إفريقيا الخضراء مفتاح لعالم أكثر اخضراراً

22:21 مساء
قراءة 4 دقائق

* تاري جباديجسين
يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تستعيد الولايات المتحدة عباءة قيادة المناخ العالمي. ولكن ذلك لن يكون ممكناً بالكامل حتى تعطي إدارته الأولوية لشركاء مهمّين مثل الدول الإفريقية.
تتضخم اليوم المراكز الحضرية في إفريقيا، ومن المتوقع أن يحدث نصف النمو السكاني العالمي خلال العقدين المقبلين في القارة، مما يهدد بمزيد من الانبعاثات. ومن المهم بمكان إعطاء أولوية عالمية لتحقيق توازن بين هذا التطور المستمر وتأثيره على المناخ. وبمساعدة واشنطن، يمكن أن تكون خطوات الاستدامة المتوقع تحقيقها في إفريقيا خلال العقد المقبل نماذجَ للبلدان في جميع أنحاء العالم.
تتمتع إدارة بايدن بفرصة كبيرة لترسيخ مكانتها قائداً في مجال تغير المناخ وتعزيز التنمية الخضراء الواسعة في جميع أنحاء القارة السمراء. ويمكن للولايات المتحدة أن تدعم شركاءها الأفارقة من خلال تحويل رأس المال الإنمائي الأمريكي إلى صناديق محلية، وإعطاء الأولوية للاستثمارات التي تساعد الاقتصادات الإفريقية على أن تصبح أكثر مرونة في مواجهة آفة تغير المناخ.
وعند القيام بذلك، يجب أن تكون واشنطن حريصة على عدم التوغل في القارة بمفردها، وعليها اتباع نهج تعددي والانخراط مع الحكومات الإفريقية، ولا سيما الاقتصادات الأكبر في نيجيريا وجنوب إفريقيا وكينيا وساحل العاج، لمحاربة واحدة أعظم التحديات التي تواجه القارة والعالم اليوم.
تُعد كل واحدة من هذه البلدان بمثابة نقطة ارتكاز رئيسية للدول الفرعية في غرب وشرق وجنوب إفريقيا. فنيجيريا على سبيل المثال، ستقود النمو السكاني في القارة على مدى العقود العديدة القادمة، وجنوب إفريقيا لديها أكبر بصمة لانبعاثات الكربون في المنطقة وتاريخ طويل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وعليه، يجب على جميع البلدان تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وزيادة الانبعاثات وأن تلتزم بمكافحة تغير المناخ وتقليل الغازات السامة في الاتفاقيات العالمية مثل اتفاقية باريس للمناخ. وحتى في الولايات المتحدة، هناك نقاش عام مستمر حول ما إذا كانت مبادرات سياسية مثل الصفقة الخضراء الجديدة ستضر بالناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن مسألة الاستدامة مقابل النمو أكثر إلحاحاً في إفريقيا، حيث تحتاج البلدان إلى النمو الاقتصادي لانتشال الملايين من براثن الفقر.
تمتلك إفريقيا أقل انبعاثات للكربون بالنسبة للفرد الواحد على مستوى العالم، فمتوسط انبعاثات الكربون للمواطن الأمريكي العادي هي 23 مرة أكثر من المواطن النيجيري. ومع ذلك، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا جنوب الصحراء بمعدل 4% سنوياً على مدى السنوات الأربع المقبلة، مما سيؤدي حتماً إلى مزيد من الانبعاثات.
لا يستطيع صانعو السياسة الغربيون مطالبة هذه البلدان بإبطاء النمو الاقتصادي، ولكن يمكن للمجتمع الدولي أن يعمل على ضمان تنمية إفريقيا لاقتصادها ببنية تحتية منخفضة الكربون. ومن أجل توليد النمو الاقتصادي الذي تحتاج إليه، يجب على البلدان الإفريقية تحسين الوصول إلى الكهرباء الذكية والفعالة والأنظف، وتمكين تصنيع الطاقة، ودعم التوسع الحضري السريع. كما سيتعين عليها احتضان التكنولوجيا والتحول إلى التصنيع المستدام.
ستكون الموارد الطبيعية أساس اعتماد إفريقيا في هذه التنمية الخضراء. فبالعودة إلى نيجيريا، تتمتع هذه الدولة بإمكانيات ممتازة في كل من الطاقة الشمسية والطاقة المولدة بالغاز الطبيعي، فهي تمتلك تاسع أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، كما تمتلك مستوى عالياً من الإشعاع الشمسي السنوي. ويمكن للشبكة الهجينة التي تستخدم الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة أن تقلل بشكل كبير من انبعاثات الكربون في هذا القطاع المهم، لاسيما في إفريقيا، حيث يمثل الفحم حالياً 35% من قدرة التوليد.
إن استثمارات الطاقة مهمة لتخفيف الآثار الضارة لتغير المناخ في المستقبل، ولكنها لن تكون كافية وحدها للتصدي للتغير المناخي في كامل إفريقيا بالطبع، وعلى المجتمعات في جميع أنحاء القارة إيجاد حلول فورية لقضايا الجفاف وندرة المياه والفيضانات التي تؤدي إلى الهجرة الجماعية وانعدام الأمن الغذائي والصراعات. ولمعالجة هذه القضايا، سيتعين على المستثمرين توسيع إدراكهم للمشاريع الاستثمارية الواعية للمناخ بما يتجاوز الطاقة المتجددة فقط. كما يمكن للمشاريع التي تدعم سلاسل التوريد الزراعي مساعدة المجتمعات الريفية والحضرية على حد سواء.
لدى إدارة بايدن الآن فرصة لدعم شركائها الأفارقة وهم يسنّون وينفذون سياسات إنمائية بعيدة المدى تعزز النمو نحو مستقبل منخفض الكربون. وتشمل أدوات واشنطن لتحقيق ذلك مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، ومؤسسة تحدي الألفية، ووكالة التجارة والتنمية الأمريكية، ووكالات حكومية أخرى. ومنذ بدء العمل في ديسمبر/كانون الأول 2019، وافقت مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية على ضخ أكثر من ملياري دولار للبرامج الإفريقية بما في ذلك مشاريع البيئة والطاقة. وفي الوقت نفسه، خصصت مؤسسة تحدي الألفية أكثر من 2.5 مليار دولار لمشاريع الطاقة مع «باور أفريكا»، وهي الوكالة الأمريكية الرائدة لبرنامج التنمية الدولية التي تدعم أكثر من 11 ألف ميجاوات من تطوير المشاريع في بلدان من بينها بوركينا فاسو وليبيريا وتنزانيا ومالاوي.
إذا وسّعت واشنطن تعريف الاستثمارات التي تندرج تحت مسمّى «المناخ» بما يتجاوز مجرد مشاريع الطاقة المتجددة، فيمكنها حشد المزيد من رأس المال للمشاريع الحاسمة للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه من خلال برامج الاستثمار المشتركة، والمنح المباشرة، والصناديق المحلية. في الوقت نفسه، يجب أن يهتم بايدن ببناء علاقة عمل مع الاتحاد الإفريقي بالتزامن مع سعي إدارته للتأثير والتعاون في سياسة المناخ العالمية.
يضع الاتحاد الإفريقي اليوم اللمسات الأخيرة على استراتيجيته بشأن تغير المناخ، والتي تسعى إلى تنسيق ومواءمة السياسات عبر القارة. وفي حال شاركت الولايات المتحدة بشكل مباشر مع الاتحاد الإفريقي في هذا المشروع وساهمت في تطوير السياسة، فإنها ستعزز استراتيجية المناخ الجديدة وتشجع الدول الأعضاء على تنفيذ سياسات المناخ الخاصة بها.
لدى واشنطن الكثير لتقدمه إذا استفادت من تمويلها وخبرتها في القطاعات الأكثر تنافسية، والتي تشمل التكنولوجيا والخدمات المالية وقطاعات الطاقة المتجددة.
ومن خلال تعبئة الوكالات المختلفة لتوسيع نطاق استثماراتها المناخية، ودعم الصناديق الإفريقية، والعمل مع الشركاء الأفارقة، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في تشكيل التنمية المستدامة للقارة، وإعادة ترسيخ مكانتها رائدةَ المناخ العالمي بالشراكة مع واحدة من أسرع المناطق نمواً في العالم.

* العضو المنتدب وكبير مسؤولي الاستثمار في صندوق البنية التحتية «إيه آر إم هاريث»
(فورين بوليسي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

العضو المنتدب وكبير مسؤولي الاستثمار في صندوق البنية التحتية «إيه آر إم هاريث»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"