«كورونا» يعمّق الفجوة بين النساء والرجال

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

إليسا مارتينوزي *

كشفت الإحصاءات الرسمية، عن أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها النساء اللاتي لم يصبن بالوباء أكبر، مقارنة مع خسائر الرجال خاصة في بريطانيا وألمانيا.

تشكل النساء نسبة أكبر من قوة العمل في الصناعات التي توقفت، وعادة ما يتحملن المزيد من أعباء العمل غير المأجور في المنزل. كما أنهن يواجهن تحديات أكبر للحفاظ على وظائفهن ومواصلة العمل.

لكن على الرغم من هذه الصورة غير المريحة ظهرت بوادر أمل في البلدان التي حققت نسب نجاح أعلى من غيرها في الحفاظ على عمل المرأة. وبرزت أهمية سياسات المواجهة الفعالة مثل تيسير رعاية الأطفال وخفض تكاليفها و تركيز الدعم في القطاعات الأكثر تضرراً.

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، التي كانت تتابع استجابات حكومات العالم للأزمة عبر مؤشر «الاستجابة لكورونا حسب الجنس»، فإن القليل من السياسات تستهدف النساء على وجه التحديد. ومن بين نحو 1300 إجراء التي اعتمدتها نحو 200 دولة في مجال الحماية الاجتماعية وسوق العمل، كانت نسبة 20% منها تركز على البعد الاجتماعي، ما يعني أنها تعتبر الأمن الاقتصادي للمرأة ومسؤوليتها عن الرعاية غير مدفوعة الأجر، وترتب على ذلك عواقب واضحة.

 فعلى صعيد الاتحاد الأوروبي مثلاً، على الرغم من مئات المليارات من الدولارات التي ضخت في شكل تحفيز- أي ما يعادل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الاقتصادات الأكبر- انخفض التوظيف بشكل كبير في قطاعات البيع بالتجزئة والسياحة والضيافة؛ حيث تشكل النساء أكثر من 60% من قوة العمل. وبلغت نسبة البطالة في صفوف الإناث 8.1%، بينما تبلغ 7.2% بين الرجال.

 وحتى عندما تمكنت النساء من الاحتفاظ بوظائفهن، أجبر الكثير منهن على تقليص ساعات عملهن بسبب زيادة مسؤوليات تقديم الرعاية والتعليم. وأظهر التحليل الذي أجرته «منظمة العمل الدولية»، التي درست الأجور الشهرية في 28 دولة أوروبية، أنه حتى مع دعم الدخل، عانت النساء انخفاض بنسبة 6.9% في الأجور نتيجة خفض ساعات العمل بين الربعين الأول والثاني، مقارنة بانخفاض 4.7% في الرجال.

واللافت أن الفجوات كانت أوسع في بعض الاقتصادات الرائدة في أوروبا. ففي ألمانيا، كان الانخفاض بنسبة 8.6% في أجور النساء في النصف الأول من هذا العام، أي ضعف انخفاض أجور الرجال. وفي المملكة المتحدة، شهدت النساء انخفاضاً في الدخل على أساس سنوي بنسبة 12.9%، وهو ما يقرب من ضعف الانخفاض بالنسبة للرجال.

 ولعل أكثر ما يثير القلق هو معدل تسرب النساء من قوة العمل. فقد شهدت العديد من الاقتصادات المتقدمة- بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا واليابان- اتساع الفجوة بين الرجال والنساء النشطين في القوى العاملة. وبينت إحدى الدراسات الاستقصائية في أوروبا أن 4% من النساء اللائي فقدن وظائفهن أثناء الوباء توقفن عن البحث عن عمل، مقابل 1% فقط من الرجال. وقد برهنت الأزمات السابقة أنه بمجرد خروج شخص ما من سوق العمل، قد يستغرق الأمر سنوات قبل أن يعود مرة أخرى.

 لكن هناك جوانب مشرقة في تجارب بعض الدول على هذا الصعيد؛ حيث ركزت بعض الحكومات على القطاعات والشرائح الاجتماعية الأكثر تضرراً، ووجهت الدعم لرعاية الأطفال والقطاعات التي تهيمن عليها الإناث ومساعدة النساء في الحفاظ على العمل بأجر.

في المملكة المتحدة، تم إعفاء مراكز رعاية الأطفال من دفع ضرائب الممتلكات حتى عام 2021، ومنحت الحكومة إعفاءات ضريبية للعائلات مخصصة لرعاية الأطفال. ووفقاً لدراسة أجراها «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» فإن مثل هذه الإجراءات، التي حالت دون إغلاق مراكز الرعاية وضمان قدرة العائلات على تحمل تكاليف رعاية الأطفال، ساعدت النساء في الحفاظ على وظائفهن. ونظراً لارتفاع تكاليف رعاية الأطفال في سن ما قبل المدرسة، فإن تقديم الإعانات كان مفيداً بشكل خاص في ظروف تراجع الدخل بسبب الوباء.

 لكن لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به. يقول سيمون دجانكوف، الزميل في معهد بيترسون: «تحتاج الحكومات إلى تمويل توسيع إضافي لرعاية الأطفال وإلا فإن الأمهات العاملات مضطرات للتخلي عن وظائفهن والبقاء في المنزل. وهذا لن يؤدي إلا إلى تعميق عدم المساواة بين الجنسين وإبطاء الانتعاش الاقتصادي».

 تحتاج النساء بشكل خاص إلى الوقت والدعم للقيام بذلك ما يضع مصادر رزق الجيل المقبل على المحك.

* كاتبة عمود في «بلومبيرج» متخصصة في الشؤون المالية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة عمود في «بلومبيرج» متخصصة في الشؤون المالية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"