هل انتهى الإسلام السياسي؟

01:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

ثلاثة أحداث لفتت النظر خلال الفترة الماضيّة، كلّها تتجه إلى حسم الموقف من الإسلام السياسي ومشاريعه الظّلاميّة في المنطقة والعالم.
وتشير هذه الأحداث إلى موجة جديدة مفادها التّخلّص من الإرث الذي تركته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي أطلق منذ خطاب القاهرة في سنة 2009، موجة «حكم الإسلاميين».
 الحدث الأول الذي أثار ضجّة في وسائل الإعلام هو تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن «الإسلام المأزوم»، بقوله إنّ «الإسلام يعيش أزمة في كل مكان من العالم». الحقيقة أن مواقع الجماعات الإسلامية هي التي سارعت إلى شن هجمة قوية على الرئيس الفرنسي، دون تدقيق في الخطاب الذي يؤكّد على فئة من «الإسلاميين» هي جماعات الإسلام السياسي، أولئك الذين يتخذون الدين مطية للحكم أو لتغيير نمط المجتمع. ماكرون حذّر في خطاب له في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، «التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجاً له». وطرح الرئيس الفرنسي مشروع قانون ضد «الانفصال الشعوري»، بهدف «مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية». 
 هذه السياسات تختلف عن تلك التي سعى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي لترسيخها، حيث دعم الفوضى في ليبيا وساهم في تدمير دولتها اعتماداً على الجماعات الإسلامية المتطرّفة التي تم جمعها من كلّ أقطار العالم وتركيزها في ليبيا، وهو يواجه الآن تهمة «تكوين وفاق إجرامي».
 الحدث الثاني من فرنسا أيضاً، ويتمثل في حادثة مقتل أستاذ على يد متشدّد إسلامي في ضواحي باريس، ما قرأه المحلّلون على أنّه الحدث الذي سيحسم خيارات ماكرون في التعامل مستقبلاً مع الإسلاميين في كل أنحاء العالم. ففرنسا  غاضبة من سلوك الجماعات الإسلامية الناشطة على أراضيها، التي تحولت إلى بؤر لتجنيد المقاتلين وتوفير التمويل والاستعلامات، وباتت تشكل خطراً على الأمن الفرنسي وتحديّاً للمجتمع الحداثي، ما يعطي مشروعية للدولة الفرنسية للتصرف معها وفق القوانين، بحسب ما يراه مراقبون فرنسيون.
 أما الحدث الثالث الذي لا يقل أهمية فيتمثل في إفراج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رسائل هيلاري كلينتون التي فضحت الكثير من أسرار «الربيع العربي»، خاصة دور الميليشيات «الإسلاموية» المسلحة التي تم توظيفها في تخريب أكثر من دولة عربية اعتماداً على تمويلات ضخمة من المحور الإخواني بقيادة كل من قطر وتركيا. ونشر تلك الرسائل يمثل ضربة قاصمة لتلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي تتحدث عن «طهوريّة» ونقاء السيرة، فضلاً عن ادعائها تمثيل خيار وطني استقلالي، فثبت أنها مجرد وكلاء جدد للاستعمار.
 ترامب أراد أن يقول إنه بريء من هؤلاء الإسلاميين، وإنه بريء من مشروع أوباما، فقد سبق أن قال إن هيلاري «لم تخلف غير الدماء في ليبيا». وماكرون أعلن حرباً صريحة على الجماعات الإسلامية المتشدّدة، وهو أعلن مراراً أنّه ضد خيارات ساركوزي، وهو يميل إلى الرؤية المصرية في حل المشكلة الليبية، وطبعاً هي رؤية لا تعطي الإسلاميين حظّاً في إدارة مستقبل ليبيا، بعد أن عاثوا في البلد فساداً على مدى عقد من الزمان.
 المؤكّد أن فرائص الجماعات الأخرى ترتعد الآن لأنها تعتبر أن بقاءها في السلطة لم يعد مضموناً، وأنّ بديل الكراسي الوثيرة قد يكون الزنازين، لتورطهم في نشر الإرهاب في المنطقة..
 نحن الآن أمام خيارات صعبة، فدولنا لم تجن من حكم الجماعات الإسلامية سوى المزيد من التراجع في جميع المجالات خاصّة في الاقتصاد وفي وحدة المجتمع. والمستقبل يجب أن يكون للدولة العلمانية التي تتساوى فيها حظوظ كل المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الطائفية أو العرقية، وغير ذلك هو مزيد من الغرق في أتون الفوضى الإرهابية والصراعات المذهبيّة، التي تقود أساساً إلى حروب أهلية مدمّرة، وتاريخ الدولة العربية المعاصرة حافل بهذه الصراعات. لذلك فعلى شعوبنا أن تستعد لفترة ما بعد الإسلاميين، الذين يمثلون أسوأ «الحكّام»، بينما يبقى ديننا الإسلامي شامخاً، فهو أكبر من أحزابهم ومن أفكارهم الضيّقة، ضيق منحدرات طورا بورا وأخاديدها. هم هناك في تلك البقاع يشكلون نزعة انعزالية عن العالم المتقدّم، ونحن شعوب نرنو إلى الانخراط بكل قوتنا في عالمنا الحديث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"