قبل الواقعة الأمريكية

02:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

عند لحظة تحول حرجة في النظام العالمي تكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي توشك أن تحسم نتائجها في صناديق الاقتراع بعد أيام، أهمية استثنائية في تاريخ الإمبراطورية، التي أخذت مداها بعد الحرب العالمية الثانية، حتى بدأت ضربات جائحة «كورونا» تعري ما هو كامن من أوجه ضعف وخلل في بنيتها الداخلية، وتبرز ما هو محتمل من تراجع في أوزانها الدولية.

 بقدر الأسئلة الوجودية، التي تطرح نفسها بإلحاح على المستقبل المنظور، فإن السباق الحالي إلى البيت الأبيض يتجاوز أية تصورات عن الانتخابات والفوارق بين الرجال والسياسات والأولويات إلى قدرة المؤسسات الأمريكية على ضمان سلامة الانتخابات والتسليم بنتائجها.

 نحن أمام واقعة حاسمة لا محض انتخابات اعتيادية. هناك أصوات أكاديمية وصحفية عدة في الولايات المتحدة تحذر من الانفلات إلى الفوضى واحتمالات الانجراف إلى حرب أهلية ثانية. الانقسام الفادح هو العنوان الأخطر للانتخابات الرئاسية وقد توالت مشاهده الأخيرة منذرة بما بعدها.

 على بعد أيام من الحسم الانتخابي في 3 نوفمبر المقبل طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية بسيطة، تعيين القاضية المحافظة إيمي باريت في المحكمة العليا.

 كان ذلك داعياً لانسحاب الأعضاء الديمقراطيين من اللجنة القضائية عند نظر ذلك التعيين قبل عرضه على مجلس الشيوخ مجتمعاً.

 هناك احتمال ماثل بتأخر إعلان نتائج الانتخابات، واللجوء إلى المحكمة العليا، التي يحيط تشكيلها تساؤلات وشكوك حول نزاهتها هي نفسها في حسم أية منازعات في شأن من يتولى رئاسة الدولة.

 منذ فترة طويلة نسبياً دأب ترامب، على التشكيك في نزاهة الانتخابات والتصويت بالبريد متوقعاً أن يحدث تزويراً يخرجه من البيت الأبيض ملوحاً مرة بعد أخرى بأنه لن يقبل النتائج بتسليم السلطة.

 لا يمكن لرجل بمواصفات ترامب، الذي يستند إلى قاعدة صلبة من الأمريكيين البيض تصل إلى (40%) وفق التقديرات المتداولة، أن يتقبل بسهولة خسارته الانتخابية. هو مستعد أن يفعل أي شيء وكل شيء كي يبقى على مقعده الرئاسي في البيت الأبيض.

 في المناظرة الرئاسية الثانية والأخيرة بدا ترامب، أكثر استعداداً وانضباطاً من الأولى، التي أفرط خلالها في مقاطعة منافسه حتى بدت فقرة مقتطعة من أعمال السيرك.

كان لافتاً في أداء ترامب، قدر التركيز المدروس على مساحات الصراع والخلاف مع إدارة باراك أوباما، كأن الرئيس السابق هو الذي يناظره.

 لهذا السبب أمر بالإفصاح عن الرسائل الإلكترونية لوزير الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، في محاولة لاستدعاء هزيمتها في انتخابات 2016 والتعريض في نفس الوقت بكل سياسات ورموز إدارة أوباما.

 «ماذا فعلتم.. أنت وأوباما عندما كنتما في السلطة؟». هكذا خاطب بايدن، لمرات عدة أثناء المناظرة الثانية بقصد صد أي هجوم متوقع على سياساته، فإذا كان ممكناً النيل من تجربة حكمه فإن الأمر نفسه جائز على منافسه.

  أخطر ما هو منسوب لترامب، سوء إدارته لجائحة «كورونا»، ف«المسؤول عن العدد الكبير من الوفيات لا يصح أن يصبح رئيساً». كانت تلك نقطة قوة في أوراق بايدن، الذي حاول أن يبدو طوال المناظرة الأخيرة رجل دولة رصيناً ومقنعاً. 

 الأزمات الأمريكية الأخرى، التي تدخل في شواغل المواطن الأمريكي العادي، أخذت مساحات واسعة من المناظرة، ولم يكن في المحصلة الأخيرة كاسب وخاسر.

 إذا لم تحدث معجزة ما تنقذ فرص ترامب، في الأمتار الأخيرة، فإن جو بايدن، هو الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.

 العالم كله في لحظة ترقب ما قد يحدث قبل تسليم السلطة وما بعدها، ومدى التصدعات المحتملة في بنية المؤسسات الأمريكية وتأثيراتها على العالم كله وموازين القوى والمصالح فيه.

 لمن قيادة النظام الدولي، الذي يكاد يولد من تحت ركام جائحة «كورونا»؟هناك شروخ عميقة في بنية حلف «الناتو» وفي التحالف الغربي الذي قادته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

 هذه أزمة قيادة وأوزان وأدوار. الأوروبيون أقرب إلى بايدن. حسابات القوى لا تعرف الأهواء، قد يفضل الروس ترامب، وقد يلجأ الصينيون إلى تحسب الخطوات على طريقتهم المعتادة، دون أن يخسروا بوصلاتهم التي تحكم حركتهم وفق مصالحهم واستراتيجياتهم.

 إذا ما فاز ترامب، بمعجزة ما، فإن تراجع الدور الأمريكي شبه مؤكد. وإذا ما فاز بايدن، فإن الأمر كله يتوقف على الطريقة التي يتصرف بها في الملفات الملغمة، ومدى إدراك إدارته لمتغيرات القوة في العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"