التوافق الليبي ورهانات المرحلة

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

مرّ على قيام الثورة الليبية التي أدّت إلى سقوط حكم القذافي، أكثر من عشر سنوات، شهدت خلالها البلاد مجموعة من الأحداث، والمحطات القاسية، عكسها تعقّد الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وانهيار مؤسسات الدولة، وحدوث انقسام في السلطة، وتدخلات أجنبية عمقت الصراع، فيما أخذ الوضع أبعاداً أكثر خطورة مع تسرب السلاح، وتمركز الجماعات الإرهابية والمرتزقة داخل البلاد.

 وأفرزت الأزمات المتلاحقة في البلاد، انعكاسات داخلية خطيرة، تراوحت بين تردّي الأوضاع الاجتماعية، نتيجة لانتشار الفقر والبطالة وعدم القدرة على تصدير الثروة النفطية، فضلاً عن تفاقم الصراعات على السلطة. ونظراً لموقعها الاستراتيجي، خلفت الأزمة الليبية تداعيات إقليمية ودولية مختلفة، كان نصيب المنطقة المغاربية ودول الساحل والصحراء وافراً منها.

 وعلى امتداد مراحل الأزمة برزت العديد من المبادرات الإقليمية والدولية، غير أن تمسك الأطراف الليبية المتصارعة بمواقفها، ودخول عدد من الدول على خط تكريس الانقسام، أسهم في إفشال كل الجهود المبذولة، لتدخل البلاد في نفق مسدود، مع تكريس هذا الانقسام بين سلطتين، الأولى غربي البلاد تقودها حكومة الوفاق الوطني وتتخذ من طرابلس عاصمة لها، والثانية، تتمركز في بنغازي شرقي البلاد ويقودها الجنرال «حفتر»، فيما لم تنجح اتفاقات الهدنة التي تمّ عقدها بين الطرفين في وقف الأزمة. ويبدو أن الليبيين لم يقرأوا ذلك الدرس جيداً من الأزمة السورية التي أضحت محطة لكسب معارك اقتصادية واستراتيجية دولية، زجّت بالبلاد في متاهات من الاقتتال والعنف..

 وشهدت الفترة الأخيرة تحركاً دبلوماسياً مكثفاً في إطار وساطات ومساع حميدة ودية، على عدة مستويات أمنية وسياسية واقتصادية، فقد احتضنت برلين (ألمانيا) بتاريخ 19 يناير/ كانون الثاني من عام 2020 مؤتمراً لتدارس القضية، حضر فيه عدد من الدول الغربية كألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، فيما شارك عن الجانب العربي كل من الإمارات العربية المتحدة ومصر والجزائر، إضافة إلى دول أخرى كالصين والكونغو وتركيا، وكذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي. وقد أكد الجميع ضرورة تجنب الحلول العسكرية، وجاءت بعدها محادثات جنيف بإشراف أممي، من دون تحقيق نتائج ملموسة على الأرض أيضاً.

 غير أن توصل الأطراف المتصارعة إلى إعلان وقف إطلاق النار داخل البلاد فيما بعد، مثل بارقة أمل، شكلت أرضية أثمرت مجموعة من المبادرات السياسية المهمة.

 وفي الخامس من شهر فبراير/ شباط الجاري، وضمن خطوة مهمة شهدتها سويسرا، قام منتدى ليبيا بقيادة الأمم المتحدة ومشاركة عدد من الفرقاء الليبيين، باختيار حكومة مؤقتة من خلال عملية تصويت أسفر عن انتخاب «عبد الحميد محمد دبيبة» رئيساً للوزراء لفترة انتقالية، إلى حين إجراء الانتخابات المقررة في نهاية العام الحالي.

وتنطوي هذه الخطوة على قدر كبير من الأهمية لكونها توفر مرتكزات وشروطاً مؤسساتية، لبناء دولة موحدة في إطار من الثقة والتوافق بين مختلف الفرقاء الليبيين، ولإخراج ليبيا من النفق المظلم الذي عمّر لأكثر من عقد من الزمن. وقد خلف الأمر ارتياحاً كبيراً داخل الأوساط الليبية التي رأت فيه مؤشرا لغد أفضل، فيما عبّرت الأمم المتحدة من خلال أمينها العام، عن ترحيبها بهذه الخطوات التي تعد مدخلاً مهماً لإرساء السلام والاستقرار في البلاد.

 وقد تعهد رئيس الوزراء بالتركيز على ثلاث أولويات أساسية في المرحلة الراهنة، أولاها، تتمحور حول توحيد المؤسسة العسكرية كشرط لحفظ الأمن الكفيل بتوفير شروط السليمة لأية مبادرات سياسية أو اقتصادية، وثانيتها، تتعلق بتنسيق عمل المؤسسات التنفيذية والحكومية، وثالثتها، يتصل بترسيخ مصالحة شاملة بين الليبيين.

 ورغم المكتسبات التي تحققت في الآونة الأخيرة على درب تعزيز الاستقرار في ليبيا، فإن مسار التحول نحو تحقيق الديمقراطية والتنمية ما زال طويلاً، ولا يخلو من صعوبات وتحديات تفرض الحذر واليقظة، سواء تعلق الأمر منها بالخطر الذي تمثله الميليشيات والجماعات المسلحة التي عادة ما تنتعش في بؤر التوتر والصراع، أو التدخلات الأجنبية التي تبحث عن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في هذا البلد الغني.

 ومن منطلق أن الاستقرار في ليبيا، هو مكسب للمنطقة برمتها، فإن البلدان المغاربية، تتحمل من جانبها مسؤولية تاريخية، تفرض انخراطها بكل جدية في دعم هذه المكتسبات ومساعدة الليبيين على تجاوز الصعوبات والمشاكل التي تواجههم، وفي بناء دولة موحدة وبمؤسسات قوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"