صفقة خرجت من عنق الزجاجة

22:48 مساء
قراءة 4 دقائق
بريكست

تيريز رافائيل *

«بريكست يعني بريكست»، هذا ما أعلنته تيريزا ماي في المشاهد الافتتاحية المثيرة للغموض بعد استفتاء عام 2016. ولم يكن واضحاً في ذلك الوقت ولفترة طويلة، ما كان يعنيه «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».

الآن وبعد نحو 5 سنوات، واستقالة رئيسي وزراء (ديفيد كاميرون وتيريزا ماي)، وبعد أن واجه مخاطر الانفصال دون صفقة تجارية، حددها بوريس جونسون أخيراً، وتوصل إلى اتفاق، وبتنا نعرف كيف انتهى هذا الفيلم. للأمانة يستحق كل ذلك الاحتفال.

بصرف النظر عن التكاليف الاقتصادية والضرر الذي قد يلحق بالسمعة، فإن الخروج من دون صفقة كان سيضع ضغطاً رهيباً على كاهل المملكة المشحون بالفعل مع أسكتلندا، وتسمم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال أكبر شريك تجاري لبريطانيا، وأكبر سوق منفردة في العالم.

إن الارتياح الذي تم التعبير عنه مراراً وتكراراً في المؤتمر الصحفي للاتحاد الأوروبي عقب الإعلان عن هذا الإنجاز يوم الخميس، يقلل العوائق أمام اتفاقية التجارة الحرة. فخلال العقود الأربعة الماضية، تعد هذه أكثر تسوية تجارية رجعية بين الدول الديمقراطية الحديثة. وبدلاً من تعزيز التعاون وخفض الحواجز فقط، يلخص الاتفاق معظم المجالات التي يتعامل فيها رجال الأعمال والمستهلكون، كما أنه يجعل جونسون رئيس الوزراء البريطاني الأكثر أهمية منذ مارجريت تاتشر، باعتباره راديكالياً أكثر منه محافظاً.

خاض جونسون حملته الانتخابية في الانتخابات العامة البريطانية لعام 2019 بوعده ب«إنهاء اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي» بطريقة تستعيد بها بريطانيا السيادة على القوانين والمحاكم والحدود والمال، ووفى بوعده. لقد كان في النهاية اتفاقاً أكبر، أو بالأحرى خروجاً أصعب من الاتحاد الأوروبي، من ذلك الذي سعت إليه سلفه ماي.

تمكنت المملكة المتحدة من تقوية موقفها التفاوضي الأضعف من خلال التهديد بالتخلي عن البنود الواردة في اتفاقية الانسحاب، العام الماضي، للحفاظ على علاقات جيدة مع أيرلندا، والحيلولة دون وصول الاتحاد الأوروبي إلى مياه الصيد البريطانية. وعلى عكس تهديد ماي المماثل بعدم تبني أي صفقة، كان تحذير رئيس البريكست جونسون، ذا مصداقية. وعلى عكسها أيضاً، كان خلف جونسون مجلس وزراء موحد يتبنى مواقفه في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأغلبية 80 مقعداً. على الرغم من نشر ملخص فقط للصفقة، فإن الخطوط الرئيسية كانت معروفة منذ أشهر. عرض الاتحاد الأوروبي وهو أمر مهم، كما فعل منذ البداية، وصول البضائع البريطانية بدون رسوم جمركية وحصص، لكن لم يكن من الصواب الادعاء، كما فعل جونسون في بداية المؤتمر الصحفي يوم الخميس، بأنه لن تكون هناك حواجز «غير جمركية» أمام التجارة. كان من الأفضل أن تعتاد بريطانيا على كثير من القواعد واللوائح الإضافية، ستحتاج الشركات المصدرة عبر القناة إلى ملء الإقرارات الجمركية والتصديق على منشأ منتجاتها للتصدير، وسيتعين عليها تقديم منتجات حيوانية للفحوص الصحية والامتثال للوائح، كما سيتعين على الشركات دفع ثمن الشهادات في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يزيد من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، بينما تستعد الشركات الكبيرة لنقل بعض الموظفين إلى القارة أو توظيف سماسرة جمارك ومستشارين من أطراف ثالثة للمساعدة في التعقيدات التجارية الجديدة.

ركز كثيرون ببساطة على النجاة من عمليات الإغلاق، وكانوا يفتقرون إلى المعلومات اللازمة للاستعداد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بأي حال، لم يتفق الجانبان على أي فترة سماح للشركات للتكيف مع الوضع الجديد. وفي مقابل الوصول الخالي من الرسوم الجمركية والحصص، وافقت المملكة المتحدة على عدم التراجع عن المعايير الحالية بشأن البيئة، وسوق العمل، وغيرها من المجالات فيما يسمى «تكافؤ الفرص» مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن مساعدة الدولة.

إذا اختارت بريطانيا الانفصال بطريقة تؤثر بوضوح في التجارة، فيمكن فرض رسوم جمركية، بآلية تحكيم جديدة منفصلة عن محكمة العدل الأوروبية. وللعاصمة لندن خيار السير في طريقها الخاص، ولكن هناك عقوبات إذا كان سيرها سيضر بشركات الاتحاد الأوروبي. وفي حين تم النأي بالصناعة المالية في لندن عن تهديد الانتقام المتبادل (حيث تتم معاقبة قطاع ما لخرقه من جانب آخر)، لا يزال للاتحاد الأوروبي الحق في التراجع عن معاملة متساوية لممولي بريطانيا.

كل هذا بعيد عن رؤية جونسون الأصلية للعلاقة «الأصدقاء ذوو المنافع»؛ إذ كتب بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: «سيظل البريطانيون قادرين على الذهاب والعمل في الاتحاد الأوروبي، والعيش والسفر والدراسة، ويستطيعون شراء منازل والاستقرار. قلل جونسون من شأن كل ذلك في إعلان صفقته الأخير.

لا شك في أن بريطانيا المنهكة من مفاوضات «بريكست»، تأمل التوقف عن الحديث عن الموضوع تماماً، لكن هناك العديد من الطرق التي تنبأت بها هذه الاتفاقية قبل سنوات، في حين تم حل المنطقة المتنازع عليها بشدة للوصول الأوروبي إلى مياه الصيد البريطانية باتفاق ينص على تخفيض حصة الاتحاد الأوروبي بنسبة 25% على مدى خمس سنوات ونصف السنة.

تمنح الصفقة كلا الجانبين المرونة لبدء مراجعة رسمية لبنودها، وهو باب مفتوح يغري المتشددين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزب جونسون للمضي قدماً. فقد وعد زعيم المعارضة كير ستارمر بالتصويت لصالح المعاهدة.

الاتفاقية الجديدة تمهد الطريق أمام العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وستكون عملية طويلة ومضنية هدفها بناء هيكل جديد وقوي.

*كاتبة بريطانية في «بلومبيرج»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة بريطانية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"