عادي

«البهاق».. بقع جلدية واضطرابات نفسية

20:50 مساء
قراءة 5 دقائق
1


تحقيق: راندا جرجس
يعد البهاق من الأمراض الجلدية المكتسبة غير المعدية، وتلعب العوامل الوراثية دوراً كبيراً في الإصابة به، ويعد أيضاً من المشكلات المناعية؛ حيث يهاجم الجهاز المناعي للمريض الخلايا الملانية التي تنتج صباغ الملانين، ما يجعلها تموت أو تفقد أداء وظيفتها، فيخسر الجلد لونه الطبيعي في بعض المناطق والأجزاء، وينتشر في الجسم على شكل بقع مختلفة الحجم، وتتميز بفقدان اللون الأصلي للبشرة، ما يؤدي إلى تعرض المصاب لتأثيرات وضغوط نفسية واجتماعية ما يجعله يميل إلى الانطوائية والعزلة وعدم الاختلاط بالآخرين، وفي السطور القادمة يخبرنا الخبراء والاختصاصيون عن هذا المرض ومضاعفاته وطرق الوقاية والعلاج.
تقول الدكتورة نيلي محمد حسين، أخصائية الأمراض الجلدية والتجميلية: إن البهاق مرض مزمن غير معدٍ، ويصنّف ضمن قائمة أمراض المناعة الذاتية، وتعد الجينات الوراثية من أهم أسباب الإصابة، ويظهر على شكل بقع بيضاء فاتحة اللون، ويفقد الجلد لونه الطبيعي، وينتشر على الأغلب في المناطق المعرضة لأشعة الشمس كاليدين والقدمين والذراعين والوجه والشفاه، ويمكن أن يؤثر في شعر الرأس أو الرموش أو الحاجبين أو اللحية، والأغشية المخاطية داخل الفم والأنف ولون الطبقة الداخلية من مقلة العين الشبكية.
أعراض وتشخيص
ويذكر الدكتور محمد دله، أخصائي الأمراض الجلدية، أن تشخيص مرض البهاق يتم من خلال الفحص السريري؛ حيث إن وجود البقع الفاقدة للون الجلد الطبيعي، والتي تبدو بيضاء كالحليب تميز هذا المرض، وعادةً لا تصاحبه أعراض المشكلات الأخرى كالحكة أو الألم أو الإفرازات، وربما يلجأ الطبيب لإجراء خزعة جلدية من أجلِ الفحص المجهري، لتأكيد أو نفي التشخيص، وتحتاج بعض الحالات إلى طلب فحوص مخبرية أو إشعاعية معينة؛ بهدف تفريق البهاق عن الأمراض الجلدية المشابهة.
عوامل الخطر
ويوضح د.محمد أن البهاق يعد من الأمراض الجلدية المكتسبة ذات القابلية الوراثية لحدوثه؛ حيث إن ثلث المصابين تقريباً، يكون لهم قريب أو أكثر من العائلة قد أصيب بنفس المرض، كما يزيد من احتمالية الإصابة وجود مشكلات المناعة الذاتية الأخرى كداء السكري، وقصور ونشاط الغدة الدرقية، وفقر الدم الخبيث وداء أديسون، أي قصور الغدة الكظرية الأساسي وغيرها، ويمكن أن يترافق مع الثعلبة البقعية؛ حيث يقوم الجهاز المناعي للمريض بمهاجمة أجربته الشعرية ويمنعها من إنتاج الشعر في الأماكن المصابة، فتظهر البقع الجرداء الصلعاء في الرأس أو الجسم، إضافة إلى الاضطرابات النفسية، وحرق الشمس الشديد، والجروح الجلدية كتماس البشرة مع المواد الكيميائية.
مراحل التطور
ويلفت د.محمد إلى أن البهاق يصيب من1% إلى 2% من سكان العالم، ويمكن أن يبدأ في بقعة صغيرة المساحة في الجسم، ويستمر هكذا لمدة غير محددة، ربما تمتد لأشهر أو سنوات، وتنتشر لأماكن أخرى في الجلد، أو يبقى ثابتاً من دون الاستمرار مدى الحياة، وفي حالات أخرى يظهر وينتشر بسرعة ليصيب مناطق واسعة، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المرض لا يمكن التنبؤ به مسبقاً، أو مدار تطوره، وتعد منطقة الوجه والرقبة والجذع من أكثر الأماكن التي تستجيب للعلاج، أما الأطراف والشفاه فتأخذ وقتاً أطول، ويمكن أن يعود البهاق للظهور مرة أخرى بنسبة 40% من الحالات.
مضاعفات نفسية
وتنوه الدكتورة عزة عبد الستار، أخصائية الأمراض الجلدية، إلى أن مرض البهاق يؤثر سلباً في الشكل الخارجي للشخص، وينجم عن العديد من الآثار النفسية والاجتماعية؛ حيث تم تسجيل معايير أقل لجودة الحياة وخاصة للمصابين من فئة المراهقين، ومستويات أعلى من حالات الاكتئاب لدى المرضى بشكل عام، وكذلك انعدام الثقة بالنفس، والقلق والخوف، وتجنب الاختلاط بالآخرين، واضطراب التكيّف.
طرق التداوي
وتبين د.عزة أن هناك أنواعاً مختلفة من الأدوية والطرق الجراحية والإجراءات غير الجراحية التي تعالج مرض البهاق، ويتم تحديدها بحسب حالة المريض، حيث يمكن استخدام الستيرويدات الموضعية ومثبطات الكالسينيورين الموضعية، أو العلاج الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية ضيقة النطاق من النوع (ب)، وتجدر الإشارة إلى أن المرضى من ذوي البشرة الفاتحة، قد لا يحتاجون إلى التدخل الطبي؛ بحيث تكون الحماية الكلية من أشعة الشمس بديلاً للعلاج، وأفضل استراتيجية لتجنب استمرار الجلد الطبيعي المحيط الذي يجعل بقع البهاق أكثر وضوحاً.
علاجات متنوعة
وتلفت د.عزة إلى أن هناك أنواعاً معينة من بقع البهاق التي توجد في مناطق محددة من الجسم، ويمكن أن تكون أقل استجابة للعلاج من غيرها، مثل النوع الطرفي، أما النوع القطعي فهو يصيب الطفل في عمر أقل من 14 سنة في منطقة واحدة ويستقر بها، ويعد أكثر ارتباطاً بأمراض الحرارة؛ حيث تظهر الخلايا الصبغية أثناء العلاج وتتكاثر من الوحدة الشعرية الدهنية، وتمتد مسافة 2-4 مم بداية من حدود البقعة، ويتم تحديد العلاج بحسب الإصابة ومدى انتشارها، عن طريق استخدام إحدى الطرق التالية:-
* جراحة الاسترجاع اللوني مثل الطعوم الجلدية الرفيعة، والترقيع الجلدي بالشفط، ومعلقات البشرة غير المستنبتة، وزراعة الطعوم الجلدية الدائرية المستخرجة بالثقب، وزراعة البشرة بالخلايا الصبغية المستنبتة أو بخلية صبغية مستنبتة معلقة.
* الإجراءات غير الجراحية مثل: تقنية الليزر الإكزيمر الحديثة الفاعلة في علاج بقع البهاق المحدودة والمستقرة، أو تقنية الإزالة اللونية، أو التلوين الجزيئي للأشخاص ذوي البشرة الداكنة، والعلاج بالضوء لإعادة التصبغ، ويمكن الجمع بين استخدام الكورتيكوستيرويدات الموضعية ومثبطات الكالسينيورين الموضعية أو استعمال كل واحد بشكل منفصل.
معدل الشفاء
وتشير د.عزة إلى أن البهاق المنتشر يؤدي إلى تغيّر اللون في جميع أنحاء الجسم، بينما لا يمتد البهاق القطعي عادةً إلى أبعد من المنطقة التي ظهر بها ويكون في حالة استقرار، ويعد هذا المرض بشكل عام من أكثر أنواع الأمراض الجلدية المحبطة لكل من المريض والطبيب المعالج؛ حيث إن الفترة العلاجية تعتمد على عدة متغيرات، وتفيد الدراسات بأن أكثر من 30% من المرضى لديهم احتمالية للاسترجاع اللون الأصلي للجلد في بعض المناطق.
تدابير وقائية
وتوصي د.عزة ببعض الطرق والوسائل الوقائية التي يمكن أن تسهم في الحد من انتشار بقع البهاق، والتي تتمثل في:
* وضع الكريمات أو المراهم التي تتكون من الستيرويدات الموضعية على البشرة للبالغين المصابين في أقل من 10% من الجسم؛ حيث إنها تعمل على إيقاف انتشار البقع البيضاء في بعض الأحيان، كما تستعيد القليل من لون الجلد الأصلي.
* تناول الأطعمة التي تحتوي على فيتامين (ب و ج) والأحماض الأمينية، وأحماض الفوليك يمكن أن يمنع ظهور تلك البقع البيضاء، كما أن إضافة بعض المعادن كالنحاس، والزنك، والحديد إلى الطعام تفيد في تجنب انتشارها.

المعالجة الكيميائية الضوئية
تعد البوفا أو المعالجة الكيميائية الضوئية للبهاق من أهم الطرق التي تحقق نتائج جيدة وناجحة في العلاج؛ حيث إنها تعتمد على استخدام المادة الدوائية «السورالين» التي تحرّض خلايا الجلد الملانية على تكوين وإنتاج صباغ الملانين، وتزيد من حساسية الجلد واستجابته لتأثير أشعة الشمس الطبيعية عند التعرض لها، أو للأجهزة التي تصدر الضوء فوق البنفسجي، وتحتاج إلى 4 أو 5 أشهر حتى يمكن ملاحظة بداية التحسن على الحالة، وعلى الرغم من أنها لا تؤدي للشفاء الكامل فإنها تفيد في السيطرة على الأعراض وعدم تفاقمها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"