الخروج البريطاني الآمن

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

أخيراً، انتهت معركة البريكست بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، باتفاق الطرفين على ترتيبات ما بعد الخروج البريطاني من الكتلة الأوروبية. انتهت المعركة الطويلة وكان لها أن تنتهي على أي حال.

كانت معركة البريكست هي معركة القرن بلا شك، فقد تابعها البريطانيون والأوروبيون بمزيج من القلق والخوف والعداءات الخفية والمعلنة، والنيات الظاهرة والمضمرة، مع خيوط الأمل الضئيلة في عودة الأمور إلى نقطة البداية أو ظهور حلول تجعل الجميع سعداء. تفجرت هذه المعركة على خلفية العناد والاعتداد القومي وتواصلت جولاتها واستراتيجياتها الهجومية والدفاعية على الأرضية ذاتها من العناد والتشبث بالمواقف والقرارات.

لكنها وصلت في نهاية الأمر إلى محطة التسوية والحل الوسط، بعدما أوصل العناد الفريقين إلى طرق مسدودة في العديد من الجولات، وهدد بانهيار العلاقات المستقبلية بين بريطانيا ومجالها الحيوي. وربما كانت الأجواء التي خلقتها جائحة كورونا، والشعور العام بوحدة المصير، مع دعوات التعاون والتضامن المختلفة، قد ألقت بظلالها على نفسيات المفاوضين وتسببت بدرجة ما في ليونة مواقفهم.

أما العالم الخارجي فقد كان يتابع وقائع المعركة بكثير من الدهشة والإعجاب، فهذه معركة تتعلق بمصالح الأمم والشعوب وتتمحور حول انشقاق وانفصال جزء عضوي ومهم في بنية الجسد الأوروبي، لكنها مع ذلك مضت في طريقها من دون أن تُطلق فيها طلقة واحدة أو تحرك لها الأساطيل والطائرات والجيوش، أو يسقط فيها القتلى وتسيل فيها الدماء. 

الأوروبيون يتوصلون إلى حلول وسط لإنهاء الخلافات والنزاعات مهما يكن حجمها وأهميتها وتعقيداتها. وهذا ملمح حضاري ودرس لبقية شعوب العالم. فقد كانت نقاط الخلاف والاتفاق تخضع للدراسة والتمحيص، وكانت الاقتراحات تطرح على الطاولة وهي جاهزة للنقاش، بعد أن قضّى الخبراء أياماً طويلة في مناقشتها وصياغتها؛ الأمر الذي كان يضفي مزيداً من الإثارة على العملية الجارية، وهي تتقدم عبر الأشهر لترسم شكل الأزمات التي يمكن أن تحدث بين الدول والتكتلات، وتحدد طرق معالجتها ووضع الحلول لها، من دون أن تنقلب بشكل فجائي إلى حروب دموية. 

وكان المفاوضون والزعماء بارعون في قبول أو رفض الوثائق والمسودات أو طلب تعديلها، ولم تخل المعركة من استخدام أسلحة التهديد والترغيب بمختلف الطرق الهادئة والصاخبة.

وبالطبع، فإن الاتفاق الأخير لا يعني حصول الأطراف على كافة مطالبها، وبالتالي غلق الباب أمام أي احتجاجات داخلية أو خلافات مستقبلية مع الطرف الآخر. فالاتفاق هو حل وسط يمنح الجميع جزءاً من مطالبهم، ويحفظ جانباً من مصالحهم ويحرمهم من مطالب وحقوق أخرى.

فالاحتجاجات على الاتفاق متوقعة في بريطانيا، خصوصاً وأنها بدأت فعلاً بالنسبة لقضية الصيد التي يعتبر الرافضون أن رئيس الوزراء بوريس جونسون ضحى بمخزونات بريطانيا من الأسماك لصالح الاتحاد الأوروبي، لكن مثل هذه الاحتجاجات تظل ضئيلة التأثير في ظل المكاسب الأخرى التي تحققت من الاتفاق، وفي مقدمتها ضمان إقامة علاقات تجارية ودية مستقبلية مع الكتلة الأوروبية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"