عادي
«ضرب الزوجات» يجدد الجدل حول القضية

الشريعة.. أشمل حماية للمرأة من العنف

23:30 مساء
قراءة 5 دقائق
25

القاهرة: بسيوني الحلواني

حسم مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الجدل الديني والاجتماعي الذي شهدته مصر وبعض البلاد العربية مؤخراً حول مشروعية «ضرب الزوجة»، إذ أكد إدانة الأزهر، استناداً لموقف شرعي صحيح، لكل صور العنف ضد المرأة سواء في بيت الزوجية أو بيت أسرتها أو الحياة العامة.

شدد المجمع، وهو أعلى هيئة فقهية في العالم الإسلامي، على أن الإسلام يقيم الزوجية على السكن والمودة والرحمة، ويوجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن يبالغ في إكرامها وحسن عشرتها، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم:«ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم»، ولهذا كان ضرب الزوجات محظوراً بحسب الأصل، ولا يجوز اللجوء إليه إلا إذا فرضته ضرورة إنقاذ الأسرة من الضياع بسبب نشوز الزوجة واحتقارها لزوجها بالتعالي عليه، والتجاوز في حقه، لتكون إباحته في تلك الحالة من باب اختيار أهون الشرين وأقل الضررين.

أوضح المجمع أن القرآن الكريم أباح الضرب الرمزي في حالة الضرورة القصوى، وبيّن حدود الإباحة في هذا التصرف، وأن السنة النبوية ضبطته بما يحقق حفظ الأسرة من الضياع، وبما لا يمس كرامة الزوجة، أو يترك في نفسها أثراً منه، أو الخروج على حدود العشرة التي أمر بها الشرع وأقرها القانون.

ودان المجمع إساءة بعض الأزواج التعامل مع زوجاتهم وضربهن في النشوز وغيره دون استيفاء لشروط الضرب الرمزي المباح، مشيراً إلى حق ولي الأمر تقييد استعمال هذا المباح مادام أسيئ استخدامه، وطالب بطرح قضية الضرب عموماً كقضية اجتماعية عامة، وليس للزوجة الناشز فقط، لأن الضرب إهانة تسبب للإنسان عُقداً نفسية قد لا تفارقه حتى يدخل قبره. وأشار إلى قول الإمام الأكبر شيخ الأزهر: «أتمنى أن أعيش لأرى ضرب الإنسان جريمة يُعاقب عليها الضارب معاقبة المجرم».

تشديد العقوبات على ضارب زوجته كان مشروع قانون قدمته نائبة مصرية وأثار جدلاً دينياً واجتماعياً، إذ نص على تغليظ عقوبة ضرب الزوجة بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات، الأمر الذي أثار ردود فعل متباينة بين العلماء وعدد من الناشطين المعنيين بحقوق المرأة. ورحب بالنص بعض العناصر النسائية الفاعلة في المجتمع، بينما تحفظ عليه كثير من الناشطين وعدد من علماء الشريعة الإسلامية الذين اعتبروه باباً واسعاً لخراب البيوت، وأكدوا أن العنف ضد المرأة يواجه أولاً بالتوعية والتوجيه الديني والاجتماعي، وأن في قانون العقوبات المقررة ما يكفي من نصوص لردع كل زوج يلحق الأذى البدني بزوجته، ويتعسف في استغلال قوامته عليها.

د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أكد أن موقف المؤسسة الدينية في هذا الأمر واضح للعامة والخاصة، فهو ضد كل صور وأشكال العنف ضد المرأة، ويحث دائماً على مواجهة تجاوزات الرجال ضد نسائهم.

وقال: علماء الأزهر في كل مكان يوجدون فيه يواجهون مظاهر ظلم المرأة، ويبذلون جهودهم الدعوية لتقويم سلوك الرجال في التعامل مع نسائهم، إذ تختلط المفاهيم في أذهان كثير من الرجال، ويعتقدون أن من حقهم شرعاً ضرب زوجاتهم لأسباب مختلفة تحت بند التأديب والتهذيب ومقاومة النشوز، وهذا فهم خاطئ لتعاليم الإسلام وللنصوص الدينية. لذلك يصحح علماء ودعاة الأزهر تلك المفاهيم الخاطئة، ويؤكدون أن نشوز الزوجة ليس مبرراً للعدوان البدني عليها وإلحاق الأذى بها، والذين يعتقدون ذلك جهلاء بالدين، فالقرآن الكريم أوضح أن علاج النشوز يمر بثلاث مراحل أولاها الموعظة الحسنة، أي بالكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة، فإن لم تثمر، يأتي الهجر في المضاجع، وإذا فشل كان العلاج الثالث هو الضرب التعزيري (الرمزي).

وأوضح د. هاشم أن «الدين بريء من هؤلاء الذين يمارسون العنف ضد نسائهم تحت شعارات دينية، كما يبيح الشرع توقيع عقوبات تعزيرية على كل رجل يمارس القسوة والعنف ضد زوجته عن تعمد ورغبة في قهرها وإهدار كرامتها الإنسانية، وهذه العقوبات موجودة بالفعل في القوانين العربية، ولسنا في حاجة إلى تشريعات جديدة».

وشدد على أن العنف الذي تعانيه المرأة العربية يرجع إلى غياب تعاليم الإسلام التي تكفل للمرأة حياة كريمة داخل بيت الزوجية، لذلك يجب أن يواجه علماء الإسلام في كل المجتمعات العربية كل صور العنف ضد المرأة، وينشرون الوعي الديني الصحيح، لكي يتعامل الجميع مع المرأة من منطلق تعاليم شريعتنا العادلة، التي نظمت العلاقة بين الرجل والمرأة تنظيماً دقيقاً، ووفرت لكل النساء حياة كريمة تجسد رسالتها في الحياة.

النصوص لا تكفي

د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، أكد بدوره ضرورة نشر الوعي الديني والاجتماعي بإحسان التعامل مع المرأة، لأن نصوص القانون لن توفر وحدها الحماية لها. ورأى أن المرأة في بلادنا العربية ليست في حاجة إلى حماية قوانين، وإن كانت مهمة لمواجهة تجاوزات بعض الرجال.

وقال: شريعتنا الغراء وفرت للمرأة أفضل صور الحماية، وكفلت لها، سواء أكانت أمّاً أو أختاً أو زوجةً أو بنتاً- كل الحقوق التي تعينها على القيام بدورها، وحرمت أي مساسٍ بكرامتها، أو انتهاك لإنسانيتها، وأقامت ميزان العدل بينها وبين الرجل، بما يكفل لكليهما أداء دوره بفاعلية في بناء أسرة صالحة، ومجتمع قوي مترابط، يحقق للأمة نهضتها ورقيّها.

وطالب المجالس التشريعية في البلاد الإسلامية بتبني الحقوق الشرعية للمرأة، لأنها أساس كل الحقوق، وهي تجسد تكريم الإسلام وحمايته لها. وقال: ما جاء به الإسلام من حقوق وآداب تعامل بين الزوجين هو الذي يوفر للطرفين حياة طيبة، فالإسلام أول من وضع أسس وقواعد المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، بما يكفل استقرار العلاقة بينهما، وضمان عدم وجود نزاعات وصراعات بينهما، ليؤدي كل منهما دوره، ويقوم برسالته في تناغم وتعاون مع الآخر.

وشدد د. واصل على أن الإسلام لم يعط للرجل، أياً كانت صفته أو ولايته، حق التسلط على المرأة وإهدار حقوقها ومصادرة حرياتها، مشيراً إلى أن كثيراً من الأزواج في مجتمعاتنا العربية يسيئون فهم القوامة ويعتبرونها تمييزاً للرجل مع أن مقصدها الشرعي في الأساس هو:«الالتزام المالي نحو الأسرة» بحيث يأخذ الزوج على عاتقه توفير حاجات الزوجة المادية والمعنوية بصورة تشعرها بالطمأنينة والسكن، بما يحقق المسؤولية المشتركة بعيداً عن سلطة التصرف المطلقة، والهيمنة من قبل الزوج أو الأب تجاه الزوجة والأولاد.

وقال: الشريعة الإسلامية عادلة ومنصفة لكل من الرجل والمرأة، وفصلت ووضحت حقوق كل منهما، فالبنت في بيت أبيها لها حقوق لا يجوز له إهدارها أو المساس بها، أهمها المعاملة الإنسانية الكريمة التي تفرضها الفطرة البشرية السليمة، والحالات الشاذة لعنف الآباء لا يقاس عليها، وإن كانت تحتاج إلى مواجهة عن طريق التوعية الدينية والاجتماعية، وعندما تخرج البنت من بيت أبيها إلى بيت زوجها تنتقل الحماية لها من الأب للزوج، فهي في حماية زوجها وعقله وقلبه، والقرآن الكريم يوجه الطرفين خاصة الرجال بقول الحق سبحانه:«ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة». والإحسان إليها من علامات الرجولة، والمعاشرة بالمعروف هي نداء القرآن،«وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"