ابتزاز مصر

04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحمد مصطفى

لم تقتصر محاولة ابتزاز مصر على أردوغان، بل إن حليفه القطري حاول أيضاً فتح قناة تواصل مع مصر وفشلت المحاولة.

ضخم الإعلام كثيراً ما وصف بأنه «محاولات تقارب تركي- مصري» في الآونة الأخيرة، خاصة مع زيادة الضغوط على رئيس تركيا رجب طيب أردوغان نتيجة سياساته العدوانية في الجوار كله وتهديداته لاستقرار وأمن المنطقة. وتزامن ذلك مع مواجهة مصر لتبعات أزمة كورونا في ظل وضع اقتصادي ما زال في مرحلة إيلام غالبية المصريين رغم التحسن الملحوظ في الاقتصاد الكلي نتيجة السياسات الإصلاحية.

بالطبع، وكعادة جماعات الإخوان، استغلوا ذلك ليصبحوا ورقة لعب في مناورة أردوغان، وللأسف كان رد فعل الإعلام المصري مفيداً لهم حتى أنه صور حملاتهم على أنها ذات قيمة بينما هي في الواقع غير ذات تأثير ولا تخرج عن نطاق «تهويل مواقع التواصل».

من يتابع وسائل الإعلام التركية يخلص إلى فشل محاولة من أردوغان لفتح قناة مع مصر، متصوراً أن لديه أي أوراق من قبيل شراذم الإخوان الذين يستضيفهم ممن قدموا من مصر أو من قطر. فالتصريحات المسيئة للقيادة المصرية من وزير خارجية أردوغان تدل فعلاً على أن ما أشيع عن رفض القاهرة زيارته لها سراً مع وفد أمني صحيح، حتى حوار مستشار أردوغان ياسين أقطاي مع وكالة أنباء أردوغان «الأناضول» الرسمية كان أيضاً سلبياً ما يدل على أن محاولتهم مع مصر فشلت.

واضح أن القيادة في مصر تدرك تماماً أن أردوغان، مثله مثل الإخوان، كاذب ومخادع وغادر. فما تسرب عن رسائل سرية من أنقرة للقاهرة بأنها تحترم «الخط الأحمر» الذي أعلنت عنه في ليبيا من سرت إلى الجفرة لم يكن سوى محاولة فاشلة لركوب أردوغان تيار تحول في الوضع الليبي، خاصة مع الخلافات داخل عصابة طرابلس وخروج رجل مصراتة والإخوان فتحي باشاغا مطروداً إلى إسطنبول ثم محاولة طرابلس التفاهم مع القاهرة الذي أسفر عن عودة إنتاج وتصدير النفط الليبي. لكن القاهرة وحلفاءها لن يسمحوا بأن تذهب أي من عائدات النفط إلى تركيا أو جماعاتها الإرهابية أو الميليشيات الليبية المتحالفة معهم في الغرب الليبي.

وفي شرق المتوسط، لم يفلح أردوغان في الاستفادة من «ميوعة الموقف» الألماني في وجه التصدي الفرنسي القوي لسلوكه العدواني تجاه قبرص واليونان في مياههما الإقليمية.

حتى في سوريا، التي يحتل جيش أردوغان أجزاء جديدة منها ويحمي بؤرة تجمع الميليشيات الإرهابية في غيرها، لم يعد الروس يثقون في تعهداته. وهناك جدل بين الطرفين الآن حول إدلب فيما يبدو الروس على وشك السماح للقوات السورية بدك البؤرة الرئيسية لجماعات الإرهاب التي رعاها أردوغان هناك.

مع كل هذه الإخفاقات لا يمكن تصور تراجع أردوغان عن مشروعه التوسعي في المنطقة، والذي يغذيه وهم تزعمه لجماعات إرهابية تتصور أنها ما زالت ذات نفوذ في بلدانها. ولم تكن محاولة فتح قناة مع مصر سوى مناورة ابتزاز، سبق وجربها أدروغان مع الإمارات والسعودية وفشلت. ولأنه ليس بإمكانه أن يحاول مجدداً، خاصة مع السعودية، أصبح تركيزه على مصر متصوراً أن بإمكانه ابتزاز القاهرة ثم تضخيم الأمر ودق إسفين بينها وبين شركائها الرئيسيين في الخليج.

لم تقتصر محاولة ابتزاز مصر على أردوغان، بل إن حليفه العربي قطر حاول أيضاً فتح قناة تواصل مع مصر في الفترة الأخيرة وفشلت المحاولة. وتلك عادة قطرية، جربتها من قبل مع السعودية وكادت تنجح في أن تصور أزمتها على أنها يمكن أن تحل بطريقة «إرضاء» السعودية والترويج لأنها بريئة من دعم الإرهاب وإثارة الاضطرابات في الجوار، لكن القيادة السعودية منتبهة لهذا السلوك الإخواني وفوتت الفرصة على الدوحة.

ربما بدا لأردوغان، وحليفته قطر، أن ابتزاز مصر أسهل من ابتزاز السعودية. لكن الواضح أن الرد المصري على تلك المحاولات كان قاطعاً بأن القاهرة، في أزمة قطر ومشكلة ليبيا وغيرها، لا تتصرف بعيداً عن شركائها. وكان رد الفعل هو ما نراه من حملات مكثفة ضد مصر وقيادتها، لكنها حملات «غضب الفاشل» أكثر منها أي شيء آخر. ولولا الاهتمام الإعلامي بها لما تجاوز أثرها بضع آلاف من أتباعهم الإخوان أو «المتأخونين» على مواقع التواصل.

لم يعد أحد على استعداد أن يلدغ من جحر أردوغان وحلفائه مرتين. ومع أن السياسة مواءمات وتفاهمات وحلول وسط، إلا أن الأمر مع أردوغان والإخوان ومن يدعمهم ليس سوى معادلة صفرية حتى لو طال حلها سنوات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"