الحرب الإلكترونية بين أمريكا وروسيا

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

دخلت الاتهامات الأمريكية لروسيا بالقرصنة، والهجوم الإلكتروني على وزارات ووكالات حكومية ومؤسسات وشركات، مرحلة من التضارب والحيرة في توجيه أصابع الاتهام إلى الجهة المسؤولة عما يوصف بممارسة نوع من الحرب الافتراضية.

وبينما اعتبرها مسؤولون أمريكيون نوعاً من التجسس، الذي تقف وراءه المخابرات الروسية، إلا أن التضارب بدأ يظهر في التصريحات الرسمية الأمريكية التي تعددت في بياناتها الجهات محل الاتهام من جانب مؤسسات أمريكية.

فبينما أعلنت شركة «سولار ويندوز» الأمريكية صاحبة الشبكات الأمريكية للبرمجيات، أنها تعتقد أن دولة خارجية قامت بهذا الهجوم، دون أن تحدد اسماً لهذه الدولة، ثم خرج مايك بومبيو وزير الخارجية في إدارة ترامب بتصريح، حمّل فيه روسيا المسؤولية عن هذا الهجوم، وشاركه في رأيه رؤساء لجان المخابرات بمجلسي الشيوخ والنواب، إلا أن ترامب على الجانب الآخر، خرج بوجهة نظر مخالفة، معلناً أن الصين قد تكون المسؤولة.

في نفس الوقت أشار محللون أمريكيون إلى أننا لا نستطيع أن نتجاهل إمكان قيام كوريا الشمالية، وإيران، إضافة إلى روسيا والصين، بتعزيز قدراتها في مجالات الحرب الإلكترونية، وإذا لم تكن لدى كوريا وإيران قدرات على دخول هذا الصراع الجديد، باختراع نظم إلكترونية متطورة، فإنهما على الأقل سيحاولان السعي إلى امتلاك وسائل اختراق المراكز الحيوية في دول أخرى.

إن الذين يدعون للتخفيف من استخدام لهجة «الحرب الإلكترونية»، يرون أن ما يجري ليس هجوماً، وإنما هو تطوير لعمليات التجسس، بالتسلل واختراق عشرات المؤسسات الأمريكية الحكومية والخاصة. وهو نفس ما قاله جاري براون المسؤول السيبراني السابق في البنتاجون من أنه لا يعتقد أن ما يجري هو نوع من الهجوم الإلكتروني، لكنه عمليات تجسس نجحت باقتدار، وهي بمثابة دق ناقوس الخطر لنتنبه إلى تقدم ملموس حققته روسيا في هذا المجال.

وعلى الرغم من الاتهامات من مسؤولين أمريكيين لروسيا، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الأمن الإلكتروني، لم يحددا من هي الجهة المسؤولة عن هذا الهجوم؛ بل إن الدراسات العلمية للصراع المتجدد مع القوى التي أصبحت أمريكا تعتبرها منافساً استراتيجياً، وهي روسيا والصين، لا تنفي عن أمريكا ممارستها لنفس هذا السلوك الإلكتروني، ليس فقط تجاه روسيا والصين؛ بل على مستوى العالم، الذي يدار من وراء الستار، لأن الذي تتولى القيام به مراكز تجسسية أساساً، منها وكالة المخابرات المركزية، ووكالة الأمن الوطني، إلى جانب ما تقوم به الوكالات المتخصصة لوزارة الدفاع، ومنها وكالة الحرب الإلكترونية. وهو نفس ما سبق أن قامت به أمريكا تجاه شبكات الإنترنت الروسية.

القضية إذن تتعلق بحرب إلكترونية تجسسية. وهو ما يعني أن العالم يشهد تحولاً خطراً في الصراع الدولي، بشكل يرى المحللون الأمريكيون أنه قد يجلب أضراراً قد تفوق كثيراً ما سببته الحروب التقليدية السابقة.

وعلى ضوء القلق المشتعل في أمريكا، فإن هناك اتجاهين أحدهما من الداعين للانتقام من روسيا على وجه الخصوص، واتضح الآن أن بايدن من المؤيدين لهذا الاتجاه، حيث أعلن أن هذه القرصنة لن تمر دون رد، بمجرد أن يتولى منصبه في 20 يناير 2021.

وفي المقابل هناك من يقللون من وصف الهجوم السيبراني بأنه بلغ مرحلة حرب إلكترونية، ويدعون إلى التوصل إلى اتفاقيات شاملة لتقنين الممارسات الإلكترونية، حتى لا تصل المواجهة إلى حافة حرب، حتى لو كانت حرباً افتراضية؛ لأنها يمكن أن تجر وراءها تصرفات عدائية، من كل جانب تجاه الآخر، خاصة أن الصراع السيبراني لا تحكمه قواعد أو معاهدات، بعكس ما كان عليه الحال في سنوات صراع القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) من بعد الحرب العالمية الثانية.

وهناك أيضاً من يرى أن وصول العلاقات الأمريكية الروسية إلى حالتها الراهنة من التوتر، يجعلها لا تحتمل التصعيد إلى مواجهة جديدة، خاصة أن ما تمتلكه الدولتان من وسائل الهجمات الإلكترونية، قد يُلحق أضراراً بالأمن القومي لكلتيهما. وهو نفس ما ينطبق على العلاقات مع الصين التي حققت إنجازات كبيرة في مجال التكنولوجيا المتطورة.

فهل يظل العالم يعيش هذه الصراعات، أم يكون هناك سبيل لكي تُدرك القوى الكبرى قيمة التشارك والتعاون، في عصر يواجه فيه الجميع مفاجآت مأساوية تطال الجميع من دون استثناء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"