دور تركيا التخريبي

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.فايز رشيد

«السلطنة» هي ما يحاول أردوغان إحياءها، على قاعدة اقتناعه بأنه «قائد عظيم»، لذا تراه يتدخّل في العديد من الدول العربية بصورة عدوانية متجاهلاً قوانين ومواثيق الشرعية الدولية. تتحكّم فيه ما تسمّى ب «عقيدة الوطن الأزرق»، التي يرجع أصلها إلى خطة وضعها الأدميرال التركي جيم جوردنيز في عام 2006، وهي تحدد هدفاً «طموحاً»- في حقيقته عدوانياً- للقيام به، من خلال الدبلوماسية وصولاً إلى الوسائل العسكرية (التدخّل بالقوّة)، لتوسيع نطاق النفوذ التركي في البحر المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود، لتمكين وصول تركيا إلى مصادر الطاقة والموارد الاقتصادية الأخرى التي تريدها.

 لقد تبنى أردوغان هذه العقيدة في عام 2015 كجزء لا يتجزأ من استراتيجية وطنية لما يسميه ب «الدفاع المتقدم»، وذلك في سياق محاولته المستمرة التي يقوم بها، لتأكيد مفهومه الخاص ل «الاستقلال التركي» في جميع أوجه السياسة الخارجية، لتشمل النفوذ في المناطق المحيطة ببلاده.

 وقد تم استعراض مظاهر هذه العقيدة بصورة كاملة، أثناء ما سُميّ ب «مناورة الوطن الأزرق» في شباط/ فبراير عام 2018، والتي كانت أكبر مناورة قتالية، منذ تأسيس البحرية التركية، وتم القيام بها في وقت واحد في بحر إيجة، والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط، وقد وصفت وسائل الإعلام الحكومية التركية حينها، تلك المناورة بأنها «بروفة حرب». وهناك أمثلة أخرى لممارسة الرئيس التركي لهذه العقيدة، منها مثلاً: مطالب تركيا المتشددة بالنسبة للطاقة حول المنطقة الاقتصادية الخاصة بجزيرة قبرص. ففي التاريخ المذكور، أرسلت تركيا سفنها البحرية، لوقف سفينة حفر إيطالية كانت في طريقها، للتنقيب عن الغاز قبالة ساحل قبرص. وفي ربيع عام 2019، أرسلت أنقرة سفنها، بالطبع في حراسة البحرية التركية، للقيام بأنشطة تنقيب خاصة بها. حينها أدانت دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع، تلك «الأعمال غير القانونية» وأعربت عن دعمها لقبرص.

 على هذا الصعيد، تقول الباحثتان الأمريكيتان هيثر كونلي وراشيل إليهوس: «إن تركيا، وهي تقوم بتأمين مصالحها الإقليمية في شرق البحر المتوسط، تضع نفسها في مسار تصادم مع عمليات رسمية للاتحاد الأوروبي والناتو، فهي تعمل على خرق قرار حظر الأسلحة المفروض على ليبيا»، وتعتبران أنه في ظل تصاعد الصراع، وكذلك في ظل تحديات الهجرة، يتوجب على الناتو والاتحاد الأوروبي، أن يكون لهما وجود فعال وموحد في البحر المتوسط رغم الخلافات مع تركيا.

 لقد بلغت التوترات الإقليمية مستوى مرتفعاً في تشرين ثاني/نوفمبر 2019، عندما وقّع أردوغان اتفاقية مع حكومة فايز السراج في طرابلس، ترسم حدوداً بحرية بين البلدين في البحر المتوسط، وتسمح لتركيا بالتدخل في المصالح البحرية لليبيا، وكذلك باستخراج موارد الطاقة في البحر المتوسط. وفي 13 تموز/يوليو الماضي، عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعاً، طلبوا بعده من أنقرة، تقديم إيضاحات بشأن تصرفاتها في شرق البحر المتوسط وخاصة في دول مثل: ليبيا وسوريا، وطلبوا من بوريل تقديم خيارات لتعزيز العقوبات المفروضة على تركيا، بسبب أنشطتها الخاصة بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص.

 من جانب آخر، لا تخفى على أحد محاولات أردوغان المستميتة، لتخريب الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان، والذي جرى برعاية روسية، فقد طلب الرئيس «العثماني» مؤخرّاً موافقة البرلمان التركي، لإرسال عسكريين إلى أذربيجان بهدف «زائف»، وهو المشاركة في مهمة مراقبة وقف إطلاق النار في إقليم ناجورنو كاراباخ. ومن المقرر أن يبت البرلمان التركي في طلب أردوغان ! معروف أن تركيا أردوغان، ساهمت بفعالية في إذكاء أوار هذا الصراع، من خلال إمدادها أذربيجان بكل أنواع الأسلحة، فكيف لطرفٍ في الحرب أن يسهم في مراقبة وقف إطلاق النار فيه؟ كلّ ذلك يتزامن مع تدخلات عسكرية تركية في ليبيا وسوريا وغيرهما من الدول العربية. ووفق محللين، فإن أردوغان يورط بلاده في حروب وعداءات خارجية، هربا من المعارضة المتزايدة لسياساته في ظل الأداء الاقتصادي السيئ لنظامه، وما نتج عنه من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، حتى أصبح معظم خريجي الجامعات عاطلين عن العمل بشكل غير مسبوق، إضافة إلى الاستنكار الشعبي لمحاولته تقييد الحريات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"