محاكمة ساركوزي

23:22 مساء
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لم يكن نيكولاي ساركوزي أول رئيس فرنسي يخضع للمحاكمة على خلفية قضايا فساد من بينها استغلال النفوذ وتلقي الرشوة، ولكنه، في سابقة من نوعها، أول رئيس فرنسي يمْثُل حضورياً أمام القضاء في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

فقد سبق أن حوكم، من قبله، الرئيس جاك شيراك بتهمة اختلاس أموال عامة عبر وظائف وهمية في بلدية باريس، لكنه لم يمثل أمام القضاء؛ بسبب وضعه الصحي، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين في عام 2011، فيما يواجه ساركوزي، إذا تمّت إدانته في هذه القضية، احتمال السجن لعشر سنوات وغرامة بقيمة مليون يورو. غير أن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فهناك قضايا أخرى تنتظر ساركوزي لمحاكمته، لكننا نبدأ من القضية الحالية المسماة قضية «التنصت» والمتورط فيها معه محاميه وأحد كبار القضاة السابقين، وهي قضية منبثقة، في الأصل، من ملف قضائي آخر يهدد الرئيس الأسبق، هو الشبهات بحصوله على تمويل ليبي لحملته الرئاسية في عام 2007، إذ قرر القضاة في سبتمبر/أيلول 2013 إخضاع ساركوزي للتنصت؛ ليكتشفوا في مطلع عام 2014 أنه كان يستخدم خطاً سرياً واسماً مستعاراً هو «بول بيسموث» للتواصل مع محاميه، وأنهما اتفقا على تقديم مساعدة لأحد القضاة الكبار بتعيينه في منصب رفيع في موناكو مقابل تقديم القاضي معلومات يفترض أنها سرية تتعلق بدعوى رفعها ساركوزي أمام محكمة التمييز على هامش ملف آخر يرتبط بقبوله دفعات غير قانونية من وريثة شركة «لوريال» ليليان بيتانكور، لتمويل حملته الرئاسية عام 2007.

 وهكذا تجمعت القضايا واحدة تلو الأخرى، وكانت الصدمة الحقيقية لساركوزي هي مصادقة أعلى سلطة قضائية في 2016 على «قانونية» التنصت الذي كان يراهن على أنه أمر غير قانوني، وكان يعتبره «فضيحة» مدوية فيما هو «فضيحة» بالفعل ولكن ليس للقضاء أو القانون، وإنما لما كان يقوم به ساركوزي من عمليات فساد دفعت النيابة العامة في مرافعات شديدة اللهجة جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2017 إلى وصف أساليبه بأنها أساليب «مجرم محنك». ومع ذلك، ينفي ساركوزي القيام بأي عمليات فساد، ويصر على أنه يتوجه إلى المحكمة للدفاع عن نفسه «بروح قتالية»، ويؤكد أن القاضي الذي وعده بالمنصب الرفيع، والذي لم يمثل أمام الجلسة الافتتاحية لأسباب صحية، لم ينله، محذراً من استغلال هذه المحاكمة لأهداف سياسية. 

لكن مشكلة ساركوزي، الذي تنتظره أيضاً محاكمة أخرى في الربيع فيما يسمى بقضية «بيجماليون» حول تكاليف حملته الانتخابية لعام 2012 والتي خسرها لصالح فرانسوا هولاند، أن كل القضايا التي يحاكم بسببها مربوطة بخيط واحد، هو كيفية الحصول على المال لتمويل حملاته الانتخابية، بغض النظر عن قانونيتها وشرعية الحصول عليها، وفي ضوء ذلك يتم استخدام النفوذ والرشوة أحياناً لطمس معالم مصادرها، والسعي لإضفاء الشرعية القانونية عليها. لكن من المؤكد أن فرنسا المشهود لها بنزاهة قضائها ستظهر الحقيقة، وتحقق العدالة التي تليق بسمعتها وتاريخها، حتى لو أدى ذلك إلى محاكمة رؤسائها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"