البوسنة بعد 25 عاماً من السلام

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

دنيا مياتوفيتش *

قبل 25 عاماً أبرمت اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك، المعروفة باتفاقية دايتون والتي انتهى بموجبها الصراع المسلح الذي دار في البوسنة والهرسك بين 1992 و1995. دارت المفاوضات في قاعدة رايت بيترسن الجوية قرب مدينة دايتون الأمريكية بين يومي 1 و21 نوفمبر 1995، ووضعت حداً لحرب البوسنة، وهي واحدة من أكثر الصفحات دموية ووحشية في تاريخ أوروبا المعاصرة. وبفضل الاتفاقية، تمكن جيل من النضج دون الحاجة إلى الزحف إلى المخابئ أو القلق بشأن إطلاق النار عليه أثناء الوقوف في طوابير للحصول على مياه الشرب.

وحتى بعد 25 عاماً، لا تزال البوسنة والهرسك غارقة في مشاكل هيكلية ووظيفية خطرة، حيث ينص دستورها على نظام إداري وسياسي معقد ومكلف، وهو نظام مسدود بالحماية المفرطة للمصالح والآليات العرقية التي مكنت السياسيين القوميين من نقض القرارات المهمة التي كان يمكن أن تساعد البلاد على المضي قدماً.

ومع ذلك، فإن إلقاء اللوم كله على اتفاقيات دايتون، هو ورقة التوت لمشاكل أعمق بكثير. صحيح أن اتفاقيات دايتون خلقت نظاماً معقداً يحتاج إلى الإصلاح، لكن البوسنة والهرسك ليست الدولة الوحيدة التي تعمل بمجموعة معقدة من المؤسسات، ولكن الروح الحقيقية للديمقراطية التوافقية  المتميزة بتقاسم تعاوني للسلطة  التي أدخلتها اتفاقيات دايتون، تتم إساءة استخدامها من قبل مختلف الأجندات السياسية لتحقيق مكاسب سياسية.

علاوة على ذلك، احتوت اتفاقيات دايتون على عناصر حاسمة لبناء مجتمع قائم على احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون. ويشمل ذلك التطبيق المباشر للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وأولويتها على جميع القوانين الأخرى، ووضع دستور لحقوق الإنسان، ومؤسسات حقوق الإنسان التي أصدرت بعض القرارات التاريخية المتعلقة بحماية حقوق العائدين والأقليات.

إن الأمر الذي منع البلد شيئاً من الازدهار هو رؤية راسخة للسياسة التي تستفيد من الاستياء العرقي المستمر للحفاظ على السلطة والوضع القائم التمييزي.

وتعتبر حالة النظام الانتخابي رمزية. ففي عام 2009، وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أن النظام الانتخابي للبوسنة والهرسك كان تمييزياً؛ ذلك أنه استبعد من الانتخابات لمنصب الرئاسة، ومجلس الشعوب، أي شخص لا ينتمي إلى الأعراق المعترف بها دستورياً، أو كان غير قادر على تلبية متطلبات الأصل العرقي ومكان الإقامة. وبعد 11 عاماً، لا يزال هذا الأمر والعديد من أحكام المحكمة الأوروبية الأخرى، حبراً على ورق، ويرجع ذلك أساساً إلى الافتقار إلى الإرادة السياسية.

هذا الافتقار إلى الإرادة السياسية يعيق عملية حساب الماضي وتضميد الجراح التي لا تزال خامدة للغاية. والإفلات من العقاب على جرائم الحرب لا يزال مستمراً ولا يزال مصير آلاف الأشخاص المفقودين خلال الحرب مجهولاً، والتقدم في موضوع التعويضات لضحايا الحرب المدنيين يسير بطيئاً.

ويتسم الخطاب السياسي الحالي بالمراجعة، وإنكار الإبادة الجماعية وتمجيد مجرمي الحرب، ومحاولات تقويض شرعية المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وتستمر الانقسامات على أسس عرقية في التعليم، حيث يتعلم الأطفال في نظام منفصل من مدرستين تحت سقف واحد، أو في مدارس أحادية العرق.

إنها مشاكل رهيبة تحتاج إلى تحول جذري في الطريقة التي تتم بها السياسة في البلاد. وبدلاً من استخدام موقعهم المؤسسي لتعزيز المصالح الشخصية، يجب على السياسيين أن يرتقوا إلى مستوى التحدي المتمثل في بناء بلد أكثر تماسكاً وازدهاراً.

ويجب أن ينظروا إلى جيل الشباب للحصول على الإلهام. إن الطلاب يحاربون التمييز في التعليم بينما يحقق شباب آخرون نتائج مذهلة في الرياضة والعلوم والعمل الإنساني. وتواصل المنظمات غير الحكومية والمواطنون، بناء الجسور بين المجتمعات والعمل على التغلب على إرث الحرب المتمثل في الانقسام والكراهية.

لقد وفرت اتفاقيات دايتون المفاتيح لمستقبل أكثر إشراقاً. وعلى سكان البوسنة والهرسك، الآن، أن يتولوا زمام الأمور ويقودوا البلاد إلى الأمام.

* تشغل منصب مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان منذ عام 2001 كخبيرة في قانون وتنظيم وسائل الإعلام. (موقع دي دبليو ميد فور مايندس).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

تشغل منصب مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان منذ عام 2001 كخبيرة في قانون وتنظيم وسائل الإعلام. (موقع دي دبليو ميد فور مايندس)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"