شرك «هُم» و«نحن»

23:55 مساء
قراءة دقيقتين

 

من الواجب أن يبدي المسلمون غيرتهم على رسولهم الكريم في وجه أي إساءة من أي جهة أو أفراد أتت، كما حدث مع ردة الفعل تجاه رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام ونبيه، فما من أصحاب دين يرضون بأن يتمّ النيل من دينهم.
احترام الأديان والمِلل المختلفة من مرتكزات أي ثقافة تنشد التسامح والعيش المشترك الآمن بين البشر. لا يمكن أن نقول إننا دعاة تسامح حين نقرّ الإساءة لأي ملة أو عرق أو ثقافة قومية أو دين، فجوهر فكرة التسامح ليس مبنياً على قبول التعدد والتنوع القائمين في العالم فحسب وإنما احترامه. إذا أراد البشر أن يعيشوا متآخين، عليهم أن يقرّوا بأن العلاقة بين المرء وربه شأن خاص به، لا دخل للآخرين فيه، وهذا ينطبق على الجماعات أيضاً التي لا يمكن حملها قسراً على التخلي عما تؤمن به.
الإقرار بهذه الأمور التي هي بمثابة بديهيات، يتطلب رفض التمادي في استراتجية التقسيم القائمة على مبدأ «نحن وهم»، لأنها تنطوي في بعض جوانبها على مزالق شريرة يمكن أن تدفع «بنا» و«بهم» إلى الشرك الذي أحسن أمين معلوف وصفه ب «الهويات القاتلة» في كتابه الشهير الذي يحمل هذا العنوان.
إذا كان معلوف قد تحدث عن خطورة هذه «الهويات القاتلة» على المجتمع الواحد، منطلقاً من تجربة مجتمع متعدد ومتنوع في تركيبته الدينية والمذهبية والإثنية، كالمجتمع اللبناني، الذي أتى منه الكاتب، فإن هذه الخطورة تتخطى الإطار المحلي لتشمل العلاقة بين المجتمعات والثقافات المختلفة.
علينا ألا نسمح بأن نجعل من كل الغرب «هُم»، ومن كل المسلمين «نحن» هكذا في المطلق ودون تمحيص في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان.
وبمقدار ما نرفض أي إساءة تنال منا، علينا أيضاً أن نظهر الشجاعة نفسها في رفض أي إساءة لصورة الإسلام تصدر من داخلنا، من خلال الجماعات التكفيرية المتطرفة، التي تتبنى الإرهاب منهجاً وسلوكاً، ولا يتردد أفرادها في قطع رؤوس أشقائنا غير المسلمين الذين يعيشون في هذه المنطقة منذ قرون غابرة، وسبي نسائهم، كما حدث مع الإيزديين والمسيحيين في العراق، وغير العراق، بل ما حدث مع أصحاب مذاهب إسلامية أخرى.
وكما نرفض أي إساءة تصدر في الغرب لنا، علينا أن نرفض بشجاعة لا تقل صور الإرهاب والتطرف والعنف التي نقلها بعض أبناء جلدتنا لهذا الغرب لتنال من قيمه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"