دوستوفسكي في عام 2021

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

 

بحسب الرسائل التي كتبها دوستوفسكي في الفترة من 1834، وحتى عام رحيله 1881، ونقلها عن أصلها الروسي إلى العربية المترجم العراقي خيري الضامن، وصدرت في عام 2017 في كتاب بعنوان «الرسائل» عن دار سؤال للنشر في بيروت نعرف أن دوستوفسكي كتب أولى رسائله إلى والدته ماريا دوستويفسكايا وهو في الثالثة عشرة من عمره، فقد وُلَدَ صاحب «الجريمة والعقاب» في عام 1821، وتوفي في فبراير 1881، أمّا والدته فقد توفيت عن 37 عاماً «1800-1837»، وسيكون لهذا الموت المبكر للأم الشابة الأثر البليغ في تكوين دوستوفسكي النفسي الذي بنى الكثير من شخصياته الروائية على الصراعات النفسية والاجتماعية التي كانت تعصف بالمجتمع الروسي في القرن التاسع عشر.
هذا عام 2021 تحتفل النخب والمؤسسات الثقافية المهتمة بالأدب الإنساني بصاحب «الأخوة كارامازوف» بمرور مئتي عام على ولادته باقتراح من «اليونيسكو»، وهي ليست المرة الأولى التي يحضر فيها دوستوفسكي في العالم روائياً استثنائياً إنسانياً في الدرجة الأولى؛ بل كان وما يزال حاضراً في الذاكرة الأدبية العالمية من خلال قراءته في أكثر من عشرين لغة حول العالم.
في عام دوستوفسكي يمكن القول إن ثمة حصة كبيرة للعرب في شخصية روائي كتب ذات يوم إلى أخيه يطلب منه أن يوفر له نسخة من القرآن الكريم، فضلاً عن الحسّ الإنساني الكوني الذي تماهى معه القارئ العربي في روايات نقلت إلى لغتنا في أكثر من مستوى.. أفضلها بالطبع تلك المترجمة إلى العربية مباشرة من الروسية من دون لغة وسيطة، ونعرف هنا كيف كان لدار التقدم الموسكوفية في السبعينات والستينات الدور الأهم في نقل الأدب الروسي إلى العربية ومن هذا الأدب تأتي روايات دوستوفسكي الماثلة إلى اليوم في الذاكرة القرائية العربية: بيت الموتى أو مذكرات من بيت الموتى، مُذلون ومهانون، الإنسان الصرصار، المقامر وغيرها من روايات يمكن أن تُقرأ بمنظور فكري ونفسي وفلسفي جديد بعد نحو 150 عاماً على أدب رجل كان هو نفسه يعاني صراعات نفسية حادّة.
بحسب كتاب الرسائل، يكتب دوستوفسكي إلى أمّه وهو في نحو الثالثة عشرة من عمره وتلك الرسالة مؤرّخة في  أواخر إبريل، أوائل مايو ١٨٣٤ موسكو .. يقول.. «والدتي العزيزة، عندما سافرتِ من طرفنا، يا والدتي الحبيبة وشعرت بملل بالغ، وما أتذكرّك، ويا والدتي الحنون، حتى تنهال عليّ أحزان لا أقوى على الفكاك منها، ليتك تعلمين ما أشدّ تشوّقي إلى رؤيتك، وما أقل صبري على انتظار اللحظة التي سأراك فيها من جديد..».
كلام كبير على فتى في الثالثة عشرة من عمره، عرف حزن الفراق في عمر مبكر من حياته. أولاً فراق السفر، وثانياً فراق الموت، ليترك للبشرية روايات توثّق لتوتر الإنسان في ذروة شفافيته، وفي ذروة مواجهته للخوف، والشرّ والطغيان، وهي معاً منظومة نفسية شرسة قائمة حتى اليوم في عالم موبوء بالجريمة و«اللّلا عقاب» أحياناً، وربما كثيراً في جهات الأرض.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"