اللقاحات تضع أوروبا على المحك

00:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

عن «اللوموند»

من المؤكد أن فيروس كورونا وضع أوروبا على المحك، فقد تعرضت لهجومه وجهاً لوجه قبل عام ، وباتت مركز الوباء بعد الصين ، وهي أول من بدأ عمليات إغلاق الحدود وتعرض لنقص في الأقنعة، ثم جمعت قواها من خلال التضامن المنظم  والوحدة ، وفي زخم تاريخي اتفقت الدول السبع والعشرون الصيف الماضي على حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة تحدد مصيرها المشترك.

  وفي الوقت نفسه ، اتخذت المفوضية الأوروبية مبادرة رائعة بالقدر نفسه ، فلمنع المنافسة المتعلقة بعمليات شراء اللقاحات من أن تشكل تهديداً مميتاً جديداً للاتحاد الأوروبي ، قررت هذه الدول تجميع الطلبات ، وتأمين حوالي ملياري جرعة مباشرة من ست شركات أدوية، وبمجرد  إنتاج وتسليم هذه الجرعات ، كان من المقرر توزيعها على الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة بما يتناسب مع عدد سكانها، وبدا كل شيء يميل نحو الأفضل في أقل العوالم سوءاً.

  هذه الخطة الجميلة ، للأسف ، باتت على وشك أن تفشل. فعدم كفاية القدرات الإنتاجية لشركات الأدوية ، وتحت ضغط الطلب المتزايد في مواجهة الانتشار غير المتوقع للمتغيرات الجديدة ووصول موجة ثالثة من التلوث ، أثار الفوضى في حملات التطعيم. مرة أخرى ، ونشر الذعر من بروكسل إلى كل العواصم الأوروبية.

  وهنا نلاحظ أن الاتهامات المتبادلة جاءت من جميع الجهات ، فقد انتقدت المفوضية شركة “أسترازينيكا” الأنجلو سويدية ، التي طورت لقاحاً مع جامعة أكسفورد ، وذلك لعدم احترامها التزاماتها ، وهي تشتبه في تفضيلها للمملكة المتحدة في عمليات التسليم. 

وقد رد الرئيس التنفيذي لشركة «أسترازينيكا» باتهام اللجنة بعدم الكفاءة لتقديم طلب بعد ثلاثة أشهر من الحكومة البريطانية. وفي العاصمة البريطانية لندن ، يعتمد رئيس الوزراء بوريس جونسون على اللقاح لمحاولة محو أثار إدارته الكارثية للأزمة الصحية والبداية الصعبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

 وجاءت رصاصة الرحمة مساء يوم الجمعة ، 29 يناير ، عندما أرادت المفوضية - بعد أن قررت فرض رقابة على صادرات اللقاحات المصنعة في أراضي الاتحاد الأوروبي- تفعيل بند في اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان سيؤدي إلى إعادة إنشاء الحدود بين إيرلندا وإيرلندا الشمالية، ولحسن الحظ تخلت عنها في مواجهة الاحتجاجات القوية من لندن ودبلن من رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين.

 بهذا المعدل ، لم يعد الأمر يتعلق بالاتحاد الأوروبي ، وإنه لمن الملح تهدئة النفوس  في بروكسل وفي لندن أو في باريس ، ففي برلين مثلاً أدى مناخ ما قبل الانتخابات وتدهور الوضع الصحي بالمسؤولين إلى ممارسة ضغوط مفرطة على السلطات الأوروبية.

 ووضعت مدة الوباء القادة السياسيين والصناعيين في وضع استثنائي لا يمكن التنبؤ به، فالشركات باتت منهكة والحدود أغلقت ، والاتحاد الأوروبي غير مجهز لمواجهة حالات الطوارئ الصحية بهذا الحجم ، والجميع يتلمس طريقه ولا محالة من ارتكاب أخطاء ، ومن المؤسف أن المصالح السياسية والمنافسات الجيوسياسية لها الأسبقية على القضية التي يجب ألا يغيب عنها أحد وهي تطعيم أكبر عدد ممكن من الناس في أوروبا وبقية العالم ، وكان هذا هو الهدف الأولي للاتحاد الأوروبي الذي رأى اللقاح على أنه “مصلحة عالمية مشتركة”، وقد حان الوقت للعودة إلى ذلك مع تعاون غير مشروط بين الحكومات وصناع الأدوية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحيفة لوموند

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"