«بريق النور» «TWILIGHT»

22:27 مساء
Video Url

عند مراجعتي للأرقام الاقتصادية الخاصة بالربع الأول من عام 2021، انصب تركيزي على عنوان هذه المقالة، ولا أعني بهذا العنوان الفيلم السينمائي «TWILIGHT» ولا معناه الذي يشير إلى الفترة التي تسبق غروب الشمس؛ بل أعني أنه بعد الظلام دائماً يشرق النور، ويكون له بريق يرحب بيوم جديد.
استخدمت هذا المعنى من منطلق الأخذ في الاعتبار التحديات التي سببتها الموجة الثانية من «كوفيد ـ 19»، وفي الوقت ذاته الثقة بإمكانية النمو والتنمية خلال عام 2021. من خلال هذه المقالة سأعمل على الشرح التفصيلي لبعض الأفكار، ولماذا أعتقد أنه يجب النظر إلى الأمور من منطلق أهمية معنى «بريق النور».
تقترب الإمارات الآن من الانتهاء من تطعيم ما يقارب 75% من سكانها؛ الأمر الذي أدى إلى انحسار الموجة الثانية من «كوفيد ـ 19». ويمكننا بوضوح، ملاحظة أن الحياة بدأت في استئناف وتيرتها الطبيعية في العديد من مناطق الدولة، بفضل الدعم الحكومي الفعال و امتثال كافة أفراد الشعب للإجراءات المتخذة في هذا الشأن.
تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بميزانية متوازنة لعام 2021، وقد بدأت في اتخاذ العديد من التدابير لتحفيز الطلب وضمان رفاهية وسعادة سكانها. وتواصل الدولة الاحتفاظ بمكانتها ضمن أفضل الوجهات والبيئات المحفزة للأعمال التجارية، لجميع الجنسيات، للعمل والعيش فيها، من خلال تقديم العديد من التسهيلات في نظام التأشيرات، وتسهيل الإجراءات التنظيمية وخلق بيئة مواتية للاستثمارات الأجنبية.
مازلنا على اتصال دائم بالعالم الخارجي، وننظر بعين الأهمية والاعتبار إلى المخاطر التي تبرز في بعض المناطق في العالم و تؤثر علينا، ونظل دائماً على أهبة الاستعداد لمواجهتها. وقد كانت حكومة الدولة، وستظل، داعمة لجميع قطاعات الاقتصاد.
إن وصول أسعار النفط إلى مستوى 64 دولاراً أمريكياً، واستمرار طرق التجارة مفتوحة ونشطة، وافتتاح معرض إكسبو 2020 المخطط له هذا العام، كلها مؤشرات سارة تبشّـر بعام جيد على كافة المستويات.
وطبقاً للبيانات التي نتابعها، هناك تحسن في اتجاه الاستقرار المالي للدولة في الربع الأول من عام 2021، مقارنة مع الربع الأول من عام 2020 (طبقاً للمؤشر الداخلي الذي يقيس 18 عاملاً اقتصادياً)، كما تقترب الدورة المالية للدولة (طبقاً للمؤشر الداخلي) بمرور الوقت على مدار العام، من العودة إلى طبيعتها بعد أن كانت تحت الضغط أيضاً؛ لذا فإنني أرى في الأفق «بريق النور» الذي أتحدث عنه، ومتفائل بأن تقديرنا الإيجابي لنمو الناتج المحلي الإجمالي 2.5% يمكن تحقيقه؛ بل من الممكن تحقيق أفضل منه.
وأثناء كتابتي هذا المقال، أصدرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني تقريرها الذي أشار إلى رفع درجة التصنيف الائتماني لبنوك الدولة من «سلبي» إلى «مستقر» وهو ما يؤكد وجهة نظري التفاؤلية للمستقبل.
واصل النظام المصرفي في الربع الأول من عام 2021 مرونته وبنسب مالية قوية. كما عادت مستويات السيولة في النظام المصرفي إلى مستويات ما قبل «كوفيد-19» (LCR أكبر من 140%)، ومازال النظام المصرفي بالدولة أحد أفضل الأنظمة المصرفية رسملة في العالم (أعلى من 18%). ويستمر النمو في محفظة القروض ولكن بوتيرة أبطأ (فوق 2%) نظراً للمخاوف من جودة الأصول والربحية التي لم تتلاش بعد في عام 2021.
لقد نجح برنامج «خطة الدعم الاقتصادي الشاملة الموجهة» TESS والتسهيلات التي تم اعتمادها في مختلف الإجراءات التنظيمية بشكل جيد، ونثق الآن بقدرتنا على الانتهاء بشكل تدريجي من هذا البرنامج، وتلك التسهيلات خلال عام 2021، من دون أن يكون لذلك تأثير كبير في النظام المالي والمصرفي. وقد أظهرت اختبارات الإجهاد التي أجريناها في عام 2020 أن معظم البنوك الإماراتية يمكنها تحمل ضغوط سلبية، ونحن على ثقة من أن نتائج اختبارات الإجهاد لعام 2021 ستكون على النمط نفسه حتى مع وجود معايير صارمة.
ولا تزال بعض القطاعات تعاني صعوبات منها على سبيل المثال لا الحصر، التجارة والضيافة والمقاولات، الأمر الذي يستدعي أن تقوم البنوك بالتفكير خارج الصندوق، وبطرق مبتكرة لإيجاد حلول تحافظ على عملائها وتقضي على المشاكل التي تواجهها. وقد بلغت مقايضات التخلف عن السداد (تأمين الديون CDS) لأبوظبي ودبي أدنى مستوياتها منذ سنوات، كما كان أمراً مشجعاً انتعاش الاستثمار الأجنبي في أسواق الأسهم، والنمو في أنشطة إصدار وجمع الأموال للشق الأول من رأس المال في بنوك أبوظبي ودبي.
هل نعتقد أن هناك مخاطر جوهرية قد تواجهنا؟ الإجابة هي نعم، وهل نعتقد أنه يمكن إدارتها والسيطرة عليها؟ الإجابة هي بالتأكيد نعم.
تبدأ الدورة الاقتصادية بالمستهلك وتنتهي بالمستهلك، والآن بدأت ثقة المستهلك بالعودة تدريجياً إلى طبيعتها مع زيادة الإنفاق وممارسة الناس حياتهم الطبيعية. ومؤخراً كانت الإحصاءت التي تابعتها وتشير إلى الارتفاع في طلب المستهلكين، أحد أكثر الإحصاءات المبشرة. كما تعتبر الزيادة الطفيفة في اشتراكات «اتصالات» و«دو»، وزيادة الإنفاق على وقود «أدنوك» علامات على الرغم من بساطتها، إلا أنها مشجعة. ويشير النمو في محافظ الرهن العقاري والزيادة المستمرة في الأجور التي تتم من خلال نظام حماية الأجور WPS إلى أن الأمور تمضي في الاتجاه الصحيح.
وكان النمو في الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بطيئاً ويجب أن ينطلق الآن. ويجب على البنوك والقطاع الخاص تأدية الدور المنوط بهما في بيئة جديدة تتوفر فيها العديد من الفرص. لقد تحدثت مع العديد من الزملاء في القطاع المصرفي، وأجمع معظمهم على أن أعمالهم بدأت تعود إلى طبيعتها، وهم متفائلون بالعام 2021.
وإنني الآن أحث الرؤساء التنفيذين للبنوك على المضي قدماً، وأن يكونوا قدوة ومثلاً يحتذي في نموذج بناء هذه الدولة الذي يعتمد أسس الرعاية والحذر والنمو. لقد قدمت الحكومة والمصرف المركزي كل التسهيلات، وذللت الصعوبات التي تواجه القطاع المصرفي، وحان الوقت ليقوم هذا القطاع بدوره والمشاركة بقوة في هذا العصر الجديد من بناء الأمة.
إن النتيجة الإيجابية الوحيدة للجائحة تمثلت في الوتيرة السريعة لاعتماد الرقمنة. وأصبحت اليوم الإجراءات والقرارات التي تتخذ عن طريق تقنية الفيديو هي القاعدة، وقد ساعدتنا التكنولوجيا جميعاً في استدامة الأعمال حتى عندما كان هناك إغلاق تام. ومن هنا أود أن أحث البنوك على الاستمرار في الاستثمار ومواكبة التكنولوجيا بشكل دائم. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن المصرف المركزي لديه قسم خاص بالتكنولوجيا المالية يتعاون مع البنوك المركزية والحكومات الأخرى لضمان مواكبة التغيير المتسارع في التكنولوجيا. لقد وقعنا اتفاقية مع ثلاث جهات تنظيمية أخرى للتنسيق والعمل بشأن «إثبات مفهوم» لعملة مصرف مركزي رقمية، وسنواصل هذه المبادرة على مدار عام 2021. كما سنعمل على استمرار الاستثمار في أنظمة الدفع والبنية التحتية وغيرها من النفقات، لإبقاء عملية الرقمنة على قائمة الأولويات.
لقد تحدثت عن الاستقرار الجغرافي السياسي في مقالتي السابقة ويسعدني أن أبلغكم أن الاتجاه الإيجابي مستمر. إن الاستقرار الاقتصادي يتوافق مع الاستقرار الجيوسياسي، والحكومة تدرك ذلك تماماً وتواصل جهودها في مجال التعاون الدولي.
بشكل عام، فإن جميع المؤشرات تتجه نحو الارتفاع، ونبدأ الآن بالعمل ودفع الاقتصاد إلى الأمام.
لقد قدمت العديد من المؤشرات التي تثبت أنه على الرغم من الوضع الحالي فإن التفاؤل في محله، ومع الانتهاء من كتابة هذا المقال، يكون الظلام قد انتهى، وأشرقت الشمس من جديد لتعلن عن «بريق النور» ليوم جديد.
لنمضِ قدماً معاً، وفي العام الخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة، كلي ثقة وأمل وتفاؤل بأننا سنحقق ما هو متوقع وما يتجاوز التوقعات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"