عادي

الأمراض الجينية والوراثية.. معاناة تُرهق الأطفال وذويهم

00:01 صباحا
قراءة 9 دقائق
1

تحقيق: رانيا الغزاوي

تشكل الأمراض الجينية والوراثية معاناة صحية ونفسية للأطفال وذويهم، فيعيش الطفل المصاب بأحد هذه الأمراض ما بين ألم مستمر، واحتياج لرعاية طبية فائقة، وتأهيل في مراكز طبية وتعليمية متخصصة.. 

مئات الأمراض الوراثية يحملها بعض الآباء في أجسادهم، من دون أن يعانوا آثار تلك الأمراض، ولا يشعرون بأية أعراض أو مضاعفات لها، لكنهم يورِّثونها لأبنائهم ليولدوا مصابين بأمراض مزمنة وخطرة وإعاقات تعذبهم في حياتهم.

ويؤكد الأطباء المتخصصون أن زواج الأقارب يأتي في مقدمة أسباب الأمراض الجينية والتشوهات الخلقية بنسبة 50%؛ لذا يشدد الأطباء على أهمية إجراء فحوص الزواج وفحص المواليد، ما يسهم بشكل كبير في اكتشاف الأمراض بل وعلاجها مبكراً في ظل تطور تقنيات التشخيص والعلاج، محذرين في الوقت ذاته من تناول الأدوية دون إشراف طبي خلال الحمل نظراً لخطورة آثارها في بعض الحالات. 

ويلفت الأطباء إلى أن عدد الأمراض الوراثية الاستقلابية الأكثر انتشاراً في الدولة، يصل إلى 30 مرضاً، فيما يعد مرض الثلاسيميا والأنيميا المنجلية الأكثر شيوعاً، مشيرين إلى أن الأدوية الجديدة لعلاج الأمراض الجينية أحدثت ثورة علاجية، حيث تكشف الجين المسؤول عن المرض وتتوجه إليه لتستبدل به جيناً جديداً، ما يسهم في ارتفاع نسب الشفاء من هذه الأمراض. 

تتحدث الدكتورة مريم مطر، رئيسة جمعية الإمارات للأمراض الجينية، عن الفرق بين الأمراض الجينية والوراثية، موضحة أن نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية في الدولة تتفوّق على نسبة الإصابة بالأمراض الجينية، كما أن اضطراباتها بين البالغين أكثر انتشاراً من مثيلتها، فيما تنتشر الأمراض الوراثية بين الأطفال بنسبة أكبر، لافته إلى أن تطور أساليب تشخيص السرطان والتنبؤ بالإصابة به، أصبحت ممكنة بمجرد فحص الجينات، والتعرف إلى الطفرات الجينية، وأصبح الأمل في الشفاء في عدد منها كبيراً، خصوصاً مع ظهور الأدوية الموجهة للجين المسؤول عن المرض والتي تعمل على الاستبدال به جيناً سليماً، مبينة أن الإصابة بالأمراض الوراثية تحدث بسبب موروث جيني من أحد الوالدين، وتظهر على شكل طفرات، تسبب علّة في وظائف أجهزة معينة داخل الجسم. 

أما الأمراض الجينية، فتحدث عادة نتيجة وجود اضطراب أو طفرة جينية غير موجودة لدى الوالدين. 

وتضيف: «الإصابة بمرض جيني تحدث في مرحلة النمو الأولى للجنين، أو أثناء إخصاب البويضة، أو خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، نتيجة تناول الأم جرعات عالية من الأدوية، أو تعرّضها للإشعاع، أو بسبب النمط المعيشي غير الصحي أثناء إخصاب البويضة، كما أن العوامل البيئية تلعب دوراً كبيراً في معدل الإصابة، ويمكن لمرور الأم بمرحلة نفسية صعبة أن يتسبب في حدوث خلل في جينات الطفل، كما أن الآباء المدخنين بشراهة أو الذين يتناولون هرمونات عالية ومنتجات من النوع الذي يستخدمه ممارسو رياضة كمال الأجسام، قد يتسببون في حدوث طفرات جينية لدى أطفالهم، ونتيجة لذلك يكون الأطفال عُرضة للإصابة بعاهات.

وتلفت إلى أن الطفل المصاب بأحد هذه الأمراض يعيش سنوات عمره في عذاب دائم، ما بين ألم مستمر، واحتياج لرعاية طبية فائقة، وتأهيل في مراكز طبية وتعليمية متخصصة، ويصبح هذا الطفل دون ذنب منه، سبباً في شقاء وعناء والديه وأشقائه الذين تنحصر حياتهم بين المنزل والمستشفى، كما تتسبب الأمراض الوراثية والجينية في أعباء مالية كبيرة تتكبدها الجهات الصحية في الدولة، حيث تصل تكلفة علاج الطفل المصاب بمرض الثلاسيميا الوراثي في العام الواحد إلى 32 ألف درهم، ومع كثرة أعداد المصابين من الأطفال يتعدى إنفاق الدولة لعلاجهم ملايين الدراهم. 

وتوضح أنه يمكن الكشف عن التشوّهات الجنينية خلال الحمل أو عند الولادة، أو خلال السنوات الأولى من حياة الطفل، عبر الفحوص والأجهزة المتطورة التي باتت متوفرة في كثير من المنشآت في الدولة، وهناك أنواع عديدة من التشوهات الجنينية قد تصل إلى أربعة آلاف نوع، منها أنواع بسيطة لا تحتاج إلى أي نوع من أنواع العلاج، بينما توجد بعض الحالات الشديدة والخطرة التي تحتاج إلى علاجات طبية أو جراحية، وتُسبب التشوهات للطفل الإعاقة البدنية أو العقلية، وقد تصل إلى الموت في بعض الأحيان. وبحسب الدراسات فإنه يولد 3 أطفال بهم عيوب خلقية بين كل 100 حالة ولادة في الدولة. 

30 مرضاً

وتقول الدكتورة فاطمة الجسمي استشارية الأمراض الوراثية والاستقلالية في مستشفى توام في العين، أستاذة كلية الطب في جامعة الإمارات، إن نسبة الإصابة بالأمراض الاستقلالية تصل إلى واحد لكل 1000 مولود، مشيرة إلى أن عدد الأمراض الوراثية الاستقلالية الأكثر انتشاراً في الدولة يصل إلى 30 مرضاً، وتغطي فحوص الكشف على المولود كثيراً من الأمراض الوراثية، ويساعد الاكتشاف المبكر للأمراض الاستقلالية بشكل كبير في العلاج، لافتة إلى أن دور المرشد الوراثي يعتبر مهماً جداً في دراسة التاريخ المرضي للعائلة وتقديم النصح والإرشاد للمقبلين على الزواج، وكذلك للآباء والأمهات، موضحة أن حدوث الأمراض النادرة في المنطقة يعد عالياً بشكل ملحوظ. 

وتشير إلى أن مركز الجينوم للبحث العلمي والفحوص الطبية بكلية الطب الذي افتتحته جامعة الإمارات في الربع الأخير من العام الماضي، يقوم بإجراء الاختبارات الجينية للمجتمع الإماراتي والتركيز على الأطفال، لإمكانية حصر التغيرات الجينية في سن مبكرة واستخلاص الجينات والأمراض الجينية النادرة، كما يسهم في تثقيف وتوعية المجتمع الإماراتي بالأمراض الجينية الناجمة عن زواج الأقارب والعمل على تفاديها، وسيمثل المركز مرجعاً طبياً وعلمياً وبحثياً لتحليل العينات الجينية في الدولة بدلاً من إرسالها للفحص والتحليل بالخارج، وسيغطي عدداً من الأمراض المنتشرة في الإمارات، مثل السكري والأمراض القلبية والسمنة، حيث إن الجينات تعطي صورة واضحة عن تكوين المريض نفسه، وتسهم في معرفة تكرار النموذج مرة أخرى ووسائل منعها وعلاجها، ما يسهم في إيجاد العلاج الصحيح والمناسب للمريض، وتسليط الضوء عليها إذا كانت أمراضاً وراثية نتيجة زواج الأقارب.

أمراض وراثية شائعة

وحول الأمراض التي تنتقل للأطفال وراثياً عبر والديهم، توضح الدكتورة سهى سعيد استشارية أمراض النساء والتوليد وطب الأجنة بمستشفى الكورنيش في أبوظبي، أن هناك العديد من الأطفال الذين يولدون سنوياً في مستشفيات الدولة يحملون أمراضاً ورثوها عن الأب والأم، تبدأ من أمراض الدم وتتنوع ما بين تشوهات وأمراض تسبب التشوه والوفاة المبكرة، لافتة إلى أن قائمة الأمراض الوراثية التي يحملها المواليد في الدولة، طويلة، وكثير منها يصاب بها الأطفال نتيجة جهل الآباء، أو إهمالهم فحص مواليدهم، أو بسبب زواج الأقارب المنتمين إلى عائلات ظهرت فيها أمراض وراثية، مشيرة إلى أن بعض الأمراض الوراثية يحملها الوالدان في جيناتهما بصورة متنحية، ولا تظهر عليهم أية أعراض، لكن عند الحمل ينتقل المرض إلى بعض المواليد، بنسبة تقدر ب25% في كل حمل. 

وبحسب الدراسات المحلية، فإن أكثر الأمراض الوراثية شيوعاً في الدولة عن طريق الصفة المتنحية، هي أمراض الدم المنجلية والثلاسيميا، والأمراض التي تسبب خللاً في عمل الأنزيمات، ما يحوّل بعض الأغذية في الجسم إلى سموم قاتلة.

وتشير إلى أن النوع الثاني من الأمراض الوراثية يحملها أحد الوالدين بصفة سائدة في الجينات، وهي تصيب الأجنة بنسبة 50% في كل حمل، مثل متلازمة مارفان التي تسبب طولاً شديداً في القامة والأطراف، وأمراض قلبية، والتقزم، أما النوع الثالث من تلك الأمراض فيكون عن طريق بعض الكروموسومات مثل الكروموسوم «إكس الهش» الذي يتسبب في إصابة المولود بعرض التوحد والإعاقة الذهنية.

استخدام الأدوية

 ويقول الدكتور سالم الشواربي استشاري أمراض النساء والولادة في أبوظبي: «هناك العديد من الأدوية العلاجية التي تتناولها الحوامل، قد تسبب حدوث الأمراض والتشوهات الجنينية، خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، ومن الأدوية الأكثر شيوعاً مشتقات فيتامين (أ)، وبعض أنواع علاج حب الشباب، الذي يعد من أخطر العلاجات التي يجب التنبه لآثارها السلبية على تكون الأجنة، فتناولها أثناء فترة الحمل أو قبل حدوث الحمل بفترة تقل عن ستة أشهر، يُعرِّض الأجنة للتشوهات والأمراض الخلقية، وذلك بنسبة تتراوح بين 45 و50% في بعض الأعضاء المهمة، مثل الوجه والجهاز العصبي المركزي؛ لذا يجب تجنب تناول هذا العلاج دون الإشراف الطبي، كما يجب تجنب حدوث الحمل بعد التوقف عن تناوله فترة لا تقل عن ستة أشهر، حتى يتم التخلص من آثاره في الجسم بشكل كامل، حيث إنه يصيب الجنين بتشوهات خلقية عدة أكثرها في الوجه والأذنين والأطراف. 

ويشير إلى أن هناك بعض العوامل التي تزيد احتمالية حدوث تشوهات جنينية في حال وجودها عند الأم الحامل، ومنها وجود تاريخ عائلي لحدوث تشوهات خلقية أو أمراض وراثية، والحمل بعد سن 35 سنة أو أكثر، مع عدم تلقي الرعاية الكافية خلال فترة الحمل، والتعرض للعدوى الفيروسية أو البكتيرية دون تلقي العلاج المناسب، لافتاً إلى أن زواج الأقارب يعد أحد أبرز الأسباب الرئيسية في إصابة الأجنة بهذه الأمراض بنسبة تصل إلى 50%، فيما تتسبب الطفرات الجينية في حدوث الأمراض الوراثية النادرة التي تصيب الأطفال، ومن هذه الأمراض ما يؤثر في الجهاز العصبي لديهم، ويسبب إعاقة في الحركة والتنفس، ما يقتضي اللجوء لأجهزة التنفس الصناعي، ويتم علاج هذا المرض عبر دواء يصلح الشيفرة الجينية، ويعمل على استبدال الجين المصاب بجين سليم، وهو ما اعتمدته خلال العام الماضي إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، لافتاً إلى أن تقنية الفحص الجيني للأجنة قبل الإرجاع للرحم، أسهمت كثيراً في تقليل الإصابات بالأمراض الوراثية أكثر من السابق بشكل كبير. 

فحوص الزواج والمواليد

 وحول أهمية الفحوص الطبية للكشف عن الأمراض الوراثية والجينية، تؤكد الدكتورة فاطمة البستكي استشارية أمراض الأطفال والوراثة الإكلينيكية بمستشفى لطيفة في دبي، أهمية فحوص ما قبل الزواج، وفحوص الأجنّة أثناء فترة الحمل، وفحوص ما بعد الولادة التي تكشف ما إذا كان الطفل مصاباً بمرض وراثي «استقلابي» أم لا، وهي أمراض تسبب تراكم مواد غذائية في الجسم، ما يحولها إلى سموم قد تنهي حياة الطفل؛ لذا فإن هذه الفحوص تسهم في تحديد المرض الوراثي إن وجد، وعلاجه مبكراً وتفادي مضاعفاته المزمنة والقاتلة، فيما تلقي باللوم على الأسر التي تظهر فيها إصابات بأمراض وراثية، أو إصابات بإعاقات ذهنية أو حركية، وعلى الرغم من ذلك، تتمسك بتزويج أبنائها من العائلة نفسها، مؤكدة أن هذا الزواج يعد سبباً رئيسياً لإنجاب أطفال مرضى.

وتضيف: «لابد من إطلاع الأطباء على التاريخ المرضي للعائلة، حيث إن هناك حالات يرجح علمياً أنها ستنجب أطفالاً مرضى، لذلك لابد من نصحهم بإعادة النظر في هذا الزواج، وإذا ما تمسك الطرفان بالارتباط، يصبح أمامهما خيار آخر يتمثل في الأنجاب عبر طريقة الحقن المجهري الخارجي، حيث يتم حقن بويضة الزوجة بحيوان منوي للزوج في المختبر، ثم تفحص البويضات المخصبة، ويتم استبعاد المريض منها، وغرس البويضات السليمة في الرحم، ما يساعد على إنجاب أطفال غير مرضى». 

وتلفت إلى أهمية رسم «شجرة» أو خريطة وراثية لكل عائلة؛ كونها تسهم في اكتشاف الأمراض الوراثية المتنحية، وتحديد حاملي تلك الأمراض في العائلة، ما يحد من إنجاب أطفال مرضى، موضحة أن الشجرة العائلية يتم رسمها بعد معرفة الحالات التي أصيبت بأمراض في العائلة على مدار ثلاثة أجيال، وتحديد المضاعفات الصحية التي تعرضت لها.

وتشير البستكي إلى إحدى الطفرات الجينية التي تم اكتشافها في جين (INSR)، حيث إنها تؤدي إلى الإصابة بمتلازمة «رابسن  مندنهول» ومن أعراض الإصابة بها ظهور داء السكري في مرحلة عمرية مبكرة، مع مقاومة عالية جداً من الطفل للأنسولين، إلى جانب حدوث تشوهات في الجلد وقصر القامة وضعف العضلات، فيما تتسبب الطفرة المكتشفة في جين (CDKN1C) في الإصابة بمتلازمة «بيكويث  ويدمان»، وتكمن خطورة الإصابة بها في ازدياد خطر تعرض المريض للإصابة بمرض السرطان إلى جانب معاناته فرط نمو أعضاء جسمه بشكل غير متوازن.

نقص المناعة

حول ارتباط مرض نقص المناعة لدى الأطفال بالوراثة، يوضح الدكتور سليمان الحمادي استشاري أمراض الحساسية ونقص المناعة لدى الأطفال في كلية الطب في جامعة الإمارات، أن حساسية الطعام عند الأطفال أحد أهم الأمراض المناعية التي تعزى لأسباب وراثية، يتم توارثها من جينات الأب تحديداً، لافتاً إلى خطورة أمراض نقص المناعة الأولية لدى الأطفال، حيث تجعل أجسامهم منذ الولادة غير منتجة للأجسام المناعية اللازمة لمحاربة الأمراض، لذلك يصابون بالالتهابات الشديدة المتكررة غير المعتادة، والإسهال المستمر، وبطء عملية النمو، وطفح جلدي. ويعد زواج الأقارب أحد الأسباب المهمة التي تزيد نسبة إصابة الأطفال به، خاصة في حال وجود تاريخ عائلي من نفس الأمراض، أو وفيات في الطفولة المبكرة غير معلومة الأسباب.

ويؤكد الدكتور الحمادي أن فحص خلايا المناعة للمواليد الجدد، سيكون أحد الوسائل المهمة لاكتشاف مرض نقص المناعة الوراثية والأنزيمات مبكراً، وعلاجه قبل التعرض للمضاعفات، خصوصاً أن أمراض نقص المناعة لدى الأطفال، تعد من الأمراض الوراثية الخطرة والموجودة، مطالباً بإنشاء مركز متخصص لتشخيص وعلاج نقص المناعة لدى الأطفال، حيث يتم تحويل الأطفال حالياً من على مستوى الدولة إلى مستشفى توام في مدينة العين، لتشخيص مثل هذه الحالات، ومن ثم توفير العلاج المناسب داخل أو خارج الدولة، لافتاً إلى وجود ندرة في أبحاث علم المناعة، وعدم وجود قاعدة بيانات موحدة لأمراض المناعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"