فلول الفيروس مصدر قلق

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

ما إن بدأت حملة تطعيم عالمية ضد «كورونا»، حتى ظهرت سلالة جديدة منه، ما يعني أن تحدياً جديداً يواجه العالم، لأن عمر الفيروس وتحولاته يبدوان طويلين، ما سيتسبب في إغلاقات طويلة في شتى الدول، رغم مباشرة عمليات التلقيح في العديد من دول العالم، لكن بعض الدول الفقيرة قد لا تتمكن من الحصول على اللقاحات، كما الدول الأخرى، في الوقت نفسه، لعدم توفر البنية التحتية للنقل والتخزين والتبريد، ما يعني أن أقل من خُمس سكان الكرة الأرضية، أغلبهم من الدول الغنية، سيحصلون على اللقاح، حتى نهاية العام المقبل. وحتى الآن، تعارض بعض الدول مثل بريطانيا إعفاء الدول الفقيرة من حق الملكية الفكرية للقاحات، ضمن منظمة التجارة العالمية، لكي تنتج لقاحاتها دون انتظار الشراء من السوق والشركات المنتجة، وهذا يعني أن العالم بأسره الذي تضامن لمكافحة «كورونا» لم يعد متضامناً مع بعضه، عندما تم إنتاج اللقاحات. وتدعي الشركات وبعض الحكومات أنها صرفت عشرات المليارات للتوصل إلى اللقاحات، ما يعني أنها تريد تحقيق أرباح، مع أن أغلب التمويلات جاءت من أموال دافعي الضرائب في تلك الدول، وليس من الشركات المنتجة فقط.

 وقد تعاقدت دول غنية على أغلب اللقاحات المتوقع إنتاجها، خاصة من شركتي موديرنا وفايزر، بينما تعاقدت باقي الدول مع شركات روسية وصينية. وتنوي موديرنا إنتاج 20 مليون جرعة هذه السنة، وبين 500 مليون ومليار في 2021 بفضل مواقع إنتاج وشركاء صناعيين في الولايات المتحدة وسويسرا وإسبانيا، لكن هذه الشركات رفضت أن تشارك دول أخرى في الانتاج، حيث طلبت الهند وجنوب إفريقيا ودول إفريقية فقيرة أخرى رفع الحماية عن الملكية الفكرية عن إنتاج اللقاح، إلا أن بريطانيا ما زالت تعارض ذلك. فكلفة لقاح فيروس كورونا بالنسبة إلى أبناء القارة الإفريقية الذين يقدر عددهم بحوالى 1.2 مليار نسمة، بين 4 مليارات دولار أمريكي للقاح (آسترازينكا) البريطاني و44 مليار دولار أمريكي للقاح (موديرنا)، علماً أن هذه الأرقام لا تشمل الكلفة اللازمة لإيجاد البنية التحتية المتطورة التي يحتاجها توزيع اللقاح، وينطبق الأمر نفسه على سكان الهند الذين يبلغ عددهم 1.3 مليار نسمة، وأيضاً على مليار إنسان آخرين يعيشون في الدول النامية حول العالم. فحجم السوق سيكون كبيراً جداً خاصة وأن الفرد يحتاج إلى جرعتين ولا أحد يعلم حتى الآن مدى ديمومة المناعة من اللقاح، حيث تشير أغلب التقديرات المتفائلة إلى أنها ستكون لمدة ثلاثة أشهر فقط. فإذا كانت المناعة فصلية أو مؤقتة، فإن حجم الأرباح للشركات سيكون فوق كل تصور، مع أن التقديرات الأولية لحجم المبالغ التي صرفتها الشركات والحكومات المنتجة للقاحات لا تتعدى ستة مليارات دولار، وهو مبلغ زهيد بالمقارنة مع حجم السوق في العام الأول الذي سيدر ما لا يقل عن 40 مليار دولار في البداية.

 ولكن هناك بديهية محسومة وهي أن اللقاح سيكون غير فعال في القضاء على الفيروس تماماً، إذا لم يتم تطعيم سكان هذا الكوكب جميعاً وفي فترة زمنية متقاربة، لأن الدول التي لن تحصل عليه ستظل بؤرة لتفشي الفيروس ما يتيح للفيروس أن يستمر في الانتشار حتى في الدول التي تم تلقيح مواطنيها. وقد لجأت الدول الفقيرة إلى اللقاح الصيني والروسي، فيما تعهدت أكسفورد وشركة جونسون بتوفير اللقاح بسعر مخفض أو بسعر الكلفة، لكن في فترة الوباء فقط. ولعل رفض التنازل عن شرط الملكية الفكرية سيضع الدول النامية أمام خيار مستحيل، وهو انتهاك القانون الدولي القائم، وإنتاج اللقاح بنفسها، خاصة وأن هناك أكثر من عشرين لقاحاً في طور التجريب قد ترى النور العام المقبل، ما يكسر الاحتكار القائم، لكن مع أن الوضع كما يراه البعض يبدو مريحاً في المستقبل، إلا أن تحولات الفيروس تحتم إعادة النظر في مواجهته وإنتاج لقاحات بشكل موحد عالمياً، لأن فلول الفيروس ستظل تلاحق الإنسان على مدى بعيد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"