عام 2020 ودروس الوباء

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

يودع العالم عاما استثنائياً بكل المقاييس، بالنظر إلى الإشكالات والتحديات الكبرى التي فرضها تمدّد جائحة كورونا، فلا أحد كان يتوقع أن خطراً يهدد الصحة العامة، يمكنه أن يربك العالم بالصورة التي تمت بها مع وباء «كورونا».

  ورغم التطورات التكنولوجية والإنجازات العلمية المتراكمة في ما يتعلق بمواجهة الكوارث والأزمات، وبخاصة على مستوى تطوير البنيات الطبية الأساسية، وإحداث نظم الإنذار المبكر والاستشعار عن بعد، وتكوين الأطقم البشرية المتخصّصة في هذا المجال، إلا أن ذلك لم يمنع توجّه الأمور نحو الأسوأ.

  وخلّف انتشار الوباء حالة من الصدمة في أوساط الدول، ما دفعها إلى اعتماد مجموعة من التدابير والإجراءات التي تباينت من حيث صرامتها، ونجاعتها، من بلد إلى آخر، وقد زاد من صعوبة الأمر غياب معلومات دقيقة، ومتفق عليها حول مصدر الفيروس، وخطورته، وسبل انتشاره، وتداعياته، ما مثّل تهديداً حقيقياً للأمن الإنساني بكل مقوماته، وعناصره. وقد تساوت في ذلك الدول الكبرى مع الدول النامية، حيث كانت الإصابات والخسائر في الأرواح والاقتصاد أكثر حدّة داخل مجموعة من البلدان المتقدمة، كفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة،  وبريطانيا، والتي لم تشفع لها إمكاناتها الاقتصادية وبناها التحتية المتطورة، وامتلاكها لناصية البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة، في تجاوز عدد من الانعكاسات السلبية المتسارعة للوباء.

  واتجهت دول العالم إلى فرض الإغلاق التام، أو الجزئي، للمحال التجارية والمرافق التعليمية، والمصانع، والمطاعم، والفنادق، والمطارات، وإلى تجميد نشاط الطيران المدني، كما قيدت حركة تنقل الأفراد، واعتمدت الكثير من التدابير الصحية العاجلة من قبيل تكثيف اختبارات الإصابة، وتجهيز المستشفيات بالوسائل الطبية اللازمة، وتوزيع الكمامات والمعقمات، وتوفير التشريعات اللازمة لتدبير الظروف الطارئة التي خلفها انتشار الفيروس.

   وأربك الوباء الأوضاع الداخلية للدول، وتسبب بإحراج عدد من صناع القرار الذين وقفوا مذهولين أمام تداعياته الخطيرة، كما أسهم بشكل سلبي ملحوظ في مسار العلاقات الدولية، مع انكفاء كثير من الدول على ذاتها، وتراجع حدة التضامن الدولي، إزاء وباء عابر للحدود.

  وظلّت الإشكالات التي طرحتها الجائحة مهيمنة على النقاشات والاهتمامات الوطنية والدولية سياسياً، واقتصادياً، وعلمياً، ما جعلها الحدث المميّز لعام 2020، ويقرّ الكثير من الخبراء والباحثين بأن الضغط الكبير الذي فرضته الجائحة على دول العالم، مكّن من الوقوف على مجموعة من الاختلالات والمشاكل القائمة في ما يتعلق بالسبل والآليات المتاحة لمواجهة الأزمات من هذا القبيل، ومدى جاهزية الدول للتعامل بحنكة في مثل هذه الظروف.

  وأبرز الوباء أيضاً أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي في ما يتعلق بعدد من المواد الأساسية ، كما بيّن أيضا ضرورة إرساء تعاون إقليمي يدعم تبادل التجارب وتنسيق الجهود، وتعبئة الموارد والإمكانات لمواجهة المخاطر المختلفة التي أصبحت تتهدد الجميع.

  ولم تتوقف تداعيات هذه الجائحة، على القضايا الداخلية للدول، بل تعدّتها إلى تبعات دولية، وإقليمية، بدأ معها العديد من الخبراء والباحثين يتحدثون عن ترتيبات دولية جديدة، ستسمح ببزوغ أقطاب وازنة، بما يحدث خللاً في بنية النظام العالمي القائم. فالصراع الذي اشتد حول طرح لقاحات لوقف الجائحة كشف عن جزء من هذا الصراع، وقد أظهرت الصين وألمانيا كفاءة عالية في التعامل مع الأزمة، سوّقتا من خلالها لنموذج دولي واعد في هذا السياق، فيما سعت بعض القوى الدولية إلى ترسيخ أسلوب الدبلوماسية التضامنية عبر توجيه المساعدات الطبية، والإنسانية..

   وعلى الجانب الآخر، ورغم بعض التجارب المشرقة، لم تستطع الكثير من البلدان العربية التأقلم مع الجائحة، أو استثمارها كسبيل لتجاوز الخلافات والصراعات البينية، وإرساء تعاون بنّاء يدعم تنسيق الجهود، وتجنيد الإمكانات المتاحة للخروج من هذه المحطة بأقل كلفة ممكنة.

وتزامن استعداد دول العالم لتوديع عام 2020 مع البدء بطرح لقاحات مختلفة لإيقاف الوباء من قبل عدد من الشركات بعد نجاح التجارب السريرية المعتمدة في هذا الخصوص، وانخراط عدد من الدول، كالولايات المتحدة، وبريطانيا، ودولة الإمارات، في حملات للتطعيم وفق برامج محددة، وهي مؤشرات إيجابية تحيل إلى التفاؤل بصدد نهاية هذا الكابوس الذي يهدّد الأمن الصحي العالمي بشكل غير مسبوق.

  ويبدو أن العالم مقبل على تحديات كبرى، تفرض اليقظة، والاستفادة من الأخطاء، بالصورة التي تتيح تحويل الجائحة إلى فرصة لتحديث العمل الإداري، ورقمنة المعاملات والخدمات التجارية، والاقتصادية، والإدارية، وتطوير منظومة إدارة الأزمات والكوارث واستيعاب المخاطر والتهديدات الجديدة في أبعادها البيئية والصحية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"