عادي

حلول الإسلام للمشكلات الزوجية.. مثالية تحفظ الكرامة

23:52 مساء
قراءة 6 دقائق
1

وضعت الشريعة الإسلامية أسس وقواعد العلاقة المثالية بين الزوجين،‮ ‬وألزمت كلاً منهما بأن‮ ‬يحسن عشرة الآخر،‮ ‬ويكون له الناصح المخلص،‮ ‬وفي‮ ‬ظلال هدي‮ ‬الإسلام وآدابه وأخلاقياته‮ ‬يكون الحب والوئام والتعاون على مواجهة مصاعب الحياة وعواصفها،‮ ‬لكن قد‮ ‬يحدث الخلاف والشقاق نتيجة تجاهل القيم والأخلاق الإسلامية،‮ ‬وعدم الوفاء بالواجبات المنوطة بكل منهما،‮ ‬وهنا‮ ‬يكون العلاج السريع حتى لا تتفاقم الخلافات الزوجية،‮ ‬وتتحول إلى أزمات‮ ‬يصعب احتواؤها،‮ ‬فيكون أبغض الحلال وهو الطريق الذي‮ ‬لا‮ ‬يقره الإسلام إلا عندما تصل العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدود‮.‬
وكما أن العلاقة الطيبة بين الزوجين يجب أن تسير وفق هدي‮ ‬الإسلام وتوجيهاته‮ فإن أسلوب حل الخلافات والتعامل معها يجب أن يكون وفق منهج إسلامي‮ ‬قويم حفاظاً على الميثاق الغليظ بين الزوجين وحماية للأسرة من الانهيار‮.‬

فماذا قدم الإسلام من توجيهات للتعامل مع الخلافات الزوجية؟ وما الآداب والأخلاقيات التي‮ ‬يجب أن‮ ‬يتحلى بها كل من الزوجين المختلفين؟ وكيف‮ ‬يتم إنهاء الشراكة بين الزوجين في‮ ‬هدوء وبأدب واحترام في‮ ‬حالة تعذر استمرار هذه الشراكة؟
تساؤلات مهمة‮ ‬يحتاج كل زوجين إلى التعرف على إجابات شافية وافية عليها من علماء الإسلام لتسير علاقتهما في‮ ‬كل أحوالها وفق هداية وتوجيهات شريعة الإسلام العادلة والمنصفة لكل من الرجل والمرأة‮.‬
بداية تؤكد د‮. ‬مهجة‮ ‬غالب عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر سابقاً أن تجاهل القيم والأخلاق الإسلامية في‮ ‬العلاقة بين الزوجين هو الذي‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى الخلافات وحدوث مشكلات وأزمات قد تفسد علاقتهما وتعجل بإنهاء هذه العلاقة،‮ ‬كما أن أسلوب التعامل مع الخلافات والمشكلات قد‮ ‬يكون هو المشكلة الأكبر،‮ ‬حيث‮ ‬يلجأ الزوجان إلى حسم خلافاتهما بالشكل الذي يرضي كلاً منهما من دون مراعاة لمشاعر وكرامة شريك الحياة،‮ ‬وهنا‮ ‬يحدث الصدام وتتعقد المشكلات وتنتهي‮ ‬النهاية التي‮ ‬لا‮ ‬يرحب بها الإسلام إلا كحل أخير بعد أن تفشل كل محاولات وجهود التوفيق‮.‬
أسباب ظاهرة وكامنة
إن ‬ارتفاع حدة الخلافات الزوجية في‮ ‬كل الدول العربية والإسلامية،‮ الذي ‬تشير إليه الإحصاءات والدراسات الاجتماعية هو نتيجة طبيعية لغياب الأخلاق الإسلامية عن العلاقة الزوجية،‮ ‬مما‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى الخلافات التي‮ ‬نعاني‮ها،‮ ‬وفشل جهود الإصلاح وارتفاع عدد المطلقات وما‮ ‬يترتب على ذلك من نزاعات قضائية ومشكلات اجتماعية ونفسية وتشريد للأبناء‮.‬
وتضيف‮: ‬وما دمنا نبحث عن حلول للمشكلات الزوجية بعد فشل الجهود الاجتماعية المبذولة لتصفية كثير من الخلافات والنزاعات الأسرية في‮ ‬عالمنا العربي‮ ‬ينبغي‮ ‬طرح الحلول الإسلامية لأنها حلول مثالية وواقعية وتحفظ كرامة كل من الزوجين وتهدف إلى الحفاظ على كيان الأسرة ومصالح كل أطرافها،‮ ‬وتقول‮: ‬يجب أن نقف أولاً على أسباب ودوافع هذه المشكلات وتصنيفها من أجل التعامل الواعي‮ ‬معها ذلك أن هناك أسباباً كثيرة ظاهرة لكل من‮ ‬يتدخل لحل المشكلات الزوجية والأسرية،‮ ‬لكنها ليست الأسباب الحقيقية للخلافات حيث‮ ‬يتظاهر بها الزوجان أو أحدهما،‮ ‬بينما هناك مشكلات أخرى كامنة في‮ ‬نفس كل منهما والتعرف إليها من دون كشف للخصوصيات‮ ‬يفيد كثيراً في‮ ‬حل هذه المشكلات وعدم الوصول إلى قرار الانفصال،‮ ‬وهنا‮ ‬يظهر هدي‮ ‬الإسلام في‮ ‬حكمين من أقرب الناس إلى الزوجين وأصلحهم للقيام بهذه المهمة‮.‬
أيضاً التوعية الدينية والاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في‮ ‬توجيه كل من الزوجين إلى الوفاء بواجباته الزوجية تجاه الآخر،‮ ‬ومن هنا‮ ‬يتم احتواء كثير من المشكلات والأزمات قبل أن تتفاقم،‮ ‬لأن معظم هذه المشكلات تنشأ من الإهمال المتبادل للواجبات الزوجية،‮ ‬حيث‮ ‬ينشغل كل واحد بحقوقه،‮ ‬ويهمل واجباته،‮ ‬والإسلام عني‮ ‬بحقوق كل من الزوجين فجعل للرجل حقوقاً وعليه واجبات،‮ ‬وجعل للمرأة حقوقاً وعليها واجبات،‮ ‬وعندما‮ ‬يقوم كل طرف بواجباته فسيحصل حتماً على حقوقه،‮ ‬لكن المشكلة تكمن في‮ ‬المطالبة بالحقوق فقط‮.‬
التدخل السريع
وتشير د‮. ‬مهجة إلى حرص الإسلام على التدخل السريع لمواجهة الخلافات الزوجية وعدم تركها تتفاقم وتترك رواسب سلبية في‮ ‬نفس كل من الزوج والزوجة،‮ ‬وهنا‮ ‬يبدو تميز المنهج الإسلامي‮ ‬في‮ ‬التعامل مع هذه الخلافات حتى‮ ‬يمكن احتواؤها ولا تصل إلى الطريق المسدود وتنتهي‮ ‬بالطلاق،‮ ‬والطلاق بدون دواع ودوافع قوية وضرورية هو كارثة اجتماعية خاصة عندما‮ ‬يكون بين الزوجين أطفال‮.‬
ولذلك تنصح د. مهجة غالب بضرورة التدخل السريع من جانب الأسرتين لإنهاء كل خلاف‮ ‬يظهر على السطح بين الزوجين،‮ ‬وأن‮ ‬يكون منهج الإسلام وتعاليمه وآدابه هادية لكل من‮ ‬يتدخل لإنهاء الخلاف بين الزوجين،‮ ‬وتقول‮: ‬ينبغي‮ ‬أن نواجه خلافاتنا الزوجية بأدب وأخلاقيات الإسلام،‮ ‬وأن‮ ‬يدرك كل من الزوجين أن خلافاتهما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون في‮ ‬إطار حياة المودة والرحمة أيضاً فيتم حلها بهدوء ومن دون إهانة طرف للآخر أو توجيه إساءة إليه،‮ ‬ولو أدرك كل من الزوجين ذلك لما عرفت الخلافات المدمرة طريقها إلى حياتهما،‮ ‬وانتهى كل خلاف‮ ‬يطرأ في‮ ‬حياتهما في‮ ‬وقته من دون أن‮ ‬يشعر به أحد من المحيطين بهما‮.‬
مخاطبة الضمير الديني
د‮. ‬سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر تؤكد أن مواجهة الخلافات الزوجية‮ ‬تحتاج إلى أدب وأخلاقيات الإسلام حتى لا تتفاقم هذه الخلافات نتيجة عناد الزوجين أو أحدهما،‮ ‬وتقول‮: ‬لا بد أن ندرك أن الخلافات الزوجية تحتاج إلى عقل وحكمة للتعامل معها،‮ ‬لأن العناد من أحد الزوجين أو كليهما‮ ‬يضاعف من هذه الخلافات.
وتضيف‮: ‬من الواجب أن نخاطب الضمير الديني‮ ‬داخل كل زوجين مختلفين ويطلبان الطلاق،‮ ‬وأن نوضح لهما أن الزواج نعمة من نعم الله عز وجل،‮ ‬والطلاق جحود لهذه النعمة،‮ ‬وأن الإسلام الحنيف لم‮ ‬يشرع اللجوء إلى الطلاق إلا عند الضرورة،‮ ‬والضرورة هنا تعني‮ ‬أن‮ ‬يصل الخلاف بين الزوجين إلى طريق مسدود‮ ‬يصعب معه الإصلاح،‮ ‬وعلينا أن نبصرهما بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من‮ ‬يلجأ إلى الطلاق من دون حاجة أو ضرورة سواء أكان رجلا أو امرأة،‮ ‬فقال‮: «‬لعن الله كل ذواق مطلاق‮»‬،‮ ‬أي‮ ‬لعن الله كل رجل‮ ‬يتزوج بامرأة ليتمتع بها لفترة من الوقت،‮ ‬ثم‮ ‬يطلقها ليتزوج بامرأة أخرى بقصد اللذة والشهوة،‮ ‬كما‮ ‬يقول صلى الله عليه وسلم محذراً المرأة من التسرع في‮ ‬طلب الطلاق لأسباب تافهة‮: «‬أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من‮ ‬غير بأس - أي‮ ‬من‮ ‬غير ضرورة - حرام عليها رائحة الجنة‮»‬،‮ ‬ولا شك أنه عندما‮ ‬يدرك الزوجان ذلك تكون نفساهما مهيأتين لتقبل جهود الإصلاح والعودة إلى عش الزوجية في‮ ‬هدوء‮.‬
وترى أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر أن تصاعد الخلافات الزوجية‮ ‬يرجع إلى‮ ‬غياب الثقافة الإسلامية الصحيحة عن محيط الأسرة فكثير من الأزواج والزوجات لا‮ ‬يعرفون مقومات الحياة الزوجية الآمنة ولا‮ ‬يتسلحون بمعرفة مقومات الحياة الزوجية السعيدة،‮ ‬ولذلك تحولت حياتهم من المودة والرحمة إلى العناد والمكابرة والصدام الدائم وفي‮ ‬ظل هذه الأجواء لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتحقق استقرار أسرى فيكون الخلاف والعناد الأمر الذي يوصل الطرفين في‮ ‬الغالب إلى أبغض الحلال‮.‬
وصفة للسعادة
وهنا تنصح أستاذة الشريعة الإسلامية كل زوجين‮ ‬ينشدان السعادة والاستقرار بأن‮ ‬يؤدي‮ ‬كل واحد منهما واجباته قبل المطالبة بحقوقه،‮ ‬فالزوجة مثلاً‮ ‬يجب أن تكون مطيعة لزوجها عن رغبة لا عن رهبة،‮ ‬فالطاعة في‮ ‬غير معصية الله هي‮ وأبرز دلالات حب المرأة لزوجها وحرصها عليه،‮ ‬وهي‮ ‬تفرض على الرجل أن‮ ‬يكون محباً لزوجته حريصاً على إرضائها مرتبطاً جداً بها‮.‬
لكن‮: ‬كيف‮ ‬يتم التصرف في‮ ‬حالة عدم نجاح جهود التوفيق بين الزوجين؟
تقول د‮. ‬سعاد‮: ‬شريعة الإسلام تحث على سلك كل الطرق التي‮ ‬يمكن أن تحقق الوفاق بين الزوجين،‮ ‬وذلك لأنها تقدس الحياة الزوجية وتحمي‮ ‬العلاقة بين الزوجين بكل الوسائل الممكنة،‮ ‬لكن لو استحكم الأمر وأصر أحد الزوجين أو كلاهما على الفراق،‮ ‬لاختلاف الطباع،‮ ‬أو عدم الانسجام النفسي،‮ ‬أو لاستفحال الخلاف بين الزوجين ووصوله إلى حد الإهانة التي‮ ‬لا تحتمل فإن عدالة الإسلام تظهر هنا في‮ ‬السماح لهما بالافتراق والشعار العادل الإنساني‮ ‬الذي‮ ‬يرفعه القرآن الكريم في‮ ‬هذه الحالة‮: «‬وإن‮ ‬يتفرقا‮ ‬يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما‮».‬
وهذا الفراق لا بد أن‮ ‬يتم وفق توجيهات الإسلام وآدابه فلا‮ ‬يسيء طرف إلى الآخر ولا‮ ‬يكشف عيوبه،‮ ‬ولا‮ ‬يتحدث عن أسراره،‮ ‬بل‮ ‬يفترقان بأدب ولا‮ ‬يحاول أي‮ ‬طرف منهما الإساءة للآخر بعد انتهاء العلاقة بينهما‮.‬
وتنتهي‮ ‬د‮. ‬سعاد إلى أن ارتفاع معدلات الطلاق في‮ ‬البلاد العربية والإسلامية الآن‮ ‬يكشف عن خلل واضح في‮ ‬القيم والمعايير التي‮ ‬على أساسها‮ ‬يتم الزواج،‮ ‬وأيضاً التي‮ ‬يتم من خلالها حل الخلافات بين الزوجين،‮ ‬ولذلك هي‮ ‬تصر على ضرورة الالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية في‮ ‬التعامل مع المشكلات الزوجية،‮ ‬فعن طريقها‮ ‬يمكن إنهاء العديد من المشكلات بين الزوجين من دون الوصول إلى أبغض الحلال‮.‬
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"