نظرية المؤامرة في زمن الوباء

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

تفرض الأزمات والكوارث ظروفاً استثنائية وضاغطة على المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، والنفسية، وتشير الكثير من الدراسات التاريخية إلى أن هذه المحطات الصعبة غالباً ما يرافقها انتشار الأفكار الخرافية، ونظريات المؤامرة، يلجأ إليها الإنسان كسبيل للتخلص من القلق، والأسئلة الصادمة، وهو ما يحدث خلال وقوع الأوبئة، والمجاعات، والكوارث الطبيعية كالزلازل، والفيضانات، أو الأزمات الدولية. ومع انتشار فيروس كورونا، بدأت الأخبار الزائفة،والشائعات تنتشر بسرعة، ساهمت فيها شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الإلكترونية. ومع تطور حدّة الوباء من حيث تزايد نسبة الإصابات والوفيات، وما صاحب ذلك من اعتماد تدابير صارمة على مستوى فرض الحجر الصحي وتقييد حركة التنقل وإغلاق المطارات، والمدارس والمطاعم والفنادق، تصاعدت نظريات المؤامرة، وتمددت كالنار في الهشيم محدثة ردود فعل مختلفة. 
فالأمر يتعلق، بحسب رواد هذه النظرية، بمؤامرة كونية كبرى، تقوم فيها أطراف بتوجيه الأحداث والقضايا الدولية من خلف ستار. وهكذا انتشرت الكثير من المعلومات الزائفة التي يزعم أصحابها أن فيروس كورونا غير موجود، أو أنه ليس قاتلاً، ما حدا بعدد من الأشخاص في مختلف بلدان العالم ممن اقتنعوا بهذه التوجهات، إلى رفض استعمال الكمامات، أو الانضباط لمتطلبات الحجر الصحي، فيما زعمت بعض الجماعات ك«كيو أنون» الأمريكية، أن الهدف من الترويج لمخاطر فيروس كورونا هو «التغطية فقط على الاتجار بالجنس مع الأطفال»، وادعت أن هناك «دولة عميقة» داخل الولايات المتحدة تتحكم في مسار العالم، وتسعى إلى توظيف تكنولوجيا الجيل الخامس للإنترنت في هذا الصدد.
 وفي خضم هذه التطورات، اعتبر البعض أن الأمر يتعلق بأزمة مفتعلة، يتم من خلالها التعتيم وتصريف أزمات حقيقية بعيداً عن الأضواء.. وإثارة الخوف والفزع داخل المجتمعات، بصورة تسمح بتيسير تمرير قرارات وتشريعات التي يصعب، أو يستحيل تمريرها في الحالات العادية محلياً، أو دولياً، واعتبر آخرون أن الأمر يتعلق بحروب بيولوجية مستحدثة لتحقيق المصالح، وتصفية الحسابات.
وشكّك الكثير من رواد هذه النظريات في حجم الإصابات والوفيات، واعتبروا أن الأعداد الواردة في هذا الخصوص مبالغ فيها، وتجانب الواقع، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد أرقام تستهدف ترويع الناس، لتسهيل اعتماد سياسات تحكمية لا تخلو من مخاطر مستقبلية. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل قام الكثير من الأشخاص الذين انطلت عليهم هذه النظريات، إلى التنديد بالحجر، معتبرين أن الأمر ينطوي على تدابير سياسية تقيد الحقوق والحريات.
ويبدو أن ظروف الوباء وما يمثله من ضغط كبير على نفسية الأفراد، قد ساعدت على التفاعل بشكل إيجابي مع نظريات المؤامرة وما رافقها من شائعات وأخبار كاذبة ومضلّلة، والتي اعتبر الكثير من الباحثين والمهتمين أنها تنطوي على قدر كبير من الخطورة التي لا تقل عن خطورة الوباء ذاته، من حيث إثارة الرعب، والهلع، والخوف من المستقبل، وإرباك الجهود المبذولة على سبيل تطويق الأزمات. وتبنى بعض زعماء الدول أيضاً هذه النظريات بشكل، أو بآخر، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ظل يردد أن الأمر يتعلق ب«فيروس صيني»، كما أنه كان يهوّن من خطورة الوباء، ما عرّضه لكثير من النقد من قبل خصومه السياسيين الذين اتهموه بالاستهتار بأرواح الأمريكيين، وهو ما ذهب إليه أيضاً وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيدو، بالتأكيد على أن الفيروس صنع داخل مختبر صيني كسبيل لتحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والتجارية الضيقة. فيما ردّت بعض الأطراف داخل الحكومة الصينية على ذلك، باتهامات تحيل إلى أن الجيش الأمريكي هو من أتى بالوباء إلى منطقة «ووهان». كما أن الرئيس البرازيلي، «جايير بولسونارو»، أصدر مجموعة من التصريحات «الغريبة»، قلل فيها من خطورة الفيروس، وذهب إلى حد التحذير من «التداعيات الخطيرة» للقاحات المطروحة.
وتعرضت منظمة الصحة العالمية أيضاً لهذه الإشاعات بعد اتهامها بالتورط في تفشي الوباء خدمة لأجندات ومصالح بعض الدول الكبرى، ولم يسلم الملياردير الأمريكي، «بيل جيتس» ومؤسس شركة «مايكروسوفت» بدوره من الاتهامات والإشاعات في هذا الشأن.
 ويوماً بعد يوم، يؤكد العلم والواقع هشاشة نظريات المؤامرة، فقد حسم العلماء في المنشأ الطبيعي للجائحة. وفي الوقت الذي يصرّ فيه البعض على أن القوى الدولية، كالولايات المتحدة، تظل مسؤولة عن المؤامرة، وتسعى إلى الاستفادة منها استراتيجياً واقتصادياً، تبرز التقارير العلمية والمعطيات الإحصائية أن هذه الدولة، كما عدد من الدول الكبرى كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، تتمركز على رأس الدول الأكثر تضرراً من الوباء، سواء على مستوى عدد الإصابات والوفيات، أو الأضرار الاقتصادية والاجتماعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"