الذهب أفضل تحوطاً ضد سوء الخيارات الحكومية

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق
1

جاريد ديليان *

يعد الاحتفاظ بالذهب أماناً ضد اتخاذ السلطات الحكومية خيارات اقتصادية سيئة، وغالباً ما يكون التضخم نتيجة مباشرة لمثل تلك الخيارات.

لا يملك المستثمرون القدرة على تحديد ماهية الذهب أو طبيعة القيمة التي يمثلها. ويعتقد الكثيرون خطأ أن الذهب هو أصل مالي مناسب من أجل التحوط ضد التضخم، استناداً على تجارب عشناها في السبعينات. كما أنه ليس تحوطاً ضد انهيار سوق الأسهم، كما اكتشفنا في مارس/آذار الماضي. ومن الواضح أن الذهب هو وسيلة للتحوط ضد تبني السلطات الحكومية خيارات اقتصادية سيئة. وعادة ما يكون التضخم نتيجة لتلك الخيارات، لكن الناس يخلطون بين السبب والنتيجة. وبقي الذهب وسيلة للتحوط من تخبط صانعي القرار وربما فسادهم الذي شهدنا الكثير منه في السنوات العشرين الماضية.

لقد تفوق أداء الذهب على الأسهم بشكل ملحوظ هذا القرن، حيث بلغت مكاسبه حوالي 555% مقابل 79% لمؤشر «مورجان ستانلي» و146% ​​لمؤشر «إس أند بي 500». وهذه نتيجة مباشرة للأوضاع المالية الأكثر مرونة، وعدم وجود قيود على السياسة النقدية والمالية. فمن منظور مالي، بات الاقتصاد العالمي في وضع أسوأ بكثير مما كان عليه قبل 20 عاماً، ولا يوجد دليل على أن الأمور سوف تتحسن.

وكان عام 2000 مهماً جداً لأن الظروف المالية كانت صعبة للغاية في ذلك الوقت. ففي الولايات المتحدة، كان معدل الفائدة المستهدف على الأرصدة الفيدرالية 6.5%، وكانت أسعار الفائدة الحقيقية بعد احتساب التضخم مرتفعة، وكانت الميزانية الفيدرالية متوازنة وكان الدولار الأقوى بين العملات العشر الرئيسية. 

وربما سادت تلك الظروف نتيجة اعتماد مبدأ «الدولار القوي» الذي بشر به وزير الخزانة السابق روبرت روبن. فقد أدى الدولار القوي إلى زيادة جاذبية الأصول المالية الأمريكية، وخاصة سندات الخزانة، ما ساعد على إبقاء تكاليف الاقتراض أقل مما تكون عليه خارج تلك الظروف.

أما اليوم فقد صارت الشروط المالية مائعة. فأسعار الفائدة إما عند الصفر أو دونه. وقد اشترى الاحتياطي الفيدرالي مجموعة من الأصول الخطرة في سياق ضخ حوالي 3 تريليونات دولار في النظام المالي هذا العام كجزء من سياسة التيسير الكمي، وصار عجز الميزانية هو الأضخم على الإطلاق عند 3.1 تريليون دولار.

وتفاخرت إدارة ترامب بالحديث عن الدولار الأضعف لأغراض زيادة الصادرات والتصنيع. صحيح أن الدولار عاد إلى ما كان عليه في عام 2018 فقط وفقاً لمؤشر بلومبيرج، ولكن جميع العملات انخفضت كثيراً مقابل الذهب والبتكوين، والتي من المفترض أن تكون مخازن مطلقة للقيمة.

أرى أن عبارة «الظروف المالية الفضفاضة» هي طريقة مهذبة للقول إن المسؤولين كسالى. وتبدو الحجة الداعمة لانخفاض أسعار الفائدة واهية تقوم على فكرة أن الشركات تقترض بشكل أرخص، ما يشجعها على إنفاق المزيد من الأموال على توسيع المصانع والمعدات وتوظيف المزيد من العمال. أما الحجة وراء رفع أسعار الفائدة فتبدو أكثر دقة. إنها مفيدة للمدخرين، لكنها أيضاً تنظِّم الشركات والحكومات للعمل بكفاءة أكبر وخفض الديون، وإلا ستتحمل نفقات فائدة أعلى.

وبالمثل، فإن حجة ضعف الدولار قد تبدو مبررة. فالعملة الأرخص تسمح للسلع الأمريكية بأن تصبح أكثر قدرة على المنافسة في الخارج، ما يعزز الصادرات والتصنيع، وبالتالي يسرع النشاط الاقتصادي. أما حجة الدولار الأقوى فهي أكثر دقة أيضاً، حيث أن الدولار الأقوى يجبر الشركات الأمريكية على جعل سلعها أكثر تنافسية أو مرغوبة في السوق العالمية.

رغم إدراك الحقائق بعد فوات الأوان لا بد من الاعتراف بأن الفترة التي كانت لدينا فيها عملة قوية وأسعار فائدة مرتفعة تعتبر حالياً خطأ فادحاً. الحكومات لا يمكنها مقاومة إغراءات المال السهل والظروف المالية المرنة. من هنا يصبح الاستثمار في الذهب رهاناً على ارتكاب السلطات أخطاء، ولكي نجعله أقل جاذبية وللقضاء على المضاربات التي يتعرض لها، لا بد من إدارة الموازنات بدقة.وكلما ارتفع الطلب على الذهب فهذا نذير بأن صناع القرار ليسوا على المسار الصحيح.

لا أحد يعتقد أن أي مسؤول حكومي لديه الإرادة السياسية لتقليص العجز أو القضاء عليه، أو التحدث عن الدولار أو حث الاحتياطي الفيدرالي على تركيبة أكثر تشدداً. لكن ما أعنيه هو اتباع سياسة مالية محافظة في وقت أصبح فيه كل من الديمقراطيين والجمهوريين أكثر ليبرالية من الناحية المالية.

تجدر الإشارة إلى أن الذهب ارتفع مؤقتاً مع ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية والتأكد من أن جو بايدن سيصبح الرئيس القادم، على الرغم من أن الحكومة المنقسمة هي أسوأ نتيجة ينتظرها أولئك الذين يراهنون على ارتفاع سريع في معدلات التضخم.

* «جابان تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في «جابان تايمز»

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"