وضعت الشريعة الإسلامية أسس وقواعد العلاقة المثالية بين الزوجين، وألزمت كلاً منهما بأن يحسن عشرة الآخر، ويكون له الناصح المخلص، وفي ظلال هدي الإسلام وآدابه وأخلاقياته يكون الحب والوئام والتعاون على مواجهة مصاعب الحياة وعواصفها، لكن قد يحدث الخلاف والشقاق نتيجة تجاهل القيم والأخلاق الإسلامية، وعدم الوفاء بالواجبات المنوطة بكل منهما، وهنا يكون العلاج السريع حتى لا تتفاقم الخلافات الزوجية، وتتحول إلى أزمات يصعب احتواؤها، فيكون أبغض الحلال وهو الطريق الذي لا يقره الإسلام إلا عندما تصل العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدود.
وكما أن العلاقة الطيبة بين الزوجين يجب أن تسير وفق هدي الإسلام وتوجيهاته فإن أسلوب حل الخلافات والتعامل معها يجب أن يكون وفق منهج إسلامي قويم حفاظاً على الميثاق الغليظ بين الزوجين وحماية للأسرة من الانهيار.
فماذا قدم الإسلام من توجيهات للتعامل مع الخلافات الزوجية؟ وما الآداب والأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها كل من الزوجين المختلفين؟ وكيف يتم إنهاء الشراكة بين الزوجين في هدوء وبأدب واحترام في حالة تعذر استمرار هذه الشراكة؟
تساؤلات مهمة يحتاج كل زوجين إلى التعرف على إجابات شافية وافية عليها من علماء الإسلام لتسير علاقتهما في كل أحوالها وفق هداية وتوجيهات شريعة الإسلام العادلة والمنصفة لكل من الرجل والمرأة.
بداية تؤكد د. مهجة غالب عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر سابقاً أن تجاهل القيم والأخلاق الإسلامية في العلاقة بين الزوجين هو الذي يؤدي إلى الخلافات وحدوث مشكلات وأزمات قد تفسد علاقتهما وتعجل بإنهاء هذه العلاقة، كما أن أسلوب التعامل مع الخلافات والمشكلات قد يكون هو المشكلة الأكبر، حيث يلجأ الزوجان إلى حسم خلافاتهما بالشكل الذي يرضي كلاً منهما من دون مراعاة لمشاعر وكرامة شريك الحياة، وهنا يحدث الصدام وتتعقد المشكلات وتنتهي النهاية التي لا يرحب بها الإسلام إلا كحل أخير بعد أن تفشل كل محاولات وجهود التوفيق.
أسباب ظاهرة وكامنة
إن ارتفاع حدة الخلافات الزوجية في كل الدول العربية والإسلامية، الذي تشير إليه الإحصاءات والدراسات الاجتماعية هو نتيجة طبيعية لغياب الأخلاق الإسلامية عن العلاقة الزوجية، مما يؤدي إلى الخلافات التي نعانيها، وفشل جهود الإصلاح وارتفاع عدد المطلقات وما يترتب على ذلك من نزاعات قضائية ومشكلات اجتماعية ونفسية وتشريد للأبناء.
وتضيف: وما دمنا نبحث عن حلول للمشكلات الزوجية بعد فشل الجهود الاجتماعية المبذولة لتصفية كثير من الخلافات والنزاعات الأسرية في عالمنا العربي ينبغي طرح الحلول الإسلامية لأنها حلول مثالية وواقعية وتحفظ كرامة كل من الزوجين وتهدف إلى الحفاظ على كيان الأسرة ومصالح كل أطرافها، وتقول: يجب أن نقف أولاً على أسباب ودوافع هذه المشكلات وتصنيفها من أجل التعامل الواعي معها ذلك أن هناك أسباباً كثيرة ظاهرة لكل من يتدخل لحل المشكلات الزوجية والأسرية، لكنها ليست الأسباب الحقيقية للخلافات حيث يتظاهر بها الزوجان أو أحدهما، بينما هناك مشكلات أخرى كامنة في نفس كل منهما والتعرف إليها من دون كشف للخصوصيات يفيد كثيراً في حل هذه المشكلات وعدم الوصول إلى قرار الانفصال، وهنا يظهر هدي الإسلام في حكمين من أقرب الناس إلى الزوجين وأصلحهم للقيام بهذه المهمة.
أيضاً التوعية الدينية والاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في توجيه كل من الزوجين إلى الوفاء بواجباته الزوجية تجاه الآخر، ومن هنا يتم احتواء كثير من المشكلات والأزمات قبل أن تتفاقم، لأن معظم هذه المشكلات تنشأ من الإهمال المتبادل للواجبات الزوجية، حيث ينشغل كل واحد بحقوقه، ويهمل واجباته، والإسلام عني بحقوق كل من الزوجين فجعل للرجل حقوقاً وعليه واجبات، وجعل للمرأة حقوقاً وعليها واجبات، وعندما يقوم كل طرف بواجباته فسيحصل حتماً على حقوقه، لكن المشكلة تكمن في المطالبة بالحقوق فقط.
التدخل السريع
وتشير د. مهجة إلى حرص الإسلام على التدخل السريع لمواجهة الخلافات الزوجية وعدم تركها تتفاقم وتترك رواسب سلبية في نفس كل من الزوج والزوجة، وهنا يبدو تميز المنهج الإسلامي في التعامل مع هذه الخلافات حتى يمكن احتواؤها ولا تصل إلى الطريق المسدود وتنتهي بالطلاق، والطلاق بدون دواع ودوافع قوية وضرورية هو كارثة اجتماعية خاصة عندما يكون بين الزوجين أطفال.
ولذلك تنصح د. مهجة غالب بضرورة التدخل السريع من جانب الأسرتين لإنهاء كل خلاف يظهر على السطح بين الزوجين، وأن يكون منهج الإسلام وتعاليمه وآدابه هادية لكل من يتدخل لإنهاء الخلاف بين الزوجين، وتقول: ينبغي أن نواجه خلافاتنا الزوجية بأدب وأخلاقيات الإسلام، وأن يدرك كل من الزوجين أن خلافاتهما ينبغي أن تكون في إطار حياة المودة والرحمة أيضاً فيتم حلها بهدوء ومن دون إهانة طرف للآخر أو توجيه إساءة إليه، ولو أدرك كل من الزوجين ذلك لما عرفت الخلافات المدمرة طريقها إلى حياتهما، وانتهى كل خلاف يطرأ في حياتهما في وقته من دون أن يشعر به أحد من المحيطين بهما.
مخاطبة الضمير الديني
د. سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر تؤكد أن مواجهة الخلافات الزوجية تحتاج إلى أدب وأخلاقيات الإسلام حتى لا تتفاقم هذه الخلافات نتيجة عناد الزوجين أو أحدهما، وتقول: لا بد أن ندرك أن الخلافات الزوجية تحتاج إلى عقل وحكمة للتعامل معها، لأن العناد من أحد الزوجين أو كليهما يضاعف من هذه الخلافات.
وتضيف: من الواجب أن نخاطب الضمير الديني داخل كل زوجين مختلفين ويطلبان الطلاق، وأن نوضح لهما أن الزواج نعمة من نعم الله عز وجل، والطلاق جحود لهذه النعمة، وأن الإسلام الحنيف لم يشرع اللجوء إلى الطلاق إلا عند الضرورة، والضرورة هنا تعني أن يصل الخلاف بين الزوجين إلى طريق مسدود يصعب معه الإصلاح، وعلينا أن نبصرهما بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يلجأ إلى الطلاق من دون حاجة أو ضرورة سواء أكان رجلا أو امرأة، فقال: «لعن الله كل ذواق مطلاق»، أي لعن الله كل رجل يتزوج بامرأة ليتمتع بها لفترة من الوقت، ثم يطلقها ليتزوج بامرأة أخرى بقصد اللذة والشهوة، كما يقول صلى الله عليه وسلم محذراً المرأة من التسرع في طلب الطلاق لأسباب تافهة: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس - أي من غير ضرورة - حرام عليها رائحة الجنة»، ولا شك أنه عندما يدرك الزوجان ذلك تكون نفساهما مهيأتين لتقبل جهود الإصلاح والعودة إلى عش الزوجية في هدوء.
وترى أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر أن تصاعد الخلافات الزوجية يرجع إلى غياب الثقافة الإسلامية الصحيحة عن محيط الأسرة فكثير من الأزواج والزوجات لا يعرفون مقومات الحياة الزوجية الآمنة ولا يتسلحون بمعرفة مقومات الحياة الزوجية السعيدة، ولذلك تحولت حياتهم من المودة والرحمة إلى العناد والمكابرة والصدام الدائم وفي ظل هذه الأجواء لا يمكن أن يتحقق استقرار أسرى فيكون الخلاف والعناد الأمر الذي يوصل الطرفين في الغالب إلى أبغض الحلال.
وصفة للسعادة
وهنا تنصح أستاذة الشريعة الإسلامية كل زوجين ينشدان السعادة والاستقرار بأن يؤدي كل واحد منهما واجباته قبل المطالبة بحقوقه، فالزوجة مثلاً يجب أن تكون مطيعة لزوجها عن رغبة لا عن رهبة، فالطاعة في غير معصية الله هي وأبرز دلالات حب المرأة لزوجها وحرصها عليه، وهي تفرض على الرجل أن يكون محباً لزوجته حريصاً على إرضائها مرتبطاً جداً بها.
لكن: كيف يتم التصرف في حالة عدم نجاح جهود التوفيق بين الزوجين؟
تقول د. سعاد: شريعة الإسلام تحث على سلك كل الطرق التي يمكن أن تحقق الوفاق بين الزوجين، وذلك لأنها تقدس الحياة الزوجية وتحمي العلاقة بين الزوجين بكل الوسائل الممكنة، لكن لو استحكم الأمر وأصر أحد الزوجين أو كلاهما على الفراق، لاختلاف الطباع، أو عدم الانسجام النفسي، أو لاستفحال الخلاف بين الزوجين ووصوله إلى حد الإهانة التي لا تحتمل فإن عدالة الإسلام تظهر هنا في السماح لهما بالافتراق والشعار العادل الإنساني الذي يرفعه القرآن الكريم في هذه الحالة: «وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما».
وهذا الفراق لا بد أن يتم وفق توجيهات الإسلام وآدابه فلا يسيء طرف إلى الآخر ولا يكشف عيوبه، ولا يتحدث عن أسراره، بل يفترقان بأدب ولا يحاول أي طرف منهما الإساءة للآخر بعد انتهاء العلاقة بينهما.
وتنتهي د. سعاد إلى أن ارتفاع معدلات الطلاق في البلاد العربية والإسلامية الآن يكشف عن خلل واضح في القيم والمعايير التي على أساسها يتم الزواج، وأيضاً التي يتم من خلالها حل الخلافات بين الزوجين، ولذلك هي تصر على ضرورة الالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية في التعامل مع المشكلات الزوجية، فعن طريقها يمكن إنهاء العديد من المشكلات بين الزوجين من دون الوصول إلى أبغض الحلال.