقصائية، إن الإعلام الأمريكي عموماً يقدم لقرائه رواية محرفة وزائفة عن الأزمة الأوكرانية، تتغافل عن التدخلات الأمريكية - الأوروبية في الشؤون الأوكرانية وتدعي أن روسيا هي المسؤولة عن كل ما يحدث . وكمثال على ذلك، استشهد باري بالطريقة التي تتعامل بها صحيفة "نيويورك تايمز" النافذة مع الأحداث الأوكرانية، وكتب مقالاً في موقع "كونسورتيوم نيوز" الذي يتولي رئاسة تحريره، قائلاً:
من المقرر أن يعقد في أواخر فبراير/ شباط مؤتمر في نيويورك لمناقشة خطر اندلاع حرب نووية في حال بلغت أجهزة الكمبيوتر مستوى الذكاء الاصطناعي والقدرة على انتزاع اتخاذ القرارات من أيدي البشر .
ولكن هناك منذ الآن خطر حرب نووية على الطريقة القديمة، نشأ عن خطأ في الحساب، وغذته الغطرسة والدعاية .
هذا الخطر المحتمل يلوح في أوكرانيا، حيث أثار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أزمة سياسية على حدود روسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2013 ثم دعما انقلاباً في كييف في فبراير/ شباط ،2014 وقدما رواية أحادية الجانب عن الحرب الأهلية التي تلت ذلك، وألقيا باللوم على روسيا في كل ما حدث .
ومن الممكن أن صحيفة "نيويورك تايمز" هي أسوأ مروج لهذه الدعاية على نمط الحرب الباردة، حيث أخذت تقدم لقرائها سيلاً متواصلاً من تقارير إخبارية وتحليلات متحيزة، بما في ذلك اتهاماتها للروس بإذكاء القتال في أوكرانيا .
وإحدى الطرق التي زيفت بها "نيويورك تايمز" رواية الأحداث في أوكرانيا هي تاريخ بدايات الأزمة بعد أشهر عدة من البداية الحقيقية للأزمة، وهكذا رأينا تقريرها الرئيسي في عددها الصادر يوم 24 يناير/ كانون الثاني 2015 يتجاهل التسلسل الزمني الحقيقي للأحداث ويحدد بداية الأزمة مع ظهور قوات روسية في شبه جزيرة القرم في ربيع 2014 . وقال تقرير الصحيفة، الذي كتبه الصحفيان ريك ليمان واندرو كرامر: "سقط تماماً وقف إطلاق نار هش عندما تعهد زعماء المتمردين بشن هجمات جديدة، وتعرض مدنيون عند موقف حافلات لقصف مهلك بقذائف مورتر . وتتحرك دبابات هادرة على طريق يغطيه الثلج في مناطق سيطرة المتمردين، وهي تقل جنوداً يرتدون أزياء عسكرية خضراء تخلو من أي علامات تحدد هويتهم، ويلوحون للمارة، في مستهل نزاع عنيف بدأ في الربيع" .
بكلمات أخرى، النزاع لم يبدأ في خريف ،2013 مع التدخل الأمريكي العجيب في الشؤون السياسية الأوكرانية، وهو تدخل قاده محافظون جدد من أمثال كارل غيرشمان، رئيس منظمة "الوقف الوطني للديمقراطية"، وفيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية، والسيناتور جون ماكين - ولا مع الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة في 22 فبراير/ شباط ،2014 والذي أسقط الرئيس المنتخب فيكتور يانوكوفيتش ونصب أحد الزعماء الانقلابيين الذين اختارته نولاند، وهو ارسيني باتسينوك رئيساً للوزراء .
لا، لأنه لو كانت هذه الوقائع قد أدرجت ضمن التسلسل الزمني الحقيقي للأحداث، لكان من الممكن في الواقع أن تتوفر فرصة لقراء "نيويورك تايمز" لكي يتبلور لديهم فهم متوازن لهذه المأساة غير الضرورية . ولأغراض دعائية، من الأفضل أن يبدأ تسلسل الأحداث بعد أن صوت سكان شبه جزيرة القرم بأغلبيتهم الساحقة للانفصال عن دولة أوكرانيا الفاشلة والعودة إلى أحضان الوطن الأم روسيا .
غير أن "نيويورك تايمز" لم تشر إطلاقاً إلى الاستفتاء، ولا إلى الإرادة الشعبية لسكان القرم . من الأفضل، بنظرها، الادعاء بأن القوات الروسية غزت القرم وضمتها خلافاً لإرادة سكانها . كما لم تشر الصحيفة إلى أن قوات روسية كانت تتمركز أصلاً في القرم بموجب اتفاق مع أوكرانيا من أجل إدارة القاعدة البحرية الروسية في سيفاستوبول .
وهذا يوصلنا إلى الفقرة التالية في تقرير الصحيفة: "قضى تجدد القتال على أي آمال بإعادة تثبيت وقف إطلاق النار الموقع في سبتمبر/ أيلول ،2014 والذي كان الالتزام به منذ ذلك الحين اسمياً وليس فعلياً . وتجدد القتال قضى أيضاً على تصور أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ترنح تحت تأثير صدمة الضربة المزدوجة المتمثلة بالعقوبات الغربية وانهيار أسعار البترول، إلى درجة أنه سيتخلى عن الانفصاليين من أجل إقامة علاقات أوثق مع الغرب" . وهذه النقطة الأخيرة تنبهنا إلى خطر حدوث خطأ إنساني في الحساب تحت تأثير الغطرسة . والخطأ الأساسي الذي ارتكبه الاتحاد الأوروبي، وزادته الولايات المتحدة سوءاً، كان افتراض أن محاولة سافرة لدفع أوكرانيا إلى فسخ صداقتها مع روسيا القائمة منذ زمن طويل وانضمامها إلى حلف الأطلسي لن تواجه برد روسي حازم .
إن روسيا تعتبر احتمال وصول القوات العسكرية الأطلسية وأسلحتها النووية إلى حدودها بمثابة تهديد استراتيجي خطير، خصوصاً منذ سقوط كييف في قبضة سياسيين يمينيين مسعورين - من ضمنهم نازيون جدد - ينظرون إلى روسيا كعدو تاريخي . وإذ واجه قادة روسيا هذا الخطر - خصوصاً وأن آلافاً من السكان الروس داخل أوكرانيا قد قتلوا - فقد كان من شبه المؤكد أنهم لن يرضخوا بخنوع لعقوبات ومطالب الغرب .
وعلى الطرف الآخر، طالما بقيت الولايات المتحدة تحت تأثير الرواية الدعائية التي تروجها "نيويورك تايمز" ووسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية الأخرى، فإن الرئيس باراك أوباما سيواصل بالتأكيد تقريباً تصعيد التوترات . وإن تصرف بطريقة أخرى، فسوف يتعرض لاتهامه ب "الضعف" .
إذاً، بينما يتصرف الغرب بصلف، وتواجه روسيا ما تعتبره تهديداً استراتيجياً خطيراً، ليس من الصعب تصور إمكانية تصعيد الأزمة الأوكرانية إلى درجة اصطدام عنيف بين قوات أطلسية وروسية، مع إمكانية أن يؤدي خطأ إضافي في الحساب إلى إدخال أسلحة نووية في النزاع .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"