إلياس الرحباني.. آخر العنقود

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين

في نهاية كل عام، وبداية آخر، تتوالى أحداث وتواصل رحلتها من دون توقف، ومن دون تمييز بين ما هو راحل، وما هو آتٍ من الأعوام. لا شيء يتغير بالنسبة إليها إلا تعداد الأرقام في الروزنامة، وحدهم البشر يسعدون بهذا الأمل بأن بين نهاية سنة ورأس سنة جديدة ستنقلب الأحوال، وستصحو الكرة الأرضية على صباح مشرق، لا وباء فيه، ولا أحزان. وللأسف، لم نطو صفحة 2020 الحزينة بعد، فالوباء يواصل حربه الشرسة، والفنانون يصابون، أو يرحلون مثلهم مثل ملايين البشر حول العالم.
ولخبر رحيل فنان محبوب، أو علامة مميزة وفارقة في عالم الإبداع، وقع آخر في نفوسنا، أياً كان سبب الوفاة، أو ظروفها؛ فقبل أن تجف الدموع على المخرج حاتم علي، صدمنا رحيل عبقري وكبير كتّاب الدراما التلفزيونية والسينمائية وحيد حامد، وبعده سريعاً حزم الموسيقار العبقري أيضاً، إلياس الرحباني، حقائبه ورحل.
إلياس آخر العنقود المؤسس للمدرسة الرحبانية، صحيح أنه سلك خطاً مستقلاً، وأسس لنفسه لوناً خاصاً به، لا يشبه خط أخويه الكبيرين عاصي، ومنصور، إلا أنه التقى معهما في أعمال، وأبدع في مقطوعاته الموسيقية التي ألّفها، وبرز فيها عشقه للون الغربي، فحمله إلينا، وطعّمه بالنغمات الشرقية. ولا يمكن أن تتوه عن لحن لإلياس الرحباني الذي بقي في نظرنا مهما طال الزمن، ومرت الأيام «الأخ الصغير» لعاصي، ومنصور؛ حتى ألحانه تشبهه، نشعر بها فتيّة دائماً، كأنها شابة حسناء، مدللة، راقية. موهبته ظهرت منذ صغره. وكيف لا تنمو الموهبة بشكل صحيح، وتبرز، وتطغى، وقد تربى على أيدي شقيقيه عاصي ومنصور، بعد رحيل الأب المبكر، وكان إلياس طفلاً صغيراً؟ يقولون إن إصابة بيده اليمنى عطلت سفره لدراسة الموسيقى في روسيا، لكن الإصابة لم تعق الحلم، ولم تحد من الموهبة، بل كانت ربما العثرة التي غيرت مسار الفتى ليفجر مواهبه في التلحين، والتأليف، بدل الاكتفاء بالعزف.
ثروة إلياس الرحباني تقدر بأكثر من ٢٥٠٠ أغنية، ومعزوفة، وإذا كان الرحبانيان عاصي، ومنصور، ارتبطا فنياً بفيروز، فإن إلياس عمل مع فيروز أيضاً، مقدماً بعض الأغاني التي يمكنك تمييزها عن أغاني أخويه، مثل «حنا السكران»، وعمل كثيراً مع «الشحرورة» صباح التي تعتبر أيضاً من أعمدة الأغنية اللبنانية، وقدم لها نحو ٦٥ أغنية، فضلاً عن المسرحية الرائعة «وادي شمسين» التي قدمتها الفنانة باسكال صقر. بصمة هذا الفنان مميزة حتى في السينما اللبنانية، والمصرية، حيث لحّن موسيقى أكثر من ٢٥ فيلماً، ربما أشهرها «دمي دموعي وابتسامتي»، لنجلاء فتحي، ونور الشريف، و«حبيبتي» لفاتن حمامة، ومحمود ياسين. وكل اللبنانيين يذكرون طبعاً المقدمة الرائعة للمسلسل اللبناني «عازف الليل» بطولة هند أبي اللمع، وعبدالمجيد المجذوب، وغيره من المسلسلات. 
موسيقى إلياس الرحباني، هي موسيقى الحب، والحياة، والنسائم الرقيقة، وهو نفسه قدّم ألحاناً وطنية تحث على العزيمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"