عادي

السياحة البركانية.. إثارة محفوفة بالمخاطر

22:18 مساء
قراءة 5 دقائق
حمم كيلاويا البركانية تدمر الطرق والمزارع في هاواي
الدخان المتصاعد من بركان سترومبولي في إيطاليا
زوار يتابعون عن كثب ثوران بركان فاجرادالسفياك، بالقرب من نهر الحمم البركانية
بركان رينييه في واشنطن
1231861091
42-68860025
93169759

في أواخر مارس/آذار الماضي، توجّه آلاف الأشخاص في أيسلندا إلى وادي «جلدينجدالير» لمشاهدة تناثر الحمم البركانية النارية وتدفقها من فوهة بركان «فاجرادالسفياك» الذي بدأ ثورانه قبل أسبوعين على بعد 40 كيلومتراً من العاصمة ريكيافيك لأول مرة منذ ما يقرب من 800 عام.

وعند تخوم الجبل، التقط الزوار صوراً مذهلة لمناظر طبيعية مشؤومة، لكنها جميلة جداً، في حين جلس آخرون في رهبة وسكينة للاستمتاع عن كثب بمشهد رائع لسحب الرماد البيضاء فوق مسارات الحمم المتوهجة التي تتغلغل عبر الصخور السوداء.

كانت لوحة طبيعية ساحرة حقاً، ولم يخطر ببال أحد أن شيئاً بسيطاً مثل الصخور المنصهرة سيُضفي حماساً قل نظيره على المشهد الناري.

وللبراكين أيضاً جذور عميقة في تاريخ الحضارات، ولعبت دورها الرئيسي في الروحانية والأساطير في العديد من الثقافات. وهي تثير الخيال، وتجذب العديد من الزوار لمشاهدة حممها وغازاتها التي تغذي بشكل غريب، صناعة سياحية مربحة.

خلقت تداعيات الانفجارات البركانية أرضاً خصبة للسياحة، لكن السفر إلى بركان نشط لا يخلو من المخاطر والمجازفات؛ إذ يمكن أن تكون إثارة العمر، أو جاذبية قاتلة. وقبل أن تتحمس لرحلة بركانية كتلك، إليك ما يجب أن تعرفه.

ازدهرت في العقد الماضي السياحة البركانية، مدفوعة جزئياً بوسائل التواصل الاجتماعي ومغامرين متحمسين للمهمة الخطرة. فتراهم يبحثون عن الدخان الأبيض في أماكن أسطورية مثل جبل «فيزوف» في إيطاليا، والمواقع البركانية الأخرى التي يزيد عددها على عشرين موقعاً على قائمة التراث العالمي لليونيسكو. وفي الولايات المتحدة، تتميز العديد من المتنزهات الوطنية بوجود براكين نشطة، بما في ذلك جبل «رينييه» في واشنطن، وقمة جبل «لازن» في كاليفورنيا، وكالديرا يلوستون في ولاية وايومنج.

في اليوم التالي لثوران جبل «كيلاويا» بجزيرة هاواي في 20 ديسمبر 2020، شهد متنزه هاواي البركاني الوطني ارتفاعاً حاداً في عدد الزوار، بحدود 8 آلاف شخص، وكان العديد منهم من السكان المحليين، لكن الحديقة شهدت أيضاً زيادة مطردة في الزوار من خارج الولاية مع تخفيف قيود السفر المتعلقة بـ«كوفيد ـ 19». وقبل ذلك وفي عام 2018، دمّرت الانفجارات المستمرة للبركان ذاته، ما يقرب من 600 منزل، إضافة إلى الطرق والمزارع في جزيرة هاواي. وخلال فترة وجيزة، وبينما كانت الحرائق لا تزال مشتعلة في الأحياء، زاد الإنفاق السياحي في المنطقة بمقدار 3.3% إلى 174 مليون دولار. وكان على شركات الضيافة أن توازن بين تلبية احتياجات المسافرين والإحساس بالسكان المتضررين.

ويمكن للمسافرين القيام بجولات متعددة، سواء على الأرض بالقرب من الحمم البركانية، أو باستخدام المروحية وتصفح الأنهار النارية جواً، أو حتى عبر المشي إلى حافة بحيرة الحمم البركانية، لكن هذه المساعي تنطوي على مخاطر كثيرة، وغالباً ما تنتج عن الانفجارات غازات سامة مثل ثاني أكسيد الكبريت الذي يلحق الضرر بالرئتين.

تجنح بعض أحداث سياحة البراكين بالقرب من الكارثة أو ما تسمى بالسياحة المظلمة. فبين عامي 2010 و2020، قُتل ما لا يقل عن 1143 شخصاً في انفجارات بركانية، كان آخرها قرب بركان الجزيرة البيضاء/واكاري في نيوزيلندا، الذي اندلع فجأة في 9 ديسمبر/كانون الأول 2019، مما أسفر عن مقتل 22 سائحاً، وإصابة 25 آخرين.

ومع ذلك، يبدو أن هذه الأحداث أثارت الفضول بدلاً من ردع السياحة. وعوضاً عن الابتعاد عن البراكين المتفجرة، ينجذب الباحثون عن الإحساس والإثارة، أكثر، إلى مناطق الكوارث، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر بعد انقضاء الوباء.

معرفة علمية مهمة

على عكس الزلازل، تستيقظ البراكين من سباتها على مراحل، فقد تهتزّ الأرض قليلاً، أو تنتفخ بعض جوانب البركان وتنبعث الغازات من الحفر القريبة وفتحات التهوية. وبالنسبة للعديد من البراكين القريبة من التجمعات السكانية، يراقب العلماء عن كثب كل تحركاتها، فيزداد الوعي أكثر بموعد انفجارها الحقيقي.

ومن المهم معرفة نوع البراكين التي تود زيارتها. ويعتمد كل موقع على نوعية الحمم المقذوفة، فالحمم الرقيقة والسائلة تتدفق من البركان ببطء، في حين أن الحمم السميكة واللزجة تجعل من الصعب على الغاز السام النفاذ إلى الأعلى، مما يؤدي إلى مزيد من الانفجارات الخطرة. فمعرفة النوع الذي تتعامل معه، يمكن أن ينقذ حياتك.

وتقول روزالي لوبيز، عالمة براكين وجيولوجيا كواكب: «إذا كنت تعرف بعض الأساسيات، يمكنك مراقبة الانفجارات بأمان إلى حد ما». وتعتبر لوبيز أننا محظوظون لأن أجمل الانفجارات البركانية الموجودة في هاواي، وأيسلندا، وبركان «سترومبولي» في الجزيرة الإيطالية، تُعد الأكثر أمناً والأقل تفجيراً.

وعليه، إذا كنت تعيش بالقرب من بركان، أو تخطط لزيارة أحدها، فتواصل مع وكالات المراقبة المحلية، وتعرف إلى الأماكن التي يمكنك أن تتنقل فيها بأمان، وابتعد عن المناطق المحظورة. ومن المهم أيضاً البحث عن طرق الإخلاء والمخاطر الخاصة بموقعك. وتأكد من ارتدائك الأحذية والملابس المناسبة، ومن توفر إمدادات الإسعافات الأولية وكثير من الماء.

التعايش مع البركان

يوجد أكثر من 1500 بركان نشط في 81 دولة حول العالم. وبالنسبة لمئات الملايين من الأشخاص الذين يقيمون بالقرب منها، تُعد هذه البراكين جزءاً من الحياة اليومية، مثل حركة المرور السيئة أو هطول الأمطار والفيضانات المتكررة.

وفي اليابان يوجد واحد من أكثر البراكين نشاطاً، هو بركان «ساكوراجيما» في محافظة كاجوشيما في كيوشو، فترى الدخان الأبيض يتصاعد بشكل يومي ومستمر من فوهة البركان الثائر، ويُعد من المناظر الطبيعية الأكثر أهمية للزوار، لكن سكان كاجوشيما لا يكلفون أنفسهم عناء النظر عندما يثور «ساكوراجيما»، فهو حدث اعتيادي بالنسبة لهم.

أصبحت العلاقة بين «ساكوراجيما» والسكان المحليين علاقة متبادلة؛ إذ تساعد التربة الخصبة بالقرب من البركان مزارعي المدينة على تنمية عدد من المحاصيل الزراعية. بالمقابل، بدون «ساكوراجيما» لن يكون هناك كاجوشيما، فهو رمز مدينتهم، وتاريخ حاضر مباشرة أمامهم ينظرون إليه على أنه إله يحميهم، كما فعل أسلافهم. حتى إن هناك بعض المطاعم تقدم أطعمتها على أطباق ساخنة مصنوعة من الحمم البركانية المحلية.

في هاواي، يعتبر الارتباط بين البراكين والسكان جزءاً من قصة أصل الجزر. وتشير ترانيم هاواي القديمة إلى «بيلي»، آلهة البراكين والنار، على أنها هي التي شكّلت الأرض المقدسة. لقد كان شعب هاواي هنا وازدهر منذ أكثر من 1000 عام، ومن المستحيل ألا يكون مرتبطاً بعمق بأجيالٍ من قصص الأجداد العزيزة، والأواصر الأسرية الوثيقة بالأرض.

يفهم العلماء سبب انجذاب الناس إلى المناطق البركانية، ويعتقدون أن هذا يساعد في زيادة الوعي والاهتمام بعلم البراكين. وتقول لوبيز: «في كل مرة تذهب فيها إلى مكان لمشاهدة عملية جيولوجية ما، حتى لو كانت براكين رديئة، مثل الينابيع الحارة في يلوستون، يثير ذلك فضولك أكثر، ويمنحك احتراماً أكبر لكوكبنا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"