عادي

أحد الناجين من «جحيم جبال الأنديز» يكشف المستور.. «أكلنا لحوم المتوفين»

12:48 مساء
قراءة 4 دقائق
الناجون من سقوط الطائرة

الشارقة : أوميد عبد الكريم إبراهيم

لطالما كانت «غريزة البقاء» دافعاً للإنسان وغيره من المخلوقات لتحدي الصعاب وبذل قصارى الجهود، وفعل أي شيء من أجل الوصول إلى شاطئ الأمان، وبالتالي الحفاظ على ديمومة الحياة، وقد يكون اعتيادياً أن نرى باقي المخلوقات تأكل لحوم بعضها بعضاً من أجل البقاء، ولكن هل تخيَّل أحدكم يوماً أن يأكل إنسانٌ لحم أخيه الإنسان للبقاء حيَّاً؟ هذا ما حصل بالضبط عام 1972 في سفوح جبال الأنديز الوعرة في أمريكا الجنوبية.

كانت الرحلة 571 لسلاح الجو الأوروجوياني، أو ما سُميَّ لاحقاً ب«دراما جبال الأنديز»، أو «كارثة رحلة الأنديز»، وأيضاً «معجزة جبال الأنديز» متوجهةً من مونتيفيديو في الأوروغواي، إلى سانتياغو في تشيلي، وعلى متنها فريقٌ لرياضة «الركبي» في 13 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1972، قبل أن تتحطم وسط جبال الأنديز في منطقة «مندوسا» الأرجنتينية.

جثث متناثرة

وكان على متن الطائرة أكثر من 40 راكباً، بالإضافة إلى طاقم الطائرة المكون من 5 أشخاص، وقد لقي 29 راكباً، إلى جانب أعضاء الطاقم الخمسة، حتفهم في الحادث المروع، بعضهم أثناء تحطم الطائرة، والبعض الآخر لاحقاً، أما الناجون فقد عاشوا 72 يوماً منعزلين عن العالم كليّاً وسط أجواء مناخية في غاية القساوة بجبال الأنديز.

خوسيه لويس، هو أحد الناجين بأعجوبة من الحادث، ويروي تجربته المريرة رفقةَ باقي الناجين، وكيف صارعوا من أجل البقاء، ولم يتركوا «قشَّةً» إلا وتمسَّكوا بها لتجنّب «الغرق»، ورَوى لويس قصّته المؤلمة لصحيفة «ميرور» البريطانية، قائلاً: «بعد توقف اضطراري في الأرجنتين بسبب الرياح العاتية، واصلنا الرحلة في يوم 13 أكتوبر 1972، وبعد نحو ساعة ونصف من التحليق، واجهت الطائرة مطبّاً هوائياً عنيفاً، أعقب ذلك نداء استغاثة من قائد الطائرة».

وأضاف لويس: «بدأت الطائرة تهوي بسرعة فائقة باتجاه جبال الأنديز التي كنّا نعبر فوقها، ومن ثم اصطدم جناح الطائرة بالصخور، قبل أن تسقط الطائرة بعد أن تحطم القسم الخلفي منها بالكامل».

وتابع: «كانت جثثٌ كثيرةٌ متناثرةً أمام عيني، وكنت أسمع أصوات استغاثة من كل حدب وصوب، ثم تجمعنا نحن الناجين، وجلسنا متلاصقين للحفاظ على حرارة أجسادنا في ظل البرد القارس والأجواء الزمهريرية، خصوصاً مع حلول الليل، وبعد ذلك جمعنا كل ما يمكن الاستفادة منه من حطامٍ وحقائب، وصنعنا منها ما يشبه الجدار لسد الثغرات في ما تبقى من هيكل الطائرة، واحتمينا بداخله».

الناجي من الحادث المروع أردف قائلاً: «كانت الصدمة الكبرى حين سمعنا من جهاز الراديو أن السلطات أوقفت عمليات البحث الجارية عن أي ناجين، وهنا بدأ صراعنا من أجل البقاء على قيد الحياة».

لويس أوضح أنهم كانوا «يذوّبون كميات من الثلوج يومياً تحت أشعة الشمس، للحصول على ماء الشرب، وكانوا يتقاسمون الطعام الذي عثروا عليه داخل حطام الطائرة، ولكن الطعام نفد منهم، وهنا بدأت مأساة من نوع آخر، حيث تناقشنا حول إمكانية أكل لحم الركاب المتوفين، للبقاء على قيد الحياة».

غريزة البقاء

كانت تجربة أكل لحم البشر قاسية جداً على لويس ورفاقه الناجين، لكنها «غريزة البقاء» كما يقول، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد زادَ انهيار ثلجي غطى حطام الطائرة بالكامل، من معاناة لويس ورفاقه، وتسبب بمقتل 8 أشخاص من بين الناجين بسبب انعدام الأوكسجين، واستغرقت عملية خروج البقية من داخل حطام الطائرة المغطى بالثلوج، 3 أيام، حيث نجحوا في فتح نفق عبرَ قمرة القيادة، وخرجوا من إحدى النوافذ.

لم تتوقف مصائب لويس ورفاقه عند ذلك، وكأن الأقدار تجمَّعت عليهم، فبعد خروجهم من الطائرة بصعوبة بالغة، أصيب لويس بمرض الغرغرينا، ما أجبره على إحداث جرح غائر في جسده بهدف وصول الأوكسجين إلى موضع الإصابة، ومن ثم خروج القيح منه، وبعد ذلك لم يعد يستطيع تناول الطعام، وخسر 45 كيلوجراماً من وزنه».

طوق النجاة

كان على تلك المجموعة البحث عن وسيلة للنجاة، وإلا سيكون الموت مصيراً محتوماً، لذلك انطلق شخصان من الناجين باتجاه تشيلي سيراً على الأقدام بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول لطلب المساعدة، فحملا معهما من المؤونة ما يمكن أن يسدَّ رمقهما، ويقيهما من بطش الأجواء شديدة البرودة، فيما بقي لويس وباقي الناجين يترقبون في بقعة من الأرض لا يُسمع فيها سوى صفير الرياح العاتية، وزمجرة الرعود، وفي أفضل الأحوال، لا يكون هناك سوى سكونٍ مطبق.

بعد مرور 10 أيام، وتحديداً في 22 ديسمبر 1972، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد شقَّ هديرُ مروحيات الإنقاذ صمت المكان، بعد أن نجح الناجيان في الوصول إلى وجهتهما، وما زال لويس يتذكر تلك اللحظة بحذافيرها، إذ يصفها في حديثه للصحيفة البريطانية، قائلاً: «لقد كان هدير مروحيات الإنقاذ أجمل (موسيقى) سمعتها في حياتي على الإطلاق، وبعد وصولنا إلى برّ الأمان، لم يتمكن أهلي من التعرّف عليّ عندما زاروني في المستشفى، إذ إنني خسرت أكثر من نصف وزني».

يُلخص خوسيه لويس تلك التجربة القاسية في ختام حديثه لصحيفة «ميرور»، بالقول: «كانت الروح البشرية أجمل ما رأيته في سفوح تلك الجبال. لقد هزمنا الصعاب لأننا حاربنا معاً، وهناك تعلمت درساً مفاده أن السعادة مفتاحها العطاء، فعلى الرغم من أننا لم نكن نملك أي شيء في ذلك المكان المنعزل، إلا أننا قدمنا لبعضنا البعض كل ما لدينا. أنا أشعر بالفخر حقاً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"