عادي

(فيديو) أصدقاء السوء..«شياطين» تقود الشباب للإدمان

00:21 صباحا
قراءة 7 دقائق
Video Url
1

تحقيق: محمد الماحي

تخلق شبكة الأصدقاء نوعاً من التقليد أو الاستجابة التلقائية نحو مجموعة من العادات والسلوكيات السيئة، التي تضر بالصحة مثل التدخين، أو الشراهة في الأكل، أو الإدمان على المخدرات والكحول، خاصة عندما يكون التواصل بين الأصدقاء وثيقاً، ويكونون مقربين من بعضهم مكانياً واجتماعياً أو لفترة طويلة من الزمن.
مهما حرصت الأسر على احتواء أبنائها، وتوجيه النصح لهم في اختيار الأصدقاء الصالحين، وضرورة الابتعاد عن أصدقاء السوء، فإن بعضهم يظل منجرفاً تجاه تلك «الشلة» الفاسدة التي تأخذ بيد شباب في عمر الزهور نحو وحل الإدمان، فلا هَمّ لهم سوى قتل أحلامهم، ووأد طموحاتهم، وأكدت دراسة ميدانية أعدتها شرطة دبي على متعاطي «الجرعة الأولى» كشفت أن 86% من هذه الحالات كانت من خلال صديق.
هذا الوضع دفع الأجهزة الأمنية والقانونية إلى أن تتدخل، وقامت ووزارة الداخلية بتنظيم حلقات ورش توعوية تحذر من أخطار أصدقاء السوء الذين يعتبرون من أهم الأسباب التي تجر الشباب إلى هاوية تعاطي وإدمان المخدرات، كما نشرت النيابة العامة للدولة، عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، ‫مادة فيلمية توعوية تحكي عن مخاطر مخالطة رفقاء السوء، والعواقب القانونية لحيازة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، والتي تختلف عقوباتها باختلاف القصد من حيازتها، حسب القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 1995، وتعديلاته.

قدم المركز الوطني للتأهيل في الدولة خدماته العلاجية لنحو 4 آلاف و400 مريض إدمان منذ إنشائه في عام 2002. وتشير أحدث الإحصائيات للمركز، إلى زيادة نسبية عدد المرضى خلال النصف الأخير 2020 مقارنة بالفترة ذاتها في عام 2019، وأوضحت الإحصائيات أن 65% من المدمنين تقدموا بأنفسهم لطلب المساعدة والعلاج من الإدمان على المخدرات؛ حيث يعمل المركز على توفير خدمات علاجية وتأهيلية ونفسية للذين يتقدمون طواعية، أو بناء على طلب من أسرهم للعلاج، أو بأمر من السلطة القضائية المختصة، فيتم إخضاعهم لخطة تمتد من شهر إلى ثلاثة أشهر على خمس مراحل.
أخلاق ذميمة
«اخترِ الرفيق قبل الطريق»، حكمة دارت فى رؤوس الكثيرين في الفترة الماضية، نظراً لكثرة الحوادث التي كان سببها رفقاء السوء، والتي حرمت الكثير من العائلات من فلذات أكبادهم.
«الخليج»، تسلط الضوء على أبرز الحوادث التي وقعت في الفترة الماضية، والتي كان سببها أصدقاء السوء.
بإمكان صاحب واحد ذي أخلاق ذميمة وسلوكيات غير سوية، سحبُ مجموعة من الأصدقاء إلى مستنقع الجريمة كما فعل شاب خليجي عمره 25 سنة، «متورط» في تسهيل تعاطي مؤثرات عقلية إلى مجالسيه ومرافقيه من المراهقين والقاصرين، وطلبة المدارس، الذكور منهم والإناث.
تفاصيل هذه الجريمة التي تؤكد على ضرورة متابعة الآباء لأبنائهم، ومراقبة سلوكياتهم وتحركاتهم، والاطلاع على قائمة أصدقائهم وعلاقاتهم، عرضتها النيابة العامة أمام الهيئة القضائية في محكمة الجنايات في دبي اليوم، متهمة فيها الشاب الموصوف، بتسهيل تعاطي مؤثر عقلي لقاصرين وقاصرة، وتزويدهم بمادة الكريستال واللاريكا دون مقابل، ومطالبة بإيقاع أقسى العقوبات بحقه وفق المواد القانونية ذات الصلة.
وتشير التحقيقات إلى أن ثمة معلومات وردت إلى الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي، تفيد بأن أحد المتهمين المحال إلى محكمة الجنح والمخالفات، يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ويحوز كمية منها، ليصار إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من أجل الانتقال إلى مقر سكنه؛ حيث تمت مداهمته، وإلقاء القبض عليه، وبرفقته قاصر وقاصرة، كانوا جميعاً بحالة غير طبيعية.
الخراب والدمارصديق السوء كالوباء لا يعرف معنى الإخلاص والوفاء، ولا يجلب إلا الخراب والدمار، من القصص المأساوية لضحايا أصدقاء السوء، قصة شاب يبلغ من العمر 19 عاماً فقد حياته نتيجة جرعة زائدة، والسبب الانجراف خلف رفقاء السوء، الذين دعوه بمجرد وصوله للإمارة التي يقطن بها بعد قبوله في وظيفة عمل وبراتب مناسب، للاحتفاء به ولكن بطريقة مخزية. وللأسف الشديد لبّى الفقيد الدعوة، وأغروه أصدقاؤه بالمواد المخدرة التي جربها بدافع الفضول، وإقناعه أيضاً بأنه سيشعر بسعادة كبيرة وإن كانت وهمية، والشعور بأنه سيتمكن من فعل المستحيل، وبأن قوته الجسدية ستتجاوز أبطال العالم في كمال الأجسام.. اقتنع الفقيد بالتجربة، ولكن ليس عن سبق إصرار وترصد، وتعمد، بل بمحض الصدفة البحتة بداية، وربما لم يفكر لحظتها بأن الجرعة الزائدة والأخيرة ستقضي على حياته.
وفي واقعة أخرى سقط شقيقان في «الثالث الثانوي والأول الثانوي» ضحيتين لرفقاء السوء في إحدى المدارس، فقد استطاعوا في البداية تطويع الشقيق الكبير ليأخذ الحبوب منهم «دون مقابل»، ليدخل تدريجياً إلى هذا العالم الخطِر الذي يحتمل نهايتين، إما الموت بجرعة زائدة، أو إلقاء القبض عليه ودخوله السجن.
ولعبت الصدفة دوراً كبيراً في تورط شقيقه الأصغر في هذا العالم، وذلك بعد أن دخل إلى غرفة شقيقه وشاهد حبوباً مخدرة فيها، فأخذها وقام بتجربتها و«أعجب بشعور التخدير».
دار جدال بين الشقيقين حول وجود الحبوب في الغرفة، وخوفاً من كشف أمره أدخل الشقيق الكبير شقيقه الأصغر إلى عالم المخدرات، وعرّفه على أصدقاء السوء، وبدأ الاثنان في تعاطي الحبوب.
وفي واقعة أخرى أنقذ مركز حماية الدولي بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي، عن بُعد، مدمناً متعافياً من السقوط ضحية، مرة أخرى، في براثن أصدقاء السوء الذين ظهروا في حياته مجدداً بعد فترة غياب طويلة خارج الدولة قضاها في مصحة للعلاج، وما إن تعافى ونجح في طيّ صفحة سوداء استغرقت سبعة أشهر قاسية ومريرة قضاها في تعاطي المخدرات والسهر والإهمال، حتى عاد إلى أحضان العائلة في الدولة.
وظن والده أن فترة الغياب الطويلة لابنه العشريني خارج الدولة كفيلة بمسحه من ذاكرة أصدقاء السوء، إلى أن صارحه ابنه بأنهم يتربصون به لجرّه للتعاطي مرة أخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها منفذهم الوحيد إليه بسبب التزام الابن بالبقاء في المنزل في ظل الظروف الراهنة التي فرضها «كورونا»، ليستعين الأب والابن على الفور بمركز حماية الدولي الذي قدم دعماً نفسياً ومعنوياً عن بُعد، ضمن أسلوب جديد يعزز لدى المتعافين من الإدمان قوة الإرادة والثبات والثقة بقدرتهم على التصدي لأصدقاء السوء ومشاعر الخوف التي قد تأتي بنتائج عكسية إن سيطرت عليهم.
الدلال الزائد
يتفق مختصون في المجتمع على أن رفاق السوء مسؤولون عن 80% من حالات الإدمان على الأدوية المخدرة، وأمور أخرى يتعرض لها الشباب في المجتمع،
وأكد الخبير التربوي علي سيف حميد الجنيد، أن أصدقاء السوء والدلال الزائد للأبناء وغياب القدوة الصالحة من حياة الأبناء، وغياب واضح لرقابة الأسرة في البيت وخارج البيت أهم أسباب إدمان المخدرات.
وتابع: «يجب أن يلعب المجتمع المحلي دوراً أساسياً في التصدي لخطر الصحبة السيئة أو أصدقاء السوء؛ لما لها من تداعيات خطِرة خاصة على الأقران الأسوياء، الذين يستدرجهم أصدقاء السوء للوقوع في براثن الانحراف، وتعاطي المخدرات».
وأشار إلى أن رفقاء السوء قد يتعرف إليهم الأطفال من عدة طرق، أهمها وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن 60% من الأطفال الذين يدخلون غرف الدردشة بهدف التعارف يجهلون هوية من يتحدثون معهم، وذلك وفقاً لدراسات دقيقة.
وطالب الجنيد بأن تعمل الأسرة على بث روح الألفة والمحبة والصراحة بين أفرادها، والاطلاع على مختلف الممارسات والسلوكيات التي يقوم بها الأبناء.
الأسرة والأصدقاء
ويتفق الخبير التربوي مانع النعيمي مع ماسبق، ويضيف إليه: التفكك الأسري، وأصدقاء السوء، أسباب تجعل الشباب لقمة سهلة لتجار المخدرات، موضحاً أن «وسائل التواصل الجديدة أتاحت سرعة التعرف والوصول للمعلومات عن كل ما يدور في خلد المراهقين، وتالياً باتت تمهد الطريق للمغامرين منهم لتجربة ما هو ممنوع».
وأوضح أن الميل للأصدقاء بدرجة أكبر يرجع إلى أن الأصدقاء هم أقرب الناس عمراً للأبناء والمستوى الثقافي ومستوى الإدراك؛ لذلك فإن الأسلوب الذي يتبعه البعض دون قصد منهم، لتلقين أصدقائهم الآخرين بسلوكياتهم وتصرفاتهم وآرائهم هو الأسلوب الأقرب إلى نفوسهم.
كما أشار إلى أن علاقة الصداقة هي علاقة وقتية، مما يجعلها لا توجد فيها وصاية أو مسؤولية من طرف على الآخر؛ لذلك فإن درجة تقبل ما يقوم به الزملاء أكبر تأثيراً على الأبناء من تأثير الأب والأم.
الخبرات والأفكار
أما الخبير التربوي الدكتور خالد صقر المري، فيرى أن مرحلة الشباب تتسم بسرعة انتقال الخبرات بين المراهقين، سواء أكانت هذه الخبرات من النوع الإيجابي أو السلبي، وتأثير المراهق على صديقه قد يفوق تأثير المنزل والمدرسة مجتمعين، وتتوافر فرص قضاء الفترات الطويلة بين المراهقين خلال اليوم الواحد، سواء في المدرسة أو النادي أو حتى بسبب الجيرة، وهذه الفترات تسمح بانتقال الخبرات والأفكار دون رقيب، واستعانة كل منهم برأي الآخر في حل مشكلاته أو تكوين وجهات نظر معينة تجاه بعض الموضوعات.
يؤكد أن تراجع دور الأسرة وتراجع تأثيرها على المراهقين ترك الفرصة لتلقي التأثيرات السلبية من خارج نطاقها، ومع ضعف المتابعة الأسرية للمراهق والانشغال بتوفير الموارد المالية اللازمة، أصبح المراهق يستقي معلوماته من خارج الوسط الأسري بصرف النظر عن مدى صحتها.
الديكتاتورية
وحذر الدكتور نواف يوسف سلطان النعيمي، اختصاصي الطب النفسي، الأسر من انتهاج الديكتاتورية طريقة في التعامل مع الأبناء، لافتاً إلى أنها المنفذ السهل الذي يلج منه أصدقاء السوء؛ إذ يجد الأبناء فيهم فرصة للهروب من براثن العزلة والإخفاقات.
وأوضح أن كثيراً من الأسر تقع في خطأ فادح؛ إذ تعمد إلى انتهاج أسلوب متشدد في تربية الأبناء، الأمر الذي يفرض عليهم عيش حياة منغلقة، ويفتقد الأبناء الذين يعيشون في كنف الأسر الديكتاتورية القدرة على التواصل الاجتماعي الفعال، إلى جانب عدم معرفتهم بكيفية اختيار أصدقائهم بشكل صحيح نتيجة الحياة المنغلقة التي يعيشونها.
وتابع: تجد الشخصيات المنغلقة في التكنولوجيا الحديثة الملاذ للهروب من ديكتاتورية الأسرة، فتصبح فريسة سهلة للوقوع في حبائل أصدقاء السوء، مشيراً إلى أن التكنولوجيا أسهمت في ضياع جوانب عدة من شخصية الشباب المنغلقين وتشتيتهم، ما جعلهم لا يعون الحياة الاجتماعية التي تتميز بقدرتها على تنمية الشخصية اجتماعياً، وإعطاء أبعاد في التعامل مع الآخرين، واحترام رأيهم والتصرف بطريقة تحفظ الحقوق الشخصية في جو اجتماعي عادي. ووجه الأسرة باتباع أسلوب الرقابة وتوجيه الأبناء، والسماح لهم بالاطلاع على كل شيء وإعطائهم الحق في الحوار والمناقشة؛ لأن الأسرة التي تتبع أسلوب المنع والرقابة تدفع الأبناء إلى فعل ما يريدون، وتجعلهم متأخرين في حياتهم.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"