عادي

عبدالله عمران في وجدان الإمارات

01:52 صباحا
قراءة 8 دقائق
1
1
1
1
1
1
1

إعداد: جيهان شعيب

في مثل هذا اليوم  30 يناير من عام 2014  ترجل الفارس الدكتور عبد الله عمران عن جواده، تاركاً إرثاً أخلاقياً وإنسانياً وفكرياً وثقافياً وإعلامياً.. في مثل هذا اليوم ذهب على حين فجأة، بلا توقع، ودونما وداع، وبغصة اعترت قلوب محبيه ومعارفه كافة، الى رحاب السماوات العلى، مغفوراً له بإذن الله تعالى، لحسن معشره الذي كان، ولين طبعه وطباعه، ورقي تعامله، وتواضعه، وبشاشته.
رحل صاحب الخطوة المحببة لجميع العاملين في دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، بيته الثاني، الذي كان قريباً ومقرباً لقلبه، حيث تولى رئاسة مجلس إدارتها عام 2002 بعد وفاة شقيقه تريم عمران.
غادر حاملاً حتى لحظته الدنيوية الأخيرة، راية العزة، والكرامة، والفخر التي طالما حملها طيلة سنوات عمره، وهو السياسي المحنك، والإعلامي القدير، الذي ساهم مع أخيه الراحل في تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة.

وطنية الراحل الكبير كانت عنواناً عريضاً دالاً عليه طيلة حياته، وكان دائماً يرى وفقاً لقوله إن صلاح الأمة يبدأ من النفس، وفي ذلك كان سعيه الدائم لتقويم الذات الإنسانية بشكل عام، وكذا التمسك بتاريخ الامة، دون الركون للصعاب التي كانت، بقدر التفاؤل بالآتي، والسعي للأفضل، ومن قوله عن ذلك: «في التاريخ فأل حسن وفأل سيئ، فخذ خطاك من الفأل الحسن وخذ العظة من الفأل السيئ»، وأيضاً كان مقداماً، مثابراً، وقوياً في مواجهة الصعاب مهما كانت، حيث كان يرى بين الحلم وتحقيقه جسراً صعباً لا يعبره إلا المثابرون.
فيما جاءت عنه العديد من الشهادات الصادقة، منها قول المرحوم حبيب الصايغ: إن الراحل الدكتور عبد الله عمران تريم شخصية استثنائية في تاريخ الإمارات، حمل على عاتقه مشروعاً وطنياً متكاملاً، جسّده في كتابته الموضوعية، وانجازاته العملية، التي قدّمها من خلال المناصب التي تولاها في حياته، وهنا تكمن أهمية جمع ما كتبه لكونه يمثّل كنزاً معرفياً، يكثف ويختصر تجربته الطويلة العميقة، وإن كان لا يحيط بها، كما كان يميّز في عمله ومسؤولياته التي تقلدها بين كونه صحفياً يمتلك مهنية عالية، وموقعه في المسؤولية، ولم يكن يسرّب أو يكشف أي موضوع سريّ يتعلق بمهامه ومسؤولياته، بل يحيط ذلك بسرية تامة، وينظر إليه من زاوية المسؤولية والأمانة.


مبادر لا ينهزم


وهنا شهادة أخرى عن الراحل من الكاتب والمفكر الدكتور يوسف الحسن بأنه كان مبادراً لا ينهزم أمام الفرقة والصعوبات، ولا يتطرّق القنوط إلى صدره، وكان صاحب عزيمة ورؤية، وإيمان كبير بقدرة أمته وشعبه على النهوض، أدرك مبكراً مخاطر التخلف والأمية، ومخاطر التمزق في المنطقة، فكان معلماً وتربوياً مسؤولاً، ومساهماً في تأسيس قضاء مستقل، ومؤسسات تعليمية، وبناء أجيال عارفة وعالمة، ومشاركة ومسؤولة في بلورة مشروع وطني له أبعاده الثقافية، والعلمية، والمؤسساتية، وانه أثرى مجتمعه بحرمة الكلمة ومسؤوليتها، وأسس إعلاماً عصرياً، على قدر كبير من المهنية والمصداقية، وأسهم في تنمية هوية ثقافية، وإغناء الشخصية الوطنية عبر الوعي بتاريخها، وكان وحدوياً في فكره وممارسته، بشّر بالاتحاد في منطقة الخليج منذ أن كان طالباً في الجامعة، وعمل باتجاه إنجازه، وضمان استمراره وحمايته، وتطويره، ورأى في رسالته الإعلامية، رديفاً وعضداً لهذا الاتحاد، كما كان عروبياً يرى في هذه الأمة كل إمكانات النهوض، ومارس فضيلة التفكير والإبداع والنقد البناء، وإعادة الصدقية للأمل والتفاؤل، وتجاوز الصعب والمحن، وكان إنساناً حاملاً لقيم العمل والحرية والمسؤولية، وحاضناً لكتّاب وأدباء، ضاقت عليهم أوطانهم، فرحّب بهم، وتفاعلت أقلامهم مع أقلام إماراتية، فأينع هذا التفاعل غنى غير قليل، وستبقى ذكراه عطرة حيّة في وجدان كل من عرفه أو سمع عنه، وستذكره الأجيال مع شقيقه الراحل تريم عمران.


الأيام الاولى


وفي عودة لفجر أيامه الأولى، نجد أن الراحل الدكتور عبد الله عمران تريم ولد في إمارة الشارقة، وتلقى تعليمه الابتدائي، والإعدادي، والثانوي في مدارس الشارقة والكويت، وأكمل تعليمه الجامعي في مصر، بحصوله على ليسانس في التاريخ من كلية الآداب في جامعة القاهرة، والدكتوراه في التاريخ من جامعة إكستر في المملكة المتحدة.كان الراحل قد عمل قبيل قيام الدولة، مدرساً في ثانوية العروبة في الشارقة، ثم مديراً لإدارة معارف الشارقة، فيما أسس مع شقيقه الراحل تريم عمران، جريدة «الخليج» عام 1970، ولكونهما من الرواد الأوائل الذين أسهموا في إقامة اتحاد دولة الإمارات العربية، ولانتمائهما القومي، فقد عملا على مكافحة الاحتلال الإنجليزي، ونفوذ شاه إيران.وكان الدكتور عبد الله عمران، مع شقيقه الراحل تريم، عضوين في فريق المفاوضات التساعية والسباعية لإقامة دولة الاتحاد، وتولى منصب وزير العدل في أول حكومة اتحادية، عامي 1971 و1972، ثم عين وزيراً للتربية والتعليم، عام 1972، وأعيد تعيينه وزيراً للعدل من 1990 حتى 1997، وعمل ضمن فريقه الوزاري على صياغة تشريعات كان لها أثر كبير في تقويم البنية التشريعية للدولة في مختلف المجالات القانونية، وأيضاً كلفه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه بتأسيس جامعة الإمارات، وكان أول رئيس أعلى للجامعة، ووضع عدداً من المناهج وطرق التعليم والدراسة.


تأسيس «الخليج»


في عام 1970 كانت نقطة التحول في فكر الراحل د. عبد الله عمران وشقيقه تريم عمران، إذ فكرا في تأسيس مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي، وانتماء قومي، لترسيخ الهوية الحضارية العربية والإسلامية، والتأكيد المستمر على الذاتية الثقافية العربية، ومواجهة تسلط الشاه، وتهديداته باحتلال جزر الامارات، وطرح أفكار للنهوض، والتنوير، والمعرفة، والحريات العامة، ورسا تفكيرهما على إصدار أول جريدة سياسية، وقتذاك، وبالفعل وكبداية أصدرا مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، ومن ثم بدأ تفكير الشقيقين في إصدار «الخليج» كأول جريدة سياسية، وحال دون ذلك ضعف مقدرتهما المادية، مع عدم استطاعتهما تحمل أية خسائر مادية، أو كلفة إصدار مطبوعة صحفية، ورغم ذلك، فإن التراجع لا محل له في سجل الراحلين، وقد أخذت الإرادة بهما لتحقيق حلمهما، والبدء بمجلة الشروق، ولعدم وجود مطابع مؤهلة في الشارقة والإمارات المتصالحة، قررا مع صديقهما يوسف الحسن التوجه إلى الكويت، واختاروا الناشر فجحان هلال المطيري، الذي يماثلهم في قومية الفكر العروبي، حيث كان يصدر مع زوجته غنيمة المرزوق مجلة أسرية باسم «أسرتي»، ويمتلكان مطبعة حديثة، ووافق المطيري على طباعة مجلة «الشروق» وجريدة «الخليج» لاحقاً، وتحت الحساب، إكراماً لأصحابها، ووضع تحت تصرفهم مكتباً صغيراً داخل مؤسسة المرزوق.
وبالفعل كان تريم عمران، ويوسف الحسن يحملان في الأسبوع الأخير شهرياً، المادة التحريرية للمجلة التي تكتب في الشارقة، إلى الكويت ويعودان بها مجلة مطبوعة، وقد تتابع صدور أعداد المجلة على مدار عام، ومعالجتها جملة من القضايا، والهموم الوطنية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، ومع الصدى الطيب والمؤثر الذي حققته، ذهبا لإصدار «الخليج» يوم التاسع عشر من أكتوبر/‏‏‏‏‏تشرين الأول عام 1970، واتبعا خط السير نفسه من تجهيز المادة الصحفية في الشارقة، وفي ظروف بالغة الصعوبة، إلى طباعتها في الكويت، حيث كان يتم تليفونياً إملاء التعليق اليومي، وأخبار ساحل عمان، ويجري تبادل الرأي، والتقارير حول أبرز القضايا المعدة للنشر، وتتم الطباعة عند الساعة العاشرة ليلا، لتحمل بعدها بالطائرة الكويتية المغادرة في منتصف الليل الى دبي، ليتلقاها فرسان مجهولون، يتولون توزيعها على عدد من بيوت الشارقة، وعلى موظفين، وتجار، ومدرسين، وأطباء، وعلى مكتبتين أو أكثر مما كان يتوفر حينذاك، وعلى الفندقين الوحيدين الموجودين وقتذاك.


تطور مشهود


كانت «الخليج» تصادر أكثر من مرة أسبوعياً، مع ارتفاع وتيرة نقدها للسياسة البريطانية في الخليج، أو لنقدها سياسات الشاه، أو لقضايا الصراع الدائر حول السلطة في بغداد، كما كانت تمنع من الصدور عدة أيام، تحت ضغوط سفارتي ايران وبريطانيا في الكويت، ومن ثم ومن جراء ضغوط عدة، ومعارك مختلفة، تم إيقاف «الخليج» و«الشروق» عن الصدور بعد عام ونصف العام على صدورهما، بسبب الكلفة المادية الكبيرة، وإصرار تريم وعبد الله عمران، على تجنب تمويلهما من جهات تحيطها الشبهات، ومن ثم أعيد إصدارها عام 1980، لتتطور بعد ذلك إلى «مؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر» التي تصدر عنها ست مطبوعات يومية وأسبوعية وشهرية، وتولى الدكتور عبد الله عمران قيادة المؤسسة مع أخيه المرحوم تريم، وعملا على تطوير أنشطتها المختلفة، ومن ثم ترأس مجلس إدارتها بعد وفاة شقيقه تريم عمران تريم في 16 مايو/‏‏‏‏‏أيار 2002، كما ترأس مركز الخليج للدراسات، ومجلس إدارة مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية.
وصدر مرسوم بتحويل مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية إلى مؤسسة تريم وعبد الله عمران للأعمال الثقافية والإنسانية.


مهام رسمية


كان تزامن توقف «الخليج» والشروق مع بداية الاتحاد، وحينها اختار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الدكتور عبد الله عمران، أول وزير عدل في دولة الإمارات، بين عامي 1971 و1972، ومن ثم وزيراً للتربية والتعليم عام 1972، ليعود وزيراً للعدل من 1990 حتى 1997، وعمل الراحل فيها مع نخبة مهمة من رجال الوطن لمواجهة التحديات.
وحين تولى الراحل منصب وزير التربية والتعليم، ساهم في تطوير المناهج، وتضمينها مواد مختلفة تدفع باتجاه تعزيز الهوية الوطنية، وتكريس تاريخ المؤسسين الأوائل وتراث الإمارات، والسعي لمحو الأمية، وتعليم الكبار، ومحاربة الدروس الخصوصية، حيث أدّى دوراً كبيراً في مسيرة التعليم في الدولة، ووضع اللبنة الأساسية في نشأة التعليم الحديث وانتشاره، وتبنى الكثير من القضايا التعليمية، أهمها محو الأمية، التي كانت أكبر التحديات التي تواجه العملية التعليمية آنذاك، واستطاع بوطنيته وحبه للوطن، أن يترجم توجيهات الشيخ زايد إلى وقائع ملموسة غيّرت ملامح التعليم، ونشأة أبناء الإمارات، حيث كان التعليم آنذاك يهتم بالثروة البشرية، وركزت الدولة على الاهتمام بالمجتمع الذي أسهمت ظروف الماضي في ارتفاع نسبة الأمية بين أفراده، ولكونها عائقاً أمام تقدم الشعوب، فقد حظي التعليم بأولوية في خطة الدولة لمواجهة الأمية، وعلى ضوء هذا انتهجت وزارة التربية والتعليم آنذاك مسارين، هما الاهتمام بتعليم النشء الجديد، وتعليم الكبار، كما نجح في تأسيس جامعة الإمارات، وكان أول رئيس أعلى لها.


شخصية العام


في حفل ختام منتدى الإعلام العربي وجائزة الصحافة العربية في دورتهما التاسعة، اختير د. عبد الله عمران، رحمه الله، شخصية العام الإعلامية، وتسلم جائزته من راعي الحفل، صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لعطاءاته وخدمته للصحافة الإماراتية خاصة، والصحافة العربية عامة، على مدى نحو أربعين عاماً.
وكانت للراحل مؤلفات حول قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، والتعليم، والتنمية، ومقالات فكرية، وسياسية عدة، الى جانب مشاركته في الكثير من الندوات، والمؤتمرات المحلية، والإقليمية، والدولية في مراكز الأبحاث المتنوعة، كما كان عضواً فاعلاً في الكثير من مراكز الأبحاث، والدراسات، والمنتديات الفكرية والاقتصادية والسياسية العربية والمحلية، وكانت له أقوال لاتنسى، منها: «من ينظر إلى المرآة يرى المظهر، ومن ينظر إلى الماضي يرى الجوهر».


قيادة وفية


تقدير قيادة الدولة لرجالاتها المخلصين وتخليدها لمن أسهموا بدور بارز في مسيرة الدولة منذ تأسيسها، ومن رافقوا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة رحمه الله بدءاً من مفاوضات إقامة دولة الاتحاد، كان وراء مبادرتها عام 2015، بإطلاق اسم عبد الله عمران تريم على شارع في جزيرة الريم بأبوظبي تقديراً لدور وانجازات المغفور له بإذن الله في مسيرته العملية.وحينذاك رفع خالد عبد الله عمران تريم رئيس مجلس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر ورئيس تحرير جريدة الخليج، وشقيقه عمران عبد الله عمران تريم الشكر والعرفان الى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة ابوظبي، قائلين.. إن إبوظبي الوفية حين تكرم الاوفياء، فإنها تؤكد التمسك بالمبادئ، والثوابت المتوارثة منذ عهد المغفور له قائدنا، ووالدنا، وحكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي التي تكرس عبر برامج، وخطوات عملية، دالة وشاهدة في عهد القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله.كما أمر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بإطلاق اسم المغفور له بإذن الله تعالى عبدالله عمران تريم، على شارع الثريا في دبي، وذلك تقديراً لما قدّمه الفقيد على مدار سنوات طويلة من إسهامات وطنية جليلة، ولدوره الريادي في مسيرة الاتحاد، من خلال مختلف المواقع الوطنية التي شغلها.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"