المهدي.. رجل الحكمة والسلام

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عبدون

قد يختلف الناس كثيراً حول الصادق المهدي، زعيم الأنصار وحزب الأمة القومي، وفي تقييم أدائه السياسي خلال الفترات القليلة والمتقطعة التي تسلم فيها مهام رئاسة الحكومة، لكنهم لا يختلفون أبداً في تقدير عمق إيمانه المبدئي بالسلام وسعيه الحثيث لتكريسه والكفاح من أجله، أو في قدرته المذهلة على التسامح والحب الكبير الذي كان يكنه لوطنه وشعبه وأمته، وعكست موجة الحزن الطاغي التي خيمت على السودان عقب إعلان رحيله، مستوى المحبة التي يحظى بها الرجل في قلوب الناس. فقد كان رحيله خسارة كبيرة يصعب تعويضها للمشهد السوداني الذي يعيش مرحلة انتقال قاسية وصعبة وملغومة وتحفها المخاطر.

تسلم الصادق المهدي رئاسة الحكومة لأول مرة وهو في عمر الثلاثين كأصغر رئيس وزراء في المنطقة، وكان قادماً لتوه من أوروبا بعد إكمال دراسته الجامعية، في نقلة كان من الممكن احتسابها صفحة جديدة في التطور السياسي لمرحلة ما بعد استقلال البلاد، لكن الساحة السياسية التي كانت ومازالت تمور بالصراعات وتفتقر إلى أساسيات التعاون، بذلت طاقتها لإفشال تجربته في الحكم ووأد التجربة في مهدها.

بعد انهيار الديمقراطية الأولى في السودان، انتقلت الأحزاب في عهد الجنرال إبراهيم عبود من مقاعد السلطة الى مجالس المعارضة، ثم عادت إلى الحكم مجدداً في أعقاب انتفاضة أكتوبر 1964، وعاد المهدي إلى واجهة العمل السياسي من جديد وهو أكثر خبرة ودراية، غير أن وباء الصراعات والانقسامات الحزبية أطل برأسه من جديد ليمزق صلات الأحزاب وقادتها ويتسبب في فشل التجربة الديمقراطية الثانية.

تسلم المهدي زمام معارضة الرئيس جعفر نميري ووقف ضده بعنف في سنوات حكمه الأولى التي رفع خلالها شعارات شيوعية سافرة، ثم وافق على مصالحة الجنرال بعد التحولات التي طرأت على سياسات الأخير، قبل أن يعود إلى صفوف المعارضة بعد أن تبنى النميري أطروحات جماعة الإسلام السياسي وأخذ يفرض على البلاد قوانين سبتمبر الظالمة تحت ادعاءات تطبيق الشريعة، وقد عارض المهدي هذه القوانين المجافية للعدالة وسماحة الإسلام وانتقد إعدام المفكر الكبير محمود محمد طه.

العودة الثالثة للديمقراطية كانت رحلة طويلة بالواقع السياسي إلى الوراء، فقد تعمقت الأحقاد والكراهية بين الأحزاب بعد المكاسب الهائلة التي خرجت بها جماعة الإسلام السياسي إبان تحالفها مع نظام النميري وقبل سقوطه، ثم محاولتها التلاعب بالمرحلة الديمقراطية وتغذية وباء الصراعات في الساحة.

أمضى المهدي السنوات الثلاثين الماضية بين السجون والمنافي في القراءة ونشر المعرفة والوعي وفضح الأكاذيب وفي تأليف الكتب في مجالات السياسة والفكر والفلسفة والأدب الشعبي وحقوق النساء، وكان يمثل مركز الثقل والكفة الراجحة لأنشطة السياسة المعارضة لجماعة الإسلام السياسي حتى سقوط نظامها في ثورة الشعب 2018.

اتهمه بعض خصومه بالضعف والتهاون خلال فترات حكمه القصيرة وبعض مراحل معارضته للأنظمة الشمولية، لكنه تمسك على الدوام بالمثل الشعبي «من فش غبينته خرب مدينته».. كان المهدي رجلاً نبيلاً في صلاته وعلاقاته ومسامحاً كريماً مع خصومه وأعدائه، كان مليئاً بالمحبة نابذاً للكراهية وكان رحيله الفاجع مهرجاناً للحب والوفاء رغم ضخامة الفقد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"