أمريكا اللاتينية المتأرجحة

00:42 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تواجه دول أمريكا اللاتينية أزمات صحية واقتصادية واجتماعية يأخذ بعضها برقاب بعض، وتقول المؤشرات في أكثر من بلد إن تلك المنطقة مقبلة على مرحلة من التوترات والتحركات على أمل إحداث تغييرات بعد انسداد الآفاق في ظل الشكاوى من الفساد واتساع رقعة الفقر وقمع الحريات.

في مواجهة وباء كورونا، تقول المنظمات الصحية إن معظم الدول اللاتينية تواجه تحدياً هائلاً في السيطرة عليه بعدما ألحق بالسكان أضراراً بشرية واقتصادية هائلة. وفيما تعاني الشعوب من اتساع التفشي، تشكو الحكومات من نقص الطواقم الطبية ومن ندرة الموارد لشراء اللقاحات الممكنة. ويبدو أن استفحال الجائحة قد أربك المشهد السياسي، وعادت الاضطرابات بقوة إلى دول عدة مثلما كانت نهاية العام الماضي قبل أن تساهم الأوضاع الصحية في إخمادها. وتشهد جواتيمالا احتجاجات واسعة تطالب باستقالة الحكومة المتهمة بالفساد. وأطلق المحتجون على تحركهم «ثورة الفاصولياء» بعدما استهزأ أحد النواب بالمتظاهرين ووصفهم بأنهم من «أكلة الفاصولياء». وفي تشيلي خرجت تظاهرات للشكوى من الأوضاع الاقتصادية المتردية، بعدما انتهجت الحكومة سياسة تقشف مؤلمة. وأمام الاتهامات باستخدام الشرطة العنف المفرط ضد المتظاهرين، اضطر وزير الداخلية للاستقالة ومواجهة المحاكمة. لكن النشطاء لا يعلقون الأزمة على عنف الشرطة فحسب، بل على الأسباب المتصلة بالتدهور المعيشي، والخشية من تدهور المقدرة الشرائية. وغير بعيد، عن هذا الجو، شهدت كوبا تظاهرة نادرة ورمزية، تمثلت في احتجاج مجموعة من الفنانين المطالبين بالحق في حرية التعبير، وهي حادثة التقطتها الولايات المتحدة، مما حدا بهافانا إلى الاحتجاج لدى القائم بالأعمال الأمريكي.

كل هذه الاضطرابات والاحتجاجات تحركها السياسة وتمتد خيوطها إلى أبعد من المدى المنظور، وقد لا يمكن فهمها دون تفسير بعد الأحداث، من ذلك ما جرى في بوليفيا بداية الشهر عندما عاد الرئيس السابق إيفو موراليس، الذي أطاحته احتجاجات العام الماضي، وبعد فوز حزبه بالأغلبية وحليفه لويس آرسي برئاسة البلاد، عبر الحدود مع الأرجنتين ليتسلم عملياً السلطة بالوكالة. أما في هندوراس فقد تم ضبط 18 ألف دولار في إحدى حقائب الرئيس اليساري السابق مانويل زيلايا عندما كان في المطار باتجاه المكسيك. ورغم إنكاره العلاقة بهذا المبلغ، إلا أن الشبهة تظل قائمة، وتزداد الشكوك أكثر عندما توضع في السياق العام الذي تتحرك فيه دول الأمريكتين الوسطى والجنوبية.

من السابق لأوانه التعرف إلى التوجهات المستقبلية للأحداث، ولكن الثابت أن تداعيات الجائحة الصحية ستترك أثرها وستساهم في تصعيد الحراك السياسي الذي يتأرجح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. ومثلما هو واضح فإن رفع الوطأة الاقتصادية قد لا يأتي بالتغيير السياسي فحسب، وإنما سيتطلب تثويراً للكثير من القواعد والعلاقات التي بنيت مؤخراً، وربما ستحمل الإدارة الأمريكية الجديدة بعض الحلول من خلال قطعها مع السياسة التي اعتمدتها الإدارة السابقة. فأغلب الدول، ومنها فنزويلا، أبدت رغبتها في الحوار مع واشنطن، وكذلك فعلت كوبا، وعلى منوالهما ستنسج بقية الدول للخروج من أزماتها بحثاً عن أوضاع أفضل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"