الربيـع الحـارق

23:15 مساء
قراءة 3 دقائق

حسن العديني

ليس جديداً محتوى البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، فقد نشر أكثره في 2016 أثناء خوضها السباق إلى البيت الأبيض، وكان واحداً من عوامل كثيرة دفعت دونالد ترامب القادم من خارج الطبقة السياسية إلى مقعد رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية.

 وليس جديداً استخدام «الإخوان المسلمين» أداة من أدوات السياسة الأمريكية في المنطقة العربية؛ فهي تستخدمهم باستمرار كما استخدمتهم ولا تزال حكومات وأجهزة استخبارية غربية، خصوصاً ماقامت به الحكومتان البريطانية والألمانية. الجديد هو درجة الانكشاف والسفور في انتهازية «الإخوان» وتعطشهم للسلطة، واستعدادهم للعمل تحت إمرة شياطين الإنس والجن.. ولو خانوا أوطانهم.. ولو دمروا شعوبهم. مع هذا الجديد لم يعد المشتغلون بالسياسة أو المتابعون والمهتمون يعرفون وحدهم الوجه القبيح لجماعة «الإخوان».

 هذه المرة رأتهم الجماهير عراة في العراء يخطفون الربيع من أيدي الثوار الحقيقيين ثم حين يقبضون على الحكم يكشفون عن وحوش ضارية تفتك بالخصوم وتنهب المال وتبدد الثروة وتعيث في الأرض الفساد. رآهم المصريون وثاروا ضدهم واستعادوا دولتهم فخرجوا يقتلون ويدمرون ويحرقون بلا هوادة. ورأوهم في اليمن ينهبون بشره ويقتلون بلا رحمة. وفي ليبيا وفي تونس وغيرهما. وكانوا من قبل شوهدوا يمارسون القتل والتخريب في الجزائر وسوريا ودول شتى. وشوهدوا يسيئون استخدام السلطة منفردين في تونس وشركاء في اليمن؛ لكن سوء العمالة لم ينكشف كما انكشف اليوم، ولم تجر أصابع مسؤول غربي على لوحة مفاتيح الكمبيوتر وتوثق ارتباطاتهم المشبوهة كما فعلت هيلاري كلينتون في تأكيد تحريكها الدمى «الإخوانية» خلال ذلك الربيع المزعوم.

 علي أن ألفت الانتباه إلى أن وصف ما سمي «الربيع العربي» بالمزعوم، لا يحمل انتقاصاً بالشباب الذي خرج إلى الساحات والميادين، وفيهم من دفع حياته، وبينهم من تعرض للإصابة ومن اعتقل وعذب وأُهين. وإطلاق الربيع على ما جرى في ذلك العام لم يكن ابتكاراً عربياً؛ فقد ظهر في الصحافة الغربية في محاكاة لربيع أوروبا سنة 1848، وما سمي ربيع براغ في 1968 حين تمرد قادة الحزب الشيوعي التشيكي على الهيمنة السوفييتية.

 ربيع أوروبا تغلبت عليه الرجعية في القارة العتيدة، وربيع براغ سحقت زهوره جنازير الدبابات السوفييتية. وأما «الربيع العربي» فقد أكل نفسه بنفسه؛ إذ انتصر الذين خرجوا إلى الشوارع، وأزاحوا الأنظمة القديمة أو انهكوها غير أن الزهور لم تتفتح والعصافير لم تغرد.

 وقد يطيب للبعض أن يسميه خريفاً تساقطت فيه الأوراق وهبت الرياح وتطاير الغبار ملء الفضاء، وما حدث في الواقع أنه بدأ ربيعاً مزهراً ثم في غمضة عين انتهى صيفاً لاهباً وحارقاً لم يزل حتى اللحظة.

 تجلت ومضة الربيع في حماس الناس من كل الأعمار وفي حيوية الشباب الدافقة على وجه خاص فقد تدافعوا يغرقون الشوارع والميادين وتصدوا للرصاص بلحم صدورهم ورؤسهم العارية. كان هذا تعبيراً عن أن هناك أروحاً متمردة؛ بعد أن انهكتها الأوجاع، ومهما كان من تفاوت علاقات الأنظمة التي قامت ضدها الثورات بهموم الناس وتعبيرها عن مصالح الأقلية أو الأغلبية فإن المشترك بينها يتمثل في ثلاثة أشياء؛ وهي: 

 الأول: أن مدة بقائها على الكراسي تطاولت أو أنها بحسب تعبير محمد حسنين هيكل «شاخت في مواقعها». لقد بقي الحاكم طويلاً يجلس على المقعد الأول وبقي معه من ورثهم من عهود سابقة لا يتبدلون إلا بعد أن يذهبوا إلى المقابر. وفي الأغلب كان السياسيون المحترفون يستبدلون بموظفين من خزائن البيروقراطية. ولقد صادروا الوظيفة العامة وأنزلوها من قواعد القانون إلى رغبة الحاكم؛ فوضعوا أصغر الناس قيمة وكفاءة في أعلى المراتب.

الثاني: أنهم انخرطوا في سلوكات قميئة في التعامل مع المال العام، وقام زواج غير شرعي بين كبار الموظفين الحكوميين والرأسمالية الطفيلية والانتهازيين الباحثين عن فرصة، وتمت عملية نهب واسعة وهروب بالثروة إلى خارج البلاد. وكان «الإخوان المسلمون» من أباطرة المال ودهاقنة الفساد بتحالفهم مع بعض الأنظمة، وبإغرائهم بالمال من أنظمة أخرى تشتري صمتهم.

 والثالث: أنهم وبعد أن استرخوا على الأرائك والسرر المريحة وما استمتعوا به من المن والسلوى أرادوا توريث هذا النعيم لذريتهم، ولعلى شهوة الاضطهاد أغرتهم بأن يحكموا من قبورهم. وطال صمت الشعوب ثم انتفضت. وكان الأمريكيون وغيرهم يعرفون بالدراسة والتفكير والتقدير أن الشعوب العربية جاهزة للتغير وأدركوا ضرورة استخدام قوة منظمة لتسلك أول الطريق أو تأتي في منتصفه.

 وتقدم «الإخوان»، تقدموا مرتزقة بأجر، تقدموا وسرقوا الثورة، وتحول الربيع إلى صيف ملتهب، والشعاع الذي أضاء انقلب ناراً حارقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"