مارادونا

23:21 مساء
قراءة دقيقتين

يمكن للاعب كرة قدم بسمعة الأرجنتيني دييغو مارادونا أن يتحول إلى أسطورة وإلى أيقونة، ويبلغ مكانة من الشهرة وتعلق الناس به يحسدها عليه أشهر الساسة والملوك، وحتى مشاهير السينما والغناء.
جانب من الأمر يتصل بلعبة كرة القدم ذاتها، اللعبة الأكثر شعبية ومتابعة في العالم كله، التي تستحوذ على أبصار وأفئدة ملايين البشر، لكن هناك جانباً آخر يتصل بشخص اللاعب نفسه، كما هو حال مارادونا.
لا يرث لاعب كرة القدم اللامع المجد أو النفوذ من أبيه أو جده، وإنما يصنع مجده الشخصي بالمهارات التي تتجمع لا في رجليه فقط، وإنما في ذهنه وشخصيته.
على صلة بهذا تفند كاتبة صحفية، هي مارتشيلا مورا أرويو، الفكرة التي انطبعت عند الناس عن مارادونا بأن مهاراته كانت في رجليه فقط، وأنه افتقدها في عقله، قائلة إنه من أذكى لاعبي كرة القدم في العالم.
لا يمكن أن تأتي سيرة مارادونا، لا بل سيرة لعبة كرة القدم كلها، دون أن تحضر أمريكا اللاتينية، القارة الجاذبة، المحيرة، الساحرة، التي وصفها فيلم قديم بـ «القارة الملتهبة»، القارة التي لم تعطنا أدباً عظيماً فقط، ولا ثواراً أصبحوا أيقونات عالمية لكل التواقين للحرية والعدالة فحسب، فاسمها اقترن أيضاً بأشهر فرق كرة القدم في العالم، وبلاعبيها اللامعين.
بل إن أحد أبرز كتابها هو أدواردو جاليانو وضع واحداً من أهم وأجمل الكتب عن لعبة كرة القدم، أسماه: «كرة القدم في الشمس والظل». ونحن، معشر القراء العرب، ممتنون لمترجمنا الرائع من الإسبانية المرحوم صالح علماني لأنه أتاح لنا فرصة قراءة هذا الكتاب بلغتنا.
عن مارادونا قال جاليانو: «في كرة قدم نهاية القرن العشرين العاجزة التي تطالب بالربح وتمنع المتعة، كان هذا الرجل هو أحد القلة الذين أثبتوا أنه يمكن للخيال أن يكون فعالاً». وحين أصبح مارادونا هدفاً للسهام من الحاسدين، كتب جاليانو يقول: «خطيئته أنه كان الأفضل، ويندد بأعلى صوته بالأشياء التي يأمر النظام بالصمت عنها، ويقترف جريمة اللعب الأعسر»، في إشارة إلى استخدامه قدمه اليسرى في التسديد.
تأتي لحظة يتعين على لاعب كرة القدم مهما كانت مهاراته وقدراته مغادرة الملاعب. ينطبق هذا على كل اللاعبين بمن فيهم مارادونا نفسه. حين أزفت هذه اللحظة قال: «من الصعب أن تعيش طبيعياً إذا ذهبت إلى القمر وعدت إلى الأرض، لأنك تكون قد تعودت على القمر».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"