العالم الذي تريده الصين

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

رانا ميتر *

هل تريد الصين تغيير النظام العالمي لتعزيز مصالحها وعكس صورتها الحقيقة؟ قد يكون هذا السؤال هو الأكثر أهمية في الجغرافيا السياسية اليوم، ومع ذلك، فإن الإجابات التي يثيرها تميل إلى الكشف عن مزيد من التحيزات الحديثة أكثر مما تكشف عن الشكل الذي ستبدو عليه القوة العظمى الصينية في المستقبل. والواقع أن أولئك الذين يريدون أن يعرضوا الصين على أنها تلك الحاقدة والتوسعية، يشيرون إلى دليل على العدوانية في موقف بكين اليوم. ويسلط أولئك الذين لديهم وجهة نظر أقل رعباً، الضوء على ميزات أكثر ملاءمة في السياسة الصينية، أو يلاحظون أن الصين ستواجه كثيراً من التحديات التي ستمنعها من إعادة تشكيل العالم، حتى لو أرادت ذلك. 

ويرى العديد من المراقبين الغربيين حرباً باردة جديدة متصاعدة تكون فيها الصين بمثابة نسخة القرن الحادي والعشرين من الاتحاد السوفييتي.

مثل هذه التوقعات جامدة وواسعة للغاية، بحيث لا يمكن وصف مدى تعقيد صعود الصين بشكل مفيد، سواء لفهم حالة عدم اليقين المتأصلة في أهدافها المستقبلية أو للتعرف إلى العناصر الأساسية التي شكلت تطلعاتها. والقوة الصينية اليوم هي قوة ديناميكية وحيوية تشكلت من الترابط بين النزعة الاستهلاكية، والطموحات العالمية والتكنولوجية. وتتحد هذه الخيوط في القوة الصينية لتعيد توحيدها وتشكيل الهوية السياسية الحديثة للصين، ونهجها مع بقية العالم. ويريد الحزب الشيوعي الصيني إحكام قبضته على المجتمع الصيني، وتشجيع النزعة الاستهلاكية في الداخل والخارج، وتوسيع نفوذه العالمي، وتطوير وتصدير التكنولوجيا الصينية المتقدمة. ولا يمكن فهم مكانة الصين الحالية وآفاقها المستقبلية بدون رؤية كل هذه الأهداف معاً.

وتعد قيادة الرجل القوي وهو الرئيس الصيني شي جين بينج، مهمة في فهم الصين اليوم، ومسارها المحتمل، كما كان الحال مع استجابة البلاد لوباء كورونا. وفكرة بكين عن مكانتها في النظام العالمي المعاد تشكيله، تتمثل في أن تلعب الصين دوراً بارزاً في آسيا، وتصدر نموذجها للاستثمار الاقتصادي المعتمد على الأفكار المجتمعية للتنمية، ولا يبالي بالمعايير الليبرالية (على الرغم من أنه ليس دائماً معادياً بشكل نشط لها). ولإضفاء الشرعية على نهجها، غالباً ما تلجأ الصين إلى التاريخ، مستشهدة بماضيها القديم، على سبيل المثال، أو إعادة تفسير أحداث الحرب العالمية الثانية. 

ولفهم إلى أين يمكن أن تتجه الصين، يجب على المراقبين الانتباه إلى العناصر الرئيسية للقوة الصينية والأطر التي من خلالها يتم التعبير عن تلك القوة وتخيلها.

ومنذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008، قدم قادة الصين صراحة، نظامهم باعتباره غاية في حد ذاته، وليس نقطة انطلاق لدولة ليبرالية. وفي أوائل عام 2020، روجت الصين مواجهتها للفيروس باعتباره إحدى وظائف نظام الحكم من أعلى إلى أسفل.

لقد اتخذت الصين بالفعل اتجاهاً جديداً في مشاركتها العالمية. وأدى الجمع بين النمو الاقتصادي والإنفاق الهائل على الأبحاث في العقدين الماضيين، إلى خلق واحدة من أكثر البيئات ابتكاراً على وجه الأرض. وتعمل التقنيات الصينية الجديدة المطورة على تعزيز جيش الدولة، وتُنتج سلعاً جديدة للمستهلكين، بينما تسهم أيضاً في إنشاء دولة مراقبة البيانات الضخمة. وتشكل القدرة التكنولوجية المثيرة للإعجاب للصين، الجزء الأكثر قوة وجاذبية من عرضها للعالم.

* أستاذ تاريخ وسياسة الصين الحديثة في جامعة أكسفورد (فورين أفيرز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ تاريخ وسياسة الصين الحديثة في جامعة أكسفورد

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"