الزلزال والدروس المستفادة

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

الزلزال المدمّر الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا، سبّب خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات؛ إذ تجاوزت حصيلة القتلى 50 ألفاً، ويمكن لهذا الرقم أن يزداد، عدا عن الذين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم الأخرى وتشردوا. إنها مأساة إنسانية مروّعة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ. فالخسائر كبيرة، ولكن بالنسبة لسوريا، فإنها محاصرة ب«قانون قيصر» الأمريكي الذي يحدّ من إمكانية تقديم المساعدات لها. من زاوية أخرى، فإن تركيا ودعمها لجماعات مسلحة شمالي سوريا يحدّ من قدرة الدولة السورية على تقديم المساعدات لهذه المناطق، وأيضاً للمناطق الواقعة شمال شرقي سوريا، الخاضعة لسيطرة قوات «قسد» الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة.

الواجب يتطلب من تركيا في مثل هذه الظروف الإنسانية الملحّة، أن تجعل الأولوية لإغاثة المناطق المنكوبة، وتكفّ عن دعم الجماعات المسلحة الموالية لها.

صحيح أنه من الصعب السيطرة تماماً على الكوارث الطبيعية، لكن بالتعاون الدولي والحالة هذه يمكن التقليل من آثار بعض ما يحدث من أضرار.

لقد أعلنت إدارة الطوارئ والكوارث التركية أن الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجة، يعادل 500 قنبلة ذرية! وعلى الرغم من مرور أسبوع على زلزال «كهرمان مرعش» المدمّر، فإن الهزات الارتدادية لا تزال مستمرة؛ الأمر الذي قد يفاقم من الخسائر.

إذا كان زلزال طبيعي يمكنه التسبّب في كل هذه الخسائر المؤلمة، وقوته تعادل مئات القنابل الذرية، فماذا سيكون الوضع لو حصلت حرب نووية، وهذا لا يتمنّى أحد حدوثه تحت أي ظرف، وبالتالي فهذا الزلزال المدمّر يجب أن يعطي درساً للقوى النووية تجاه حجم الخسائر الكبيرة وغير المحسوبة إذا ما انزلقت بعض هذه القوى إلى حافة الحرب، حيث لا تزال دروس مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين تلقي بظلالها المريرة والمؤلمة، بعد عقود كثيرة من إلقاء قنبلتين نوويتين عليهما في الحرب العالمية الثانية.

كذلك، فإن انفجار مفاعل «تشيرنوبيل» النووي ما تزال تأثيراته السلبية تلقي بظلالها حتى اللحظة، وعلى الدول النووية الاستفادة من دروس وتداعيات الزلزال الأخير المدمّر الذي لا تزال تداعياته السلبية مستمرة؛ إذ ما زلنا في كل يوم نسمع ونقرأ عن خسائر جديدة.

وفي هذه الأثناء تخشى منظمات وسكان في المناطق المنكوبة من إمكانية انتشار الأوبئة التي تظهر في العادة بعد حدوث الزلازل، وخطر الأوبئة في حدّ ذاته يوازي في العديد من الأحوال في نتائجه السلبية الأضرار التي تسبّبها الزلازل والبراكين.

وفقاً للخبراء والمختصين، فإن التقديرات الحقيقية لخسائر الزلزال المدمّر ستحتاج إلى سنوات لتقدير حجمها، قياساً بالأضرار الحقيقية للزلازل السابقة التي حصلت في بلدان أخرى. فمثلاً راوحت تقديرات عدد القتلى في الزلزال الذي ضرب هايتي في عام 2010 مئة ألف شخص، وخسائر مادية بمليارات الدولارات.

لذا يمكن أن تستمر تأثيرات الزلزال الأخير المدمّر في سوريا وتركيا في مواطني الدولتين المتضررين منه، وغير ذلك من الأضرار لفترة طويلة قادمة قد تمتد إلى سنوات، فالآثار الاجتماعية والمادية الحقيقية للتأثيرات الحقيقية للزلازل تحتاج إلى فترة طويلة للرصد الحقيقي لتداعياتها؛ لذا فمن الضرورة والحالة هذه تطبيق الدروس المستفادة من الزلازل السابقة في مناطق مختلفة من العالم. ويمكن أن تكون هذه الكارثة تحذيراً للاستعداد لزلازل قد تأتي مستقبلاً، لا سمح الله.

أعلنت منظمات الإغاثة ألاّ مؤشرات على وجود أحياء تحت الأنقاض بعد انتهاء عمليات البحث وإنقاذ العالقين في المناطق المنكوبة، في حين أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن مئات الآلاف من المباني لم تعد صالحة للسكن.

من المفترض أن المأساة المشتركة التي جمعت تركيا وسوريا، ربما تساعد على دفع فرص المصالحة بينهما، أو خفض مستوى الأزمة على أقل تقدير، بحثاً عن تسوية سياسية بين البلدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9bbbjd

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"