ما بنت أيدينا

01:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

علي الأحمد *

خلال الخمسين سنة الماضية نما اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة ليصبح اليوم ثاني أكبر اقتصاد عربي. والسؤال.. كيف استطاعت البنى التحتية في دولة الإمارات تلبية احتياجات هذا النمو الاقتصادي والزيادة السكانية التي ارتبطت به؟

  لنبدأ بأرقام دولة الإمارات المذكورة على صفحة البنك الدولي وهي كالاتي: نما حجم الاقتصاد 800% من 50 مليار دولار في 1990 إلى 420 مليار دولار في 2020، بالمقابل، زاد تعداد السكان 200% من 3 ملايين نسمة في 1990 إلى 9.7 مليون نسمة في 2020.

   للإجابة عن السؤال سيكون الحديث هنا عن تجربتين، اتحادية ومحلية، قامتا بتطوير البنى التحتية في قطاعي الاتصالات والمواصلات.

   التجربة الأولى هي شركة اتصالات وتملك حكومة دولة الامارات 60% من الشركة ويمثلها جهاز الإمارات للاستثمار، وفي ثمانينات القرن الماضي، بدأت شركة اتصالات بمد شبكة الألياف الضوئية Fibre Optic لربط كافة إمارات الدولة، وتأتي أهمية شبكة الألياف الضوئية كونها فتحت آفاقاً جديدة في تكنولوجيا الاتصالات، وأصبح بالإمكان نقل البيانات بسرعات وأحجام لم تكن متاحة قبل ذلك. وخلال سنوات عملي في اتصالات كانت تزورنا وفود تمثل حكومات وشركات اتصالات من دول كثيرة لتشاهد تجربة دولة الامارات في بناء هذه الشبكة، والسؤال الذي كان يكرره الزوار حينها «لماذا تنفقون هذه المبالغ وتبنون شبكات بهذه المواصفات؟ إن اقتصادكم وعدد سكان بلادكم لا يبرران بناء هذه الشبكات، ما حاجتكم لذلك؟»، وكنا نكرر نفس الإجابة «نحن نبني للمستقبل».

 من أهم معايير تقييم جودة شبكات الاتصالات ما يسمى FTTH وهو نسبة المنازل التي ترتبط بشبكة الألياف الضوئية، وفي دولة الامارات تتجاوز النسبة 95% وهي الأعلى في العالم، ما يعني أن جميع السكان تقريباً لديهم هذه البوابة الكبيرة في كل أرجاء الدولة، التي تتيح لهم التواصل والتفاعل مع العالم من حولهم بلا أية قيود، أما تصنيف الدولة في جودة البنى التحتية في قطاع الاتصالات بشكل عام فهو الرابع عالمياً حسب ما تشير إليه الصفحة الرسمية لهيئة تنظيم الاتصالات.

 لم تكتف اتصالات بالربط بين إمارات الدولة بل أنشأت شركة متخصصة بمد الكابلات البحرية E-Marine قبل 30 عاماً، وتملك الشركة 6 سفن مصممة خصيصاً لمد كابلات الألياف الضوئية بين دول العالم، والدولة تعتبر مركزاً إقليمياً تمر عبره هذه الكابلات البحرية العملاقة التي تفترش قاع البحار لتربط بين القارات، وشبكة الاتصالات لا تلبي احتياجات الدولة محلياً فقط، بل أصبحت نقطة رئيسية لعبور الاتصالات ونقل البيانات بين دول العالم.

 التجربة الثانية هي هيئة الطرق والمواصلات في دبي وهي هيئة محلية، وقد سنحت لي الفرصة مرتين للتعرف على إنجازات هيئة الطرق والمواصلات خلال معرض InnoTrans في برلين وهو أكبر معرض دولي خارج الولايات المتحدة يختص بكافة المجالات التكنولوجية والصناعية المرتبطة بوسائل النقل العام والقطارات، وكانت الأرقام والفيديوهات التي تعرض من قبل هيئة الطرق مبهرة للجمهور وللمختصين، وبعد انتهاء المعرض كنا نقوم في سفارة الدولة في برلين بعرض هذه الإنجازات ضمن فعاليات السفارة.

 أحد أبرز إنجازات هيئة الطرق والمواصلات هو مترو دبي الذي أكمل بالأمس القريب 10 سنوات منذ انطلاق رحلته الأولى، وفي العام الماضي تجاوز عدد ركابة 200 مليون شخص، أما إذا سألت عن إجمالي الركاب الذين استخدموا كافة وسائل المواصلات المملوكة للهيئة في 2019 فقد وصل الرقم إلى 600 مليون راكب، أي أكثر من 1.5 مليون راكب يومياً.

 أما الإنجاز الأسمى للهيئة فهو الذي ارتبط بأرواح الناس، فجودة الطرق وتنوع وسائل المواصلات والتكنولوجيا المستخدمة أسفرت عن تقليل عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق بنسبة 80%، ففي سنة 2006 كان عدد الوفيات يصل الى 22 وفاة لكل 100000 نسمة، أما الآن فالعدد لا يتجاوز 4 وفيات.

 إن قدرتنا على توفير هذه الخدمات بهذه الجودة لملايين من البشر خلال فترة زمنية قصيرة، هو دليل على نجاحنا في بناء شبكات للاتصالات وللطرق بأعلى المواصفات، وبالإضافة إلى مساهمة هذه البنى التحتية في نمو الاقتصاد المحلي ورفع مستوى المعيشة، فهي كذلك من العوامل الرئيسية لجذب الاستثمار الأجنبي، وإن سألنا المستثمر لماذا الامارات؟ سنروي له أين كنا ونشرح إلى أين نحن ذاهبون، وسنختصر حديثنا عن الحاضر لأنه يتحدث عن نفسه.

* سفير دولة الإمارات في فرنسا والمندوب الدائم لدى اليونيسكو

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي إماراتي وسفير سابق في ألمانيا وفرنسا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"