على هوامش الحرب الأوكرانية

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

النظام العالمي الأحادي ينهار، ولم تتضح بعد معالم النظام الجديد الذي قد يتخذ شكله النهائي بعد انتهاء الأزمة الحالية التي تعصف بالعالم من أساسه، لكن المؤكد أن النظام العالمي الحالي سيكون أول ضحايا الأزمة الحالية.

 على الصعيد الاقتصادي، فإن استمرار الشّح في الغاز والنفط والمواد الغذائية الاستراتيجية سيعني حتماً ارتفاع نسبة التضخم عالمياً، وانخفاض الناتج القومي الإجمالي بنسب قد تصل إلى خمسة بالمئة في بعض البلدان، وهذا يضاف إلى آثار جائحة «كورونا»، لكن الجانب الآخر هو انتعاش الصناعات العسكرية، بل ربما كانت الحرب دون دخول في تفاصيل هي حل لموجة الكساد الاقتصاد والمالي، ذلك أن الحروب الحديثة، من الحرب الأولى إلى الثانية كانت نتاج موجة كساد وركود حلت بالعالم.

 وعلى الصعيد السياسي، وجدت أمريكا أن خارطة حلفائها لم تتغير كثيراً، فهي في إطار حلف الناتو، وعلى هوامشه، ولو استطاعت اتخاذ خطوات عسكرية أشد ضد موسكو لفعلت، مثلما فعلت في العراق عندما غزته من دون تفويض دولي، مستخدمة عقيدة الأرض المحروقة، أو عندما تدخّل التحالف الأوروبي الأمريكي في ليبيا، وفي سوريا وأرتكب جرائم حرب تم التعتيم عليها. 

 وعلى المستوى العسكري، يبدو أن الروس تباطأوا في الهجوم لأسباب لوجستية، ووجود مقاومة غير متوقعة من الجيش الأوكراني مدعوماً من الغرب، لكن، يتجاهل الكثيرون أن الجيش الروسي يتقدم بحذر، ويتفادى قدر الإمكان إلحاق الضرر بالمدنيين، وهذا واضح من أن ايام الحرب لم تسفر إلا عن سقوط بضعة مئات من المدنيين.

 ولوحظ أن ألمانيا أقرّت ميزانية عسكرية ضخمة في خروج سريع من التزاماتها بعد استسلامها في الحرب العالمية الثانية، كما أن التلويح بالسلاح النووي، من الغرب والشرق، قد يتيح لها الفرصة للدخول إلى النادي النووي، والأمر نفسه ينطبق على اليابان لكي تحذو حذوها إلا إذا عارضت واشنطن، لأن الهدف الأكبر لواشنطن من الأزمة الأوكرانية هو فك الشراكة الاقتصادية النفطية والغازية بين روسيا وألمانيا، وتحجيم ألمانيا باعتبارها القوة الأكبر أوروبياً.

 وعلى المستوى الإعلامي، أظهر الإعلام الغربي الكثير من العنصرية ضد الأفارقة والعرب، وهذا أمر متوقع، كما جرى إبراز الرئيس الأوكراني كبطل عالمي، بينما كان الإعلام الغربي يصف نظامه بالفساد، حتى أن بلاده لم تكن تلبي شروط قبولها للانضمام  لحلف الناتو، مثل جورجيا ومولدوفا، بسبب الفساد ووجود ملفات مالية، كما كشفت «أوراق باندورا» المالية، كالتهرب الضريبي وغسل الأموال. 

 بقي أن نشير إلى أن الجانب الفلسطيني، وإن لم تكن له علاقة في ما يحدث، إلا أنه حقق بعض المكاسب المعنوية لتأكيد أن العالم الغربي يعامل إسرائيل كدولة فوق القانون، ويتجاهل قرارات الشرعية. فخلال أيام تلقت المحكمة الجزائية الدولية طلب أوكرانيا بدعم أمريكي للتحقيق في جرائم حرب قد تكون روسيا ارتكبتها في أوكرانيا، رغم عرقلة الغرب للتحقيق في ما ارتكبته إسرائيل، حتى الآن، ضد الشعب الفلسطيني، لكن هذا لم يمنع ذوي الضمير في الإعلام والبرلمانات الأوروبية من عقد مقارنات بين الأزمة الأوكرانية والقضية الفلسطينية.

 الغرابة هنا، أن إسرائيل حاولت التوسط في الحرب كأنها لا تحتل أرضاً. وبينما لجأت إسرائيل إلى اختطاف أطفال أيتام من أوكرانيا ونقلتهم إليها لتهويدهم لاحقاً، وتجنيدهم في جيشها، فإنها تحث مئة ألف يهودي أوكراني على الهجرة إليها، وأعلنت عن تحديد أماكن استيطانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يجري ذلك فيما البرلمان الأوروبي يبحث وقف المساعدات عن الفلسطينيين بسبب المنهاج المدرسي الفلسطيني، لأنه عندما تعرض لتاريخ فلسطين قبل سنة 1948سماها فلسطين وليس إسرائيل، وكأن المفروض شطب فلسطين بأثر رجعي من التاريخ.. هكذا يفكر عشاق القانون الدولي في أوروبا وأمريكا.. إنها مفارقات عجيبة على هامش الأزمة الأوكرانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"