عادي

«ذا ويتشز»..سحر انقلب على الساحر

22:18 مساء
قراءة 5 دقائق
ذا ويتشز
ذا ويتشز

مارلين سلوم

يقول المثل «غلطة الشاطر بألف»، لكن أحياناً تكون غلطة الشاطر بملايين. فلم تتوقع شركة «وارنر بروذرز» أن تقع في خطأ يكلفها الندم على إعادة تقديم فيلم «ذا ويتشز»، أو «الساحرات»، المعروض في الصالات، عن قصة لرول دال أشهر مؤلف قصص أطفال، مستعينة بفنيين ومصممين لتطوير الشخصيات فتبدو نسخة 2020 أقوى وأفضل من النسخة الأولى التي قدمتها عام 1990. 

وبدلاً من أن تكسب «وارنر بروذرز» ودّ الصغار، والكبار، وتحقق أرباحاً، تكلّفت 45 مليون دولار، وأثارت بتعديلاتها الحديثة غضب الجمهور، والنقاد، ما اضطر الشركة، ومعها بطلة الفيلم النجمة آن هاثواي، إلى الاعتذار، وإبداء الندم الشديد، خصوصاً أن النقمة محقة والشركة، آذت مشاعر بعض الأطفال، وأهاليهم عن غير قصد.

معروف أن الكاتب البريطاني رول دال، هو أشهر من داعب خيال الأطفال بقصصه الخيالية، التي يجمع فيها بين الحقيقة، والأوهام، كأنه يتجول في عقول الأطفال ليستخرج منها ما يفكرون فيه، وكل مخاوفهم، وعالمهم الخيالي الساحر، ويربطه بالواقع الذي يعيشونه. كل قصص دال تقوم على شخصيات غريبة، تبنى على «فانتازيا» جميلة، ومحببة، ولا تخلو أبداً من العمق الفلسفي، والتحليلي المنطقي للحياة، وللعائلة، ولعالم الصغار.

كتاب «الساحرات» الذي صدر عام 1983، هو أيضاً لاقى نجاحاً، لذا حولته شركة «وارنر بروذرز» عام 1990 إلى فيلم سينمائي، بإدارة المخرج نيكولاس روج الذي عرف كيف يجذب الجمهور، ويرضيه. وكعادة شركات الإنتاج الكبرى، قررت «ورنر» أن تعيد تقديم الفيلم إنما بنسخة تواكب العصر، فأوكلت للمخرج روبرت زيميكس مهمة الإخراج، وقد تولى مع كينيا باريس، وجييرمو ديل تورو، مهمة كتابة السيناريو، مع إجراء تعديلات على شكل «الساحرات». ولولا هذه التعديلات، لاعتبر الفيلم إضافة، ومن المؤكد أنه كان سيحقق نجاحاً لما فيه من أسماء يحبها الجمهور، وأداء مميز، وإخراج جيد.

عالم الخرافات

قصة رول دال تسرح في عالم الخيال، وأساطير الطفولة التي لا يصدقها الكبار طبعاً، لكنهم يستمتعون في سردها لصغارهم، ومشاهدتها معهم على الشاشة. وفيلم «الساحرات» يأخذنا خلال ساعة و46 دقيقة إلى عالم الخرافات التي تحكوها الجدات لأحفادهن. قصة يرويها بطلها (جازير برونو) من دون التعريف باسمه، منطلقاً من عبارة «قصتي بدأت في الشهر الأخير من عام 1968». نفهم أنه تعرض لحادث حين كان مع والديه في السيارة، توفيا، وبقي وحيداً مصدوماً. أخذته جدته (أوكتافيا سبينسر) ليعيش معها، فيستعيد ذكريات أمه في غرفتها، وصورها، وأغراض طفولتها. وتحاول الجدة إخراج ابن الثمانية أعوام من حالة الاكتئاب، فتشتري له فأرة ليربيها، ويتسلى. يطلق عليها اسم «ديزي»، ويحملها في جيبه أينما يذهب. يذهب مع «الجدة» إلى أحد محال البلدة، فيقابل امرأة غريبة الشكل، والأطوار، على ذراعها أفعى، وفوق رأسها قبعة. تمد يدها لتقدم له قطعة حلوى، فإذا بجدته تناديه فتختفي المرأة، ويهرب مذعوراً.

مثار جدل وغضب

وفي البيت يحكي لجدته ما حصل، فإذا بها تخيفه أكثر بتأكيدها أن من رآها هي ساحرة، والساحرات يكرهن الأطفال، ويستمتعن ب«سحقهم»، ثم تؤكد حكايتها بأنها رأت صديقة الطفولة أليس وقد أخذت من إحدى الساحرات حلوى أكلتها، ثم تحولت إلى دجاجة. عندها تقرر الجدة أن تأخذ حفيدها ويهربان من القرية إلى ألاباما، لينزلا في فندق يعمل فيه أحد أقربائها الطاهي إيستون. فندق فخم وجميل، لم يخطر ببالها أبداً أن تقصده مجموعة الساحرات، وعلى رأسهن «الساحرة الأعظم»، وتؤدي دورها آن هاثواي، ليعقدن اجتماعاً يقررن فيه القضاء على كل الأطفال، وتحويلهم إلى فئران بفضل خلطة سحرية أعدتها «الساحرة الأعظم».

يسأل الطفل جدته عن مواصفات الساحرات، فتخبره بأن لديهن فتحات أنف ضخمة، ورؤوساً بلا شعر، مغطاة إما بقبعات، أو بشعر مستعار، وأصابع أيديهن وأرجلهن ناقصة ،ومشوهة. نتوقف عند هذه النقطة التي هي مثار الجدل، بل مثار الغضب.

لم يذكر المؤلف رول دال أن قبح الساحرات يتجسد شكلياً بأصابع ناقصة، أو غير مكتملة، وفي النسخة الأولى عام 1990، اكتفى المخرج نيكولاس روج بجعل أصابعهن متعرجة، ومتجعدة، ومخيفة، في حين ارتأى روبرت زيميكس في النسخة الحالية أن يجعل أصابع اليد ثلاثاً، ما أغضب من يعانون تشوهات خلقية في اليدين، أو الرجلين، وسريعاً ما انطلق «هاشتاج» يسخر من «الساحرات» ويندد بالفيلم باعتباره لا يراعي مشاعر الناس، وبالتالي هو مرفوض، ويجب مقاطعته. وعلى الفور خرجت تصريحات متتالية من النجمة آن هاثواي باعتبارها «الساحرة الأعظم» والتي يظهر التشوه في يديها ورجليهما جلياً، بل تركز الكاميرا عليها مطولاً، تعتذر فيها لجمهورها، وكل طفل «آذته من دون علم منها»، ومن كل أهل أساء العمل لمشاعرهم. وكان سبقها تصريح من الشركة المنتجة «وارنر بروذرز» تعتذر فيه عن هذا الخطأ غير المقصود، حيث إنها اعتمدت على فريق عمل ابتكر شكلاً جديداً من أجل تطوير القصة، وإدخال بعض التعديلات البسيطة عليها تتلاءم مع تطور الإنتاج السينمائي، ولم ينتبه أي منهم إلى أنهم يمسون مشاعر فئة من الناس.

هاثواي الممثلة المحبوبة والحائزة على جائزة «أوسكار»، و68 جائزة عالمية أخرى، اعترفت بأنها لم تربط شكل الشخصية الخيالية التي أدتها بالأشخاص الحقيقيين الذين يعانون تشوهات في اليدين، والرجلين، وهي لا تلام في ذلك، بل كل اللوم على المخرج أولاً، لأنه هو المسؤول عن الفيلم، وعن شكل كل شخصية، خصوصاً أن العمل ربط بين التشوهات والساحرات الشريرات، باعتباره يميزهن عن باقي المخلوقات. لذا علق المذيع والممثل الكوميدي أليكس بروكر، وهو يعاني بدنياً من هذه التشوهات، أن الفيلم قدم للجمهور رسالة مضمونها «إنه يجب أن نخاف من الأشخاص الذين فقدوا أصابعهم».

سقطة فنية

هل كان بمقدور الفيلم أن يحقق نجاحاً كبيراً لولا هذه السقطة الفنية- الإنسانية التي لا تغتفر؟

 لن نعتمد على إيرادات شباك التذاكر كي نقيس نسبة الأرباح كمعيار للنجاح، لأن الأفلام في زمن العروض المحدودة والأعداد المنقوصة بسبب وباء «كورونا»، لا تستطيع تحقيق الأرقام الخيالية التي كنا نسمع عنها قبل الجائحة. من حيث تقييم العمل بحد ذاته، فهو ناجح من حيث القصة، ومن حيث تفنن المخرج باستخدام التقنيات، مثل تكبير وتصغير فتحات أنف «الساحرة الأعظم»، ومد فمها، وتضخيم أسنانها لحظة تحولها من شكل امرأة عادية فاتنة إلى ساحرة شريرة، وتضخيم صوتها مع حشرجة فيه كأنه صوت أفعى، وقد تلاعب بالتغيرات هذه في المشهد الواحد مرات عدة. ومن أهم المشاهد تلك التي كشفت فيه الساحرة عن حقيقتها خلال اجتماعها بكل الساحرات في قاعة الفندق، وتحليقها عالياً، وتمايلها. الفيلم عبارة عن مغامرات طفولية جميلة، ترتبط بخيال الأطفال وعالم السحر الذي يجذبهم، ويخيفهم، في آن، ومؤسف أن يخطئ مخرجه فيدفع هو، وكل فريق عمله وشركة الإنتاج الثمن، ويتحول العمل من مصدر بهجة لكل الأطفال، إلى مصدر أذى لبعض أصحاب الهمم.

 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"