«العين الحمراء» للدولة العميقة

23:50 مساء
قراءة دقيقتين

 

في رفضه للنتائج المعلنة للانتخابات والتشكيك في نزاهتها، لا يبدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حال تحدٍ لخصمه الديمقراطي الفائز، وإنما هو يتحدى، قبل ذلك، المؤسسات الراسخة في البلد، أو هكذا يفترض، والتقاليد المرعية، مسجلاً بذلك سابقة في تاريخ الانتخابات ألأمريكية، لا تصح مقارنتها بما حدث في العام 2000، حيث انحصر الخلاف بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي على احتساب أصوات ولاية واحدة فقط، هي فلوريدا، التي رجحت فوز بوش بولاية ثانية.
تشكيك ترامب في النتائج المعلنة لا ينحصر في ولاية واحدة وإنما في عدة ولايات مهمة خسرها، ورجحت كفة منافسه، رغم خسارة فريقه القانوني العديد من القضايا التي رفعها للمحاكم، لأنها لم تجد فيها ما يعتد به من حجج أو أدلة.
تفوق بايدن لا يبرز فقط في فارق ملايين الأصوات لصالحه، وإنما أساساً في ما ترجحه المعطيات بنيله 306 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتاً لترامب، ما يجعل من المتعذر قلب المعادلة، حتى لو نجحت دعوى أو أكثر في تغيير النتيجة لصالح ترامب، وهو أمر مشكوك فيه أيضاً.
الآراء متعددة حول غاية ترامب من التمادي في هذا التشكيك. البعض يردّ السبب إلى عجزه عن الإقرار بهزيمته في معركة بدا واثقاً أنه سيكسبها حكماً من القاعدة الشعبية المؤيدة له، وهي على ما رأينا قاعدة واسعة ومؤثرة، ويعبر هذا البعض عن ذلك بكلمات: «ترامب لا يقبل الهزيمة».
آخرون يرون أن سلوك ترامب ليس أكثر من استعراض إعلامي ألفه الرجل خلال سنواته الأربع المنقضية في الرئاسة، حين أدمن على «تويتر» كمنصة لخوض معاركه وإرسال رسائله التي لا تخلو من تهور وتناقض، وأن هدف هذا الاستعراض هو الإبقاء على حالة التأهب القائمة فعلاً في قاعدته الانتخابية، لأن إقراره بالهزيمة سيجعل قطاعات واسعة من مؤيديه تركن، محبطة، للأمر الواقع.
لكن السؤال المهم في هذه «المعمعة» هو: أين هي الدولة العميقة في أمريكا، التي طالما جرى الحديث عنها، والتنظير لدورها، الذي يتجاوز دور الرؤساء؟ فهؤلاء عابرون، أما هي فباقية، لأن إقامة الرئيس بالبيت الأبيض لن تتجاوز ثماني سنوات في حال كان محظوظاً وفاز بولاية ثانية، وقد لا تتخطى السنوات الأربع كما هي الحال الآن مع ترامب.
في ظاهر الأمور يبدو ترامب حتى اللحظة متنمراً على تلك الدولة. هل تراها انهزمت أمامه أم أن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت لن يتجاوز بضعة أسابيع، تريه، بعدها، «عينها الحمراء»؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"