ارتفاع النفط.. صورة عابرة أم بداية دورة جديدة؟

22:53 مساء
قراءة 4 دقائق

إدواردو كامبانيلا *

ارتفعت أسعار النفط منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بنسبة 70%، لتصل إلى 70 دولاراً للبرميل في مارس/ آذار. ولعبت عوامل وأحداث مختلفة دوراً مهماً في دفع معايير النفط عالياً؛ ومنها قرارات «أوبك بلس»؛ وبدء تعافي الاقتصادات؛ والعاصفة الثلجية الأخيرة في تكساس، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية المتزايدة في الشرق الأوسط، وكان آخرها هجوم الحوثيين على منشأة لتصدير النفط السعودي.

وعزز الارتفاع الحاد من التوقعات بأن أسعار النفط سترتفع أكثر مع تراجع جائحة «كوفيد- 19» بالكامل، ما يمثل بداية دورة نفطية عملاقة، مع احتمال وصول الأسعار إلى حاجز ال 100 دولار للبرميل أو حتى أعلى منه، وهو مستوى لم يحدث منذ عام 2014.

وإذا كان هذا هو السيناريو الحالي، فإن النفط لن يكون سوى واحدة من السلع العديدة التي ستستفيد من الطلب غير المسبوق على خلفية السياسات المالية التوسعية التي تبنتها الحكومات في جميع أنحاء العالم. يُذكر أن دورات أسعار السلع الأساسية؛ هي فترات ممتدة تكون خلالها الأسعار أعلى أو أقل من اتجاهها على المدى الطويل. وتشير كذلك إلى تقلبات الاقتصاد الصعودية والهبوطية النموذجية. وقد يستغرق الأمر نحو عقدين للانتقال من دورة إلى أخرى.

وعندما يتعلق الأمر بالنفط، فمن الممكن تحديد خمس دورات فائقة منذ بداية القرن العشرين. لكل منها ميزاته الخاصة التي تختلف فيها طول مراحل الصعود والهبوط بشكل كبير.

وتزامنت الدورات الثلاث؛ الأولى مع التعزيزات العسكرية في الحربين العالميتين، ومع إعادة التصنيع في أوروبا واليابان في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات. إلى أن بدأت أول دورة أسعار حقيقية في السبعينات، وبلغت ذروتها في أوائل الثمانينات، وانتهت في منتصف التسعينات، وكان ذلك بسبب الحظر النفطي لمنظمة أوبك.

ومن ثم بدأت أحدث دورة أسعار للسلع النفطية، وهي الخامسة، في منتصف التسعينات، واكتسبت زخماً مع صعود الصين الصاروخي. وليس واضحاً في المرحلة الحالية ما إذا كانت هذه الدورة قد انتهت وبدأت دورة جديدة، تكون السادسة، أو ما إذا كان الارتفاع الأخير في أسعار النفط مجرد لمحة في مسار هبوطي مستمر قادم.

وباستثناء التي قادتها أوبك، كانت جميع دورات السلع السابقة مدفوعة بالنمو السريع؛ فببساطة تعمل فترات التصنيع والتنمية الاقتصادية السريعة على زيادة الطلب على النفط، ما يدفع أسعاره إلى ما هو أبعد من توازنه على المدى الطويل، حتى يتم بناء طاقة إنتاجية جديدة وكافية؛ لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسوق.

ويؤكد مؤيدو فكرة بدء دورة نفطية عملاقة جديدة، عدداً من القوى التي تشير إلى اتساع الاختلالات في السوق، وفي المقام الأول من جانب الطلب. وتشمل هذه القوى: التعافي الاقتصادي بعد الوباء؛ والسياسات المالية التيسيرية للغاية؛ والسياسات البيئية الأكثر صرامة في جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أن تستمر خطط احتواء التداعيات الاقتصادية للوباء في تحفيز الطلب أثناء مرحلة انتعاش الاقتصادات الكبرى. وعلى وجه الخصوص، تستهدف حزمة الإنقاذ التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والبالغة 1.9 تريليون دولار، بشكل أساسي، الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض التي تمتلك ميلاً أعلى للاستهلاك.

في غضون ذلك، يكتسب التحول الأخضر زخماً في جميع أنحاء العالم. وتستهدف الصفقة الخضراء الجديدة، التي روج لها بايدن خلال حملته الانتخابية، استثمار 1.7 تريليون دولار (من 5.3 تريليون دولار حتى عام 2030) في مشاريع تهدف إلى تخضير الاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى 3 تريليونات دولار مقدمة من القطاع الخاص. وعلى المدى القصير، ستعزز هذه المعركة ضد تغير المناخ، الطلب على السلع اللازمة (ومنها النفط)؛ لبناء البنية التحتية للطاقة المتجددة، والبطاريات، والمركبات الكهربائية. وهنا لا تحتاج الولايات المتحدة إلى تجديد بنيتها التحتية القديمة فحسب؛ بل تحتاج إلى القيام بذلك بطريقة فاعلة واحترافية.

وباتباع منطق نظرية دورة الأسعار الفائقة، سيستغرق منتجو السلع وقتاً لمواكبة الطلب المتزايد، ما يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع. ويبدو أن كل شيء يشير إلى فجر دورة جديدة بأسعار أعلى وأعلى في السنوات القادمة.

من المحتمل أن يكون مؤيدو سيناريو الدورة الفائقة من المتفائلين للغاية بشأن الآثار المترتبة على الطلب لخطة بايدن المالية؛ نظراً لأن هذه خطة إغاثية أكثر من كونها خطة تحفيزية. وهدفها هو دعم سبل عيش أولئك الذين تضرروا من عمليات الإغلاق وسد فجوة الإنتاج التي سبّبها الوباء، فضلاً عن توفير الموارد؛ للتعامل مع الوباء نفسه. ومن منظور النفط، يجب أن تعيد حزمة التحفيز الطلب إلى مستويات ما قبل الأزمة تقريباً.

وقد يؤدي ارتفاع الدين العام؛ بسبب التدابير المالية لمكافحة الوباء إلى تقليص المجال أمام الحكومات لتبني مشاريع تنمية خضراء طموحة. فكلما زاد إنفاق إدارة بايدن الآن، زادت القيود المالية والسياسية للإنفاق على الاستثمارات الخضراء في المستقبل. وقد تواجه الحكومات الوطنية الأوروبية قيوداً مماثلة أيضاً.

أما بخصوص ظهور متغيرات فيروسية ومسارات تلقيح متباينة حول العالم، بحسب المناطق؛ حيث تتخلف الاقتصادات الناشئة المتعطشة للنفط فيما يتعلق بحملات التطعيم. فقد يؤثر ذلك في الطلب في المستقبل إذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً بالنسبة لهم لتطبيع النشاط الاقتصادي مع الحياة الاجتماعية.

تبدو الافتراضات الأساسية لأطروحة دورة السلع الفائقة ممتدة وواسعة. وقد يكون الانتعاش الحاصل في الأسابيع الأخيرة، والمدفوع بحماس الأسواق للقاحات والتكهنات الإيجابية، مجرد ارتفاع في الدورة الباهتة التي بدأت في منتصف التسعينات بدلاً من بداية دورة جديدة. وهذا يعني أن النفط قد تجاوز ذروته بالفعل، وتسارعت خطوات عدم اعتماده تدريجياً سلعةً أساسية تمد الاقتصادي العالمي بالطاقة.

* فورين بوليسي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

زميل في مركز «مُصفر رحماني» للأعمال والحكومة في كلية هارفارد كينيدي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"