حصاد جونسون السياسي من اللقاح

00:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

تيريزا رافائيل *

لاشك أن فشل حكومة بوريس جونسون في مواجهة تبعات فيروس «كوفيد-19»؛ حيث سجلت بريطانيا واحداً من أعلى معدلات الوفيات في العالم، لن يمر بلا حساب، وسيكون موضع جدل لسنوات قادمة.

 وعلى الرغم من تناقضات الصورة التي تكشف عن سبق بريطاني في مجال التلقيح؛ حيث تم حقن أكثر من 7 ملايين بريطاني باللقاح؛ وهو رقم متقدم جداً على أفضل الدول الأوروبية على هذا الصعيد، وسير برنامج التلقيح على ما يرام لدرجة أن الحكومة تواجه ضغوطاً للتخلي عن بعض إمداداتها للسماح للدول الأخرى باللحاق بالركب، فإن الخلل في إدارة عملية المواجهة انعكس على رئيس الوزراء جونسون الذي وجد نفسه في مواجهة موجة غضب متصاعدة، عكستها منصات التواصل الاجتماعي في دعوات لاستقالته؛ كان أبرزها هاشتاج «جونسون استقل».

 ويبدو أن جونسون الذي بدا متعاطفاً، واتخذ موقفاً دفاعياً عندما رد على دعوات الاستقالة بتصريح قال فيه: «لقد فعلنا كل ما بوسعنا»، لا يريد معالجة الخطأ الذي حدث حالياً.

وفي السباق الذي لا نهاية له في السياسة البريطانية، لا تتوقف مسألة طول عمر جونسون السياسي على الإعجاب؛ وهذا يعني في علم السياسة أن عدد الوفيات الذي تجاوز 100 ألف قد لا يكون مهماً في نهاية المطاف. ويراهن حونسون على تباطؤ انتشار العدوى مع بدء الأيام الدافئة، وبالتالي يعد بفتح المدارس مجدداً في مارس/آذار.

 والعجيب أن استطلاعات الرأي لا تعكس وجود مشكلة كبيرة تواجه رئيس الوزراء. ربما مرد ذلك إلى بؤس الأرقام عالمياً الذي يخدر الناس. فقد تصادف بلوغ عدد الوفيات في بريطانيا 100 ألف، مع إعلان منظمة الصحة العالمية عن تجاوز عدد الإصابات مليون إصابة على المستوى العالمي، وتحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن يبلغ عدد وفيات الأمريكيين أكثر من 600 ألف حالة.

 لكن سيكون من الخطأ أن يختبئ جونسون وراء الإيجابيات؛ فالقسم المتبقي من برنامج التطعيم، أمامه مهمات مكثفة لتلقيح معظم البريطانيين الذين لم يحصلوا على اللقاح بعد، فضلاً عن الجرعة الثانية للجميع. ويعتمد مستقبل البلاد بعد الوباء على مدى استيعاب الحكومة لدروس العام الماضي.

والمطلوب الآن أن تكون العديد من العوامل وراء النجاح المبكر للقاح في بريطانيا قابلة للتكرار. لقد كانت استراتيجية المواجهة واضحة، والمؤسسة الصحية منظمة ومنضبطة وبعيدة عن التدخلات السياسية، وتمتلك جيشاً من المستشارين المرموقين.

 لقد نجحت في تطوير مجموعة من اللقاحات التي تغطي مختلف الفئات المستهدفة، وأعطت الأولوية لصناعة اللقاح وتسريع الحصول على الموافقات الرسمية. كما درست قابلية التوسع، والقدرة على تصنيع اللقاحات في المملكة المتحدة؛ لتأمين الإمداد. وخصصت الحكومة أموالاً طائلة؛ حيث استثمرت ما يقرب من 12 مليار جنيه إسترليني (16.4 مليار دولار) في شراء اللقاحات المنتجة. كانت الخدمة الصحية الوطنية المركزية في بريطانيا مهمة في تجنيد الأشخاص للتجارب السريرية، وتنفيذ اللقاحات التجريبية. وبدأت هيئة تنظيم الأدوية في وضع التخطيط المسبق الخاص بها، مع الأخذ في الاعتبار بيانات التجارب على أساس متجدد؛ لتصبح أول جهة تنظيمية في العالم توافق على اللقاح.

 لكن إخفاقات الحكومة ظهرت في زوايا أخرى؛ أهمها: دوائر صنع القرار المتداخلة والأهداف المشوشة والتسييس والفشل في ربط المشورة العلمية بالقرار السياسي. وقد عثر على العديد من الأمثلة على تلك الإخفاقات في سجلات الأخطاء التي رصدت في برنامج الاختبار والتتبع، التابعة لوزارة الصحة البريطانية.

وعلى الرغم من أن التركيز ينصب على جونسون، فقد تبين أن دور الحكومة المركزية كان ضعيفًا إلى حد كبير من حيث الخبرة وهياكل الدعم، بينما في الأغلب يتم تجاوز السلطات المحلية. وقد استفاد الفيروس أيضاً من نقص التمويل الذي تعانيه وزارة الصحة منذ سنوات، ما حد من قدراتها، كما استفاد من التفاوت الطبقي المتجذر في المجتمع؛ حيث كانت الطبقات المحرومة أكثر تضرراً بتفشي الوباء.

 ويحب جونسون التركيز على الأخبار السارة، وهناك الكثير منها الآن. فقد طورت بريطانيا سلاسل التوريد الخاصة بها، كما طورت قدراتها التصنيعية في مجال معدات الحماية الشخصية، متجاوزة النقص المعيب خلال تفشي الموجة الأولى، ولديها برنامج توجيه أفضل بكثير؛ لحماية الطاقم الطبي. وعلى الرغم من العيوب، هناك طاقة اختبارات ثابتة، بما في ذلك اختبارات التشخيص السريع. وكانت المملكة المتحدة رائدة في توفير العلاج؛ مثل الديكساميثازون. ولديها واحدة من أفضل قواعد بيانات التسلسل الجيني في العالم، وهي رائدة في أبحاث المناعة.

 لكن جونسون لا يستطيع البناء على نقاط القوة هذه من دون فهم نقاط الضعف التي كشف عنها عدد الوفيات. وهذه القضية لا تقف عند حد المساءلة مستقبلاً؛ لأن إكمال برنامج التطعيم يعتمد على تحقيق التوازن بين قيود الإغلاق الصحيحة، وتعزيز الاختبارات والتتبع، وفرض الامتثال لقرارات العزل والتباعد الاجتماعي، وتطبيق سياسة الحجر الصحي الدولية التي تقي من تبعات تفشي النسخ المتحورة.

إن الاستعداد لمواجهة كل تلك المتطلبات المُلحة هو الذي سيحدد مستقبل جونسون السياسي، وليس تعاطفه مع العائلات التي فقدت أحد أفرادها؛ بسبب الوباء. ولا شك أن قوة القيادة؛ تكمن في الاعتراف بالخطأ والمسارعة لإصلاحه.

* كاتبة عمود في «بلومبيرج»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة بريطانية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب