عادي
هزم رئيس وزراء إيطاليا ويهدد عرش «ميركل» وقاب قوسين من «الإليزيه» في فرنسا

«اليمين» يُحكم قبضته على العالم

05:35 صباحا
قراءة 7 دقائق
كتب: عمار عوض

إذا كان فوز الرئيس ترامب، الشهر الماضي، برئاسة الولايات المتحدة، يعد أوضح تجل لصعود التيارات اليمينية والقيادات «الشعبوية» في العالم، فإن موجات المهاجرين التي وصلت أوروبا، إلى جانب الهجمات الإرهابية في بروكسل وباريس، شكلت العنف الذي اقتاتت عليه التيارات اليمينية والشعبوية في صعودها. كما يمكن اعتبار نتيجة استفتاء بريطانيا «البريكست» الصافرة التي انطلق بعدها قطار اليمين، الذي جرف في طريقه «الاستفتاء الإصلاحي» في إيطاليا، ما قاد إلى استقالة رئيس وزرائها «رينزي»، بينما قطع القطار اليميني مسافة طويلة في ألمانيا عبر حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المعادي للاجئين والهجر، وما يؤكد خطورة هذا الحزب وتأثيره المتنامي، أنه خلال 3 أعوام مرت على تأسيسه، أصبح الحزب الثالث في جميع الانتخابات التي جرت هناك، فأصبح مهدداً حقيقياً لعرش المستشارة أنجيلا ميركل، التي ألحق بها هذا الحزب هزائم مذلة في انتخابات المناطق، التي كان آخرها برلين.

وفي فرنسا، التي تقود فيها ماري لوبان قطار اليمين المتطرف السريع، الذي حمل على متنه 6 ملايين صوت لحزب الجبهة الوطنية اليميني في انتخابات المناطق، واضعاً إياه في المرتبة الأولى، لأول مرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية، التي تداعت أحزابها من اليسار إلى يمين الوسط، للتحالف من أجل هزيمة لوبان في انتخابات الإعادة وإخراجها خالية الوفاض، في الوقت الذي تقول فيه جميع استطلاعات الرأي، إن لوبان مرشحة للفوز في انتخابات الرئاسة، التي ستجرى في فرنسا العام القادم.

من أحدث محطات قطار اليمن الأوربي نبدأ؛حيث شعر الشعبويون في أوروبا بالارتياح بعد فشل الاستفتاء على الدستور في إيطاليا، الذي قادته حركة «النجوم الخمسة»، التي يقف على رأسها أحد اليمينين «الشعبويين»، المهرج والممثل الكوميدي بيبو غريلو، الذي استطاع حشد الإيطاليين، للمشاركة في الاستفتاء بأعلى نسبة في تاريخهم؛ حيث صوت 59 % منهم ب«لا»، في وجه الإصلاحات التي اقترحتها حكومة رئيس الوزراء ماثيو رينزي، ما اضطره إلى إعلان استقالته يوم 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري؛ وذلك ما يرجح انقضاض قوى اليمين على السلطة في إيطاليا، وعلى رأسها بيبو غريلو، زعيم حركة «النجوم الخمسة»، وسيلفيو بيرلسكوني (رئيس الحكومة السابق) زعيم «فورتسا إيطاليا»، وماتيو سالفيني، زعيم «عصبة الشمال» المعادية للمهاجرين.

وكان فوز دونالد ترامب، زعيم الشعبوية في الانتخابات الأمريكية، قد فتح الباب على مصراعيه أمام الزعيم اليميني الشعبوي بيبو غريلو، الذي ظهر على الساحة قبل 6 سنوات، متصدراً عناوين الأخبار الساخرة من قيادته لأكبر أحزاب إيطاليا المعارضة، كيف لا وغريللو هو ممثل كوميدي قبل أن يتحول إلى سياسي؟ 

تعالت الأصوات المتهكمة التي وصفته ب«المهرج»، لكن بحلول عام 2013، هدأت عاصفة السخرية قليلاً، وبدأت مجلات كالألمانية «دير شبيغل» تطلق عليه لقب «أخطر رجل في أوروبا». والآن بعد 3 أعوام من ذلك العنوان، بدأ نقاد غريللو يتحدثون عن أن العناوين قد تصدق، وأن الرجل قد يغدو بالفعل الأخطر في القارة الأوروبية، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بعد تحالفه مع زعماء اليمين الآخرين، بيرلسكوني (رئيس الحكومة السابق) وماتيو سالفيني، زعيم «عصبة الشمال» المعادية للمهاجرين، الذين تعهدوا بأنهم في حال صوت الشعب الإيطالي ضد مقترحات حكومة رينزي، وفي حال وصولهم إلى السلطة بتصويت الأغلبية سيتجهون إلى جمع التوقيعات، من أجل تنظيم استفتاء شعبي للخروج من الاتحاد الأوروبي، متقفين أثر بريطانيا بعد التصويت لفائدة بريكسيت.
ويسوق الزعماء اليمينيون الثلاثة أنفسهم على أنهم جدار الصدّ في وجه تدفق اللاجئين، الذين وحسب زعمهم سيغيرون هوية أوروبا المسيحية، وكانت تغريدة الإيطالي اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، زعيم «عصبة الشمال» المعادي للأجانب، كافية لأن تبث الرعب في قلوب الليبراليين الديمقراطيين تعليقاً على هزيمة رئيس الوزراء المنتمي إلى يسار الوسط، ماتيو رينزي: «يحيا ترامب، يحيا بوتين، تحيا لوبان، تحيا الرابطة، ثم علقت مارين لوبان برسالة تهنئة قائلة: «إن الناخبين الإيطاليين تبرؤوا من الاتحاد الأوروبي ومن رينزي». فغريللو يطالب منذ سنوات بعقد استفتاء على عضوية إيطاليا في منطقة اليورو.

ميركل في عين العاصفة

صعقت أوروبا وأصيبت ب«السكتة الانتخابية»، عندما ظهرت نتائج الانتخابات في ولايات ألمانية عدة، وأظهرت تقدم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المعادي للاجئين والهجرة، الذي صار يمتلك تمثيلاً في 5 من البرلمانات الألمانية المحلية ال 16، وخاض الانتخابات تحت شعاريْ: «عززوا الحدود»، «أوفقوا فوضى اللجوء في الانتخابات التي جرت شهر مارس الماضي«.
وواصل الحزب الذي جرى تأسيسه قبل 3 سنوات فقط صعوده في الحياة السياسية الألمانية؛ حيث رفع تمثيله إلى 9 برلمانات محلية من أصل 16، بعد أن وجه صفعة قوية لحزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عندما هزمها في انتخابات بلدية برلين العاصمة ولاية مكلنبورغ - فوربومرن، معقل حزب المستشارة للاتحاد الديمقراطي المسيحي، التي اعترفت بأن سياسات الهجرة كانت السبب وراء هذه الهزيمة، بينما قالت زعيمة حزب البديل اليميني فراوكه بتري: «إنها أكثر النتائج مرارة، لقد أقروا بذلك صراحة لأن مكلنبورع فوربومرن هي المعقل الانتخابي لميركل. سنستمر في العمل حتى تفقد هذا المعقل».
وواصل الحزب الذي يطلق عليه «الحزب المعادي لليورو»؛ لأنه ينادي بتفكيك منطقة اليورو وعودة كل دولة من دولها إلى عملتها الوطنية، ويتبنى الأفكار اليمينية توجيه ضربات لحزب ميركل، مستفيداً من القلق حيال وصول مليون طالب لجوء إلى ألمانيا، والصعوبات التي تواجهها البلاد لإدماجهم، موجهاً هزيمة ثانية الشهر الماضي، في انتخابات ولاية برلين العاصمة، عندما حل ثالثاً، مجرداً حزب ميركل من 5% من أصواته 17.6% التي حصدها، في أسوأ نتيجة يحصل عليها حزب المستشارة ميركل منذ عام 2011.
وقالت: إنها تتحمل مسؤولية أداء حزبها الضعيف، ووصفت النتيجة «بالمريرة»، قبل أن تعلن هذا الشهر ترشحها لولاية رابعة في الانتخابات التشريعية التي ستجري عام 2017. ورغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أنها تتمتع بفرص كبيرة للفوز في الانتخابات لولاية رابعة؛ إلا أن ميركل قالت إن هذه الانتخابات ستكون الأكثر صعوبة على الإطلاق؛ وذلك بسبب استقطاب المجتمع والانتصارات الأخيرة التي حققها حزب «البديل لألمانيا» اليميني الشعبوي المناهض للاجئين، الذي رجحت استطلاعات الرأي نفسها أنه سيحقق مفاجآت مدوية في الانتخابات، وسيكون مهدداً حقيقياً للمستشارة في البرلمان، الذي يتوقع أن يحل حزب البديل في المرتبة الثالثة فيه، إن لم يكن ثاني أكبر كتلة في البرلمان، عقاباً على سياسات المستشارة أنجيلا ميركل، الداعية إلى فتح الحدود واستقبال اللاجئين؛ حيث تدنت شعبيتها جراء ذلك، وصعد حزب «البديل» اليميني، واستطاع أن يستثمر غضب الألمان.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد هاجمت بشدة حزب «البديل»؛ حيث قالت في تصريحات لصحيفة «بيلد أم زونتاغ»: إنه يثير التعصب واستقطاب المجتمع. وقالت إن «حزب البديل من أجل ألمانيا ليس حزباً يجمع المجتمع، ولا يطرح الحلول الملائمة للمشكلات، لكنه يثير التعصب والاستقطاب».

«لوبان» تقترب من الرئاسة

وضع الفرنسيون أيديهم على قلوبهم عند إعلان نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية، العام الماضي، عندما حل»حزب الجبهة الوطنية«اليميني المتشدد في الطليعة، في ست مناطق على الأقل من أصل 13؛ وذلك في الدورة الأولى من انتخابات المناطق الفرنسية، جامعاً نسبة أصوات قياسية 30,8%، ممثلة في تصويت 6.6 مليون ناخب، ما قاد إلى توحد حزب الرئيس هولاند الاشتراكي مع أحزاب يمين الوسط، في الدورة الثانية التي عقدت هذا العام، وهزيمة حزب لوبان المتطرف، لكن النتيجة التي حصدتها تعد رقماً قياسياً وغير مسبوقة، وتجعل الحزب منافساً حقيقياً في انتخابات الرئاسة الفرنسية، التي ستجرى شهر إبريل/نيسان العام القادم.
وترجح استطلاعات الرأي فوز لوبان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية، المقررة في إبريل/نيسان 2017، لكنها تتوقع أن تخسر إذا خاضت جولة الإعادة أمام أي منافس. وقال الاستطلاع الذي أجرته أيفوب - فيدوسيال لصالح تلفزيون أي تيلي، إن فرانسوا فيون المرشح المحافظ لانتخابات الرئاسة الفرنسية عن»حزب يمين الوسط«، سيهزم زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الثانية من انتخابات فرنسا الرئاسية بنسبة 65 % من الأصوات؛ وذلك في الاستطلاع الذي خرجت نتائجه يوم 3 ديسمبر/كانون الأول الحالي.

بينما قال الفيلسوف والمثقف الفرنسي الأشهر «بيرنارد هنرى ليفى»، إن الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة قد تشهد فوز مارى لوبان، مبرراً ذلك بأن المواطن الفرنسي أصبح غير مكترث بالسياسيين وتصريحاتهم، إذا كانت صادقة أو لا، وفقاً لما نشرته الصحيفة البريطانية «ذا تليجراف».
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الاستطلاعات ترجح فوز لوبان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وخسارتها لاحقاً، إلا أن ليفى قال: إن الانتخابات القادمة قد تتحول إلى مثال آخر لخطأ وعدم دقة الاستطلاعات، مشيراً إلى فوز الأمريكي «دونالد ترامب»، رغم أن الاستطلاعات لم تكن في صالحه، وأضاف ليفي أن فوز ترامب جعل أيّ أمر غير مستحيل في المسرح السياسي، مردفاً أن المواطنين باتوا غير مهتمين بآراء السياسيين، ومدى صدقها من عدمه، والمؤسسات السياسية التقليدية الممثلة في الأحزاب، وتوجه اهتمامهم إلى شخصيات المرشحين وخطابهم.
وكانت ماري لوبان، قالت خلال سؤالها في مقابلة مع برنامج «أندرو مار»، الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية، عما إذا كان فوز ترامب يزيد احتمالات فوزها في الانتخابات: «جعل في الإمكان تحقيق الشيء الذي كان يروج له في الماضي على أنه مستحيل؛ لذا فإنه بحق انتصار للجماهير على النخبة». وعبرت عن أملها في أن يحذو الشعب الفرنسي حذو الشعب الأمريكي في انتخابات العام المقبل.
وكانت لوبان قد قدمت نفسها في اجتماعها العلني الأول، الذي عقدته في قرية براشيه الصغيرة، شمال شرقي فرنسا، على أنها الوحيدة ذات المصداقية في الدفاع عن القانون والنظام والوحدة الوطنية، خلال إعلان ترشحها للرئاسة العام المقبل، وتعهدت بإجراء استفتاء حول بقاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي، أو مغادرتها له، إذا فازت في الانتخابات الرئاسية عام 2017.
وقالت لوبان:»إن أفضل الوسائل لمقاومة الإرهاب هي أوراق التصويت «سوف أقوم بإجراء الاستفتاء حول ما إذا كانت فرنسا تنتمي للاتحاد الأوروبي. نعم من الممكن أن نغير الأوضاع. انظروا إلى البريطانيين كيف اختاروا مستقبلهم«.
واستفاد»حزب لوبان«المتطرف من تحول اهتمامات الناخبين بعد هجمات باريس؛ حيث لم يعد النقاش في فرنسا يدور حول «الحرية والمساواة والإخاء»، بل بات يدور وبشكل متزايد حول الأمن والأمان. وفي هذا الخصوص، يقول الباحث السياسي الفرنسي ميشال توب: «اليوم باتت تتم وبكل جدية مناقشة السؤال الأساسي عما إذا كان الإسلام يعد جزءاً من مجتمعنا، وحتى عما إذا كان المسلمون سوف يحلون في النهاية «محلنا». فإلى أين وصلنا؟

واعتبر توب أن تحذير رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، من انزلاق البلاد إلى ما سماها ب «حرب أهلية» إذا فاز»حزب الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، في الجولة الثانية من الانتخابات هو تحذير في محله.

وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة أمام ماري لوبان، وربما تستطيع أن تفاجئ العالم مثل ما فعل دونالد ترامب، لكن تظل الحقيقة المؤكدة مؤجلة إلى شهر إبريل القادم، وما إذا كنا سنشهد وصول أول حزب يميني متطرف للسلطة في أوربا أم لا؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"