تركيا والفضاء الروسي

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

بات من الواضح أن المحاولات الخجولة؛ لإيجاد حل سياسي لمشكلة إقليم ناجورنو كاراباخ باءت بالفشل، وأن أي محاولات لاحقة مشابهة؛ سيكون مصيرها مماثلاً، مادام الصراع في هذه المنطقة يتخطى عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 27 سبتمبر/أيلول الماضي، إلى الفضاء الأوسع، بما في ذلك بناء «عالم تركي» في منطقة استراتيجية، تمثل مصالح روسيا الحيوية.

 هذا بالضبط ما خلص إليه رئيس الوزراء الأرميني، من أنه لا حل دبلوماسياً لمشكلة كاراباخ في المرحلة الحالية، وما على الأرمن إلا القتال حتى النهاية، فإما «النصر» وإما «الهزيمة»؛ لكن لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء؛ لمعرفة لماذا انفجر الصراع مجدداً في هذه المنطقة، وفي هذا التوقيت بالذات. لقد ثبت أن حرب كاراباخ برمتها ثمرة تخطيط تركي من الألف إلى الياء، وتوقيتها يتعلق بمجمل التحركات التركية في سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط في إطار مشروع «العثمانية الجديدة» الذي يقوده أردوغان؛ لإحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة. كذلك يتعلق الأمر بالعلاقة التنافسية التركية - الروسية، والتي عبّر عنها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأنها ليست تحالفاً استراتيجياً، وإنما علاقة قائمة على المصالح المتبادلة أولاً وأخيراً، وبالتالي يمكن لتركيا المشاكسة والتي تتخبط في كل الاتجاهات أن تلعب على التناقضات، وتستفيد من الثغرات الدولية؛ لإطلاق مشروعها، خصوصاً أنها تعتبر روسيا معرقلاً لها في سوريا وليبيا، وحتى في المتوسط، وبالتالي فهي قادرة على نقل التوتر والصراع إلى داخل الفضاء الروسي ومصالحه الحيوية.

 هذا يبدو واضحاً ليس فقط في توفير كل أشكال الدعم لأذربيجان؛ بل في جلب المرتزقة، والتلويح بإرسال قوات تركية إذا لزم الأمر، في منطقة شديدة الحساسية بالنسبة لروسيا. والأخطر هو اللعب على وتر القومية التركية، كما في أذربيجان؛ حيث شعار: «شعب واحد في دولتين»، خصوصاً أن روسيا متعددة القوميات، ولديها كثيرون من القومية التركية يعيشون على أراضيها؛ بل إنها تعد أذربيجان نفسها من الأراضي التي كانت تابعة لروسيا، فماذا لو تمت إعادة صياغة هذا الشعار في «شعب واحد في دولة واحدة»، كما يقول بعض المحللين الروس، الذين يعتقدون أن هدف تركيا النهائي ليس كاراباخ، وإنما الوصول إلى ساحل بحر قزوين الغني بثرواته النفطية وخطوط الأنانبيب ذات الأهمية الجيوسياسية؟ وماذا سيكون موقف موسكو في حال ظهور قواعد عسكرية تركية مفاجئة على ساحل قزوين وغسل «بساطيرها» هناك؟

 من هنا يمكن أن نفهم لماذا انسحبت تركيا من نقطة مراقبة مورك الساقطة عسكرياً في سوريا، وستنسحب على الأرجح من الكثير من النقاط الساقطة عسكرياً أيضاً؛ خوفا من عملية عسكرية يرى البعض أنها باتت حتمية للجيش السوري؛ لاستعادة شمال غربي البلاد، وتجفيف منبع المرتزقة، وإن كان ذلك لن يكفي؛ لوقف جماح التمرد التركي؛ إذ إن الأمر بات يتطلب قراراً حاسماً من موسكو تجاه تركيا، بما في ذلك التخلي عن حيادها بين أرمينيا وأذربيجان؛ خدمة لمصالحها الحيوية والاستراتيجية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"