استهداف الإغاثة جريمة حرب

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

أسقطت المذبحة التي طالت فريق المطبخ المركزي العالمي قناعاً آخر عن وجه إسرائيل الملطخ بالدم، خلال هذه الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ نصف عام، وشهدت أسوأ الفظاعات وأفدحها وأحرقت القيم والأخلاق قبل أن تستهدف الأبرياء والمنشآت المدنية. ولم تكن الجريمة المدانة مستغربة في سياق يشهد تطاولاً إسرائيلياً غير مسبوق على مؤسسات العمل الدولي، وإفلاتاً من المساءلة والعقاب بسبب نفاق أطراف وازنة في المجتمع الدولي تشكك حتى في تعمد قتل بعض أبنائها في مذبحة موظفي الإغاثة.
أجمعت غالبية ردود الفعل الدولية على شعور بالصدمة والألم من هذا الحادث الفظيع، الذي يشكل تصعيداً خطيراً واستهدافاً مباشراً للجهود الإنسانية الرامية إلى تخفيف معاناة المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، من نقص حاد في الغذاء يدفع مئات الآلاف إلى الوقوع بين براثن مجاعة وحشية لا ترحم. ولم يكن هذا الحادث الأول من نوعه في غزة، فعلى امتداد أيام هذه الحرب الهمجية قضى المئات من موظفي الإغاثة والطواقم الطبية والإعلاميين وغالبيتهم فلسطينيون متطوعون، وكان استهداف المقرات التابعة للأمم المتحدة، مثل مؤسسات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» مقصوداً ومتعمداً، ولم تكن نوايا تل أبيب لتصفية هذه الوكالة والمنظمات الرديفة لها، خافية بل معلنة ومعتمدة في الخطط العسكرية لإعدام أي نبض للحياة في غزة من أجل تهجير جماعي للسكان إلى أي وجهة كانت. ولكن أمام استحالة تحقيق هذا الهدف، بدأ الاستهداف المباشر لكل العناصر المساعدة على منع التهجير، وكانت قوافل الإغاثة ومواقع تجمع منتظري المساعدات الإنسانية في أنحاء غزة أهدافاً لغارات إسرائيلية متعمدة، في مناسبات عدة، وتسببت بمجازر دموية ما كان لها أن تحدث لو امتلك المجتمع الدولي العدالة والحزم لردع من لا يعير وزناً لأي شيء.
استهداف فريق المطبخ العالمي جريمة حرب لا تغتفر، ومهما كانت التبريرات، التي سيجري اختلاقها، فلن تبطل ضرورة المحاسبة، فالضحايا الذين سقطوا كانوا يؤدون مهمة سامية وخاطروا بحياتهم وقتلوا فعلاً، والصور التي تم بثها والبيانات وشهادات الشهود تؤكد أن مسار الرحلة كان واضحاً والسيارات المستهدفة عليها كل علامات التعريف اللازمة، وهو ما يدحض أي ذريعة للخطأ، ويؤكد أن الضربة كانت مقصودة ومتعمدة لمنع أي فعل إغاثي لمساعدة سكان قطاع غزة على الثبات في أرضهم حتى تنجلي هذه المحنة. كما أن هذه الضربة تضع الموقف الدولي في وضع أكثر حرجاً، لاسيما أن أغلب الضحايا الذي قتلوا، يحملون جنسيات دول تعتبر الأشد دعماً لإسرائيل، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. وربما تفتح هذه الفاجعة نافذة على حرب وحشية، لا يستهدف فيها القتل العمد موظفي الإغاثة فحسب، بل عشرات آلاف الفلسطينيين أغلبهم من النساء والأطفال والمرضى والجياع، ووزر كل ذلك لا تتحمله إسرائيل، بل هذا المجتمع الدولي الذي يصطنع العجز ولا ينظر إلى أبعد من هذه اللحظة، ولا يستوعب هول الدماء والتداعيات طويلة الأمد على النظام العالمي بأسره.

[email protected] 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ceh9729

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"