الدول الغربية ومحاربة الإرهاب

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

تطرح مسألة محاربة الدول الغربية للإرهاب في مناطق مختلفة من العالم، أسئلة جدية حول النوايا الحقيقية والأجندات السياسية لهذه الدول فيما يتعلق بالتعاطي مع هذه الظاهرة؛ ويذهب الكثير من المراقبين إلى أن الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وعلى الرغم من انخراطها في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب فإنها لا تجد حرجاً في توظيف نشاطات التنظيمات المسلحة للضغط على قوى دولية وإقليمية منافسة، ولزعزعة استقرار دول ترفض الانخراط في تحالفات ضد خصومها أو ترفض التخلي عن استقلالية قرارها الوطني وعن أمنها القومي، وذلك في سياق سعيها لتنفيذ مشاريعها الاستراتيجية.
وقد بدأت الحرب على الإرهاب كما يشير إلى ذلك فيليب بولونجي بعد تفجيرات 11 سبتمبر /أيلول 2001 في نيويورك التي كانت سبباً في إطلاق موجات من الصدمات عبر العالم، وقد جرى، تحت مسمى محاربة الإرهاب، تنظيم التعاون الدولي لمحاربة هذه الظاهرة العابرة للحدود، وتم تشكيل تحالفات بين دول عديدة من أجل الذهاب إلى المناطق التي تنشط فيها المجموعات المسلحة. 
وفي هذا السياق المتميّز بالانتشار المتزايد للتهديدات الأمنية مع مطلع الألفية الجديدة، قامت الولايات المتحدة الأمريكية مدعومة من طرف حلفائها على مستوى حلف الناتو، بإطلاق حرب شاملة على الإرهاب العالمي بالتنسيق مع الأمم المتحدة التي أصدرت قرارها رقم 1373 بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2001 ، الذي يدعو كل دول العالم إلى اتخاذ الإجراءات التشريعية التي من شأنها المساعدة على مكافحة الإرهاب.
 وبالتالي، فإنه وبعد مرور عقدين على إطلاق الدول الغربية لحربها على الإرهاب، فإنه يمكننا إجراء تقييم أولي بشأن النتائج التي جرى تحقيقها على أرض الواقع، فالولايات المتحدة التي احتلت العراق وغزت أفغانستان لم تستطع تحقيق أهدافها المعلنة، غاية ما في الأمر هو أنها أسهمت في نشر الدمار والخراب وفي إشاعة الفوضى في كل المناطق التي تدخلت فيها عسكرياً من أجل تغيير الأنظمة. وما زاد الطين بلة هو أن الصراع الداخلي بشأن الخيارات الأساسية للدولة الأمريكية كانت له تداعيات سلبية على السياسة الخارجية لواشنطن التي لم تعد تدري إدارتها الحالية كيف تتعامل مع الإجراءات التي اتخذتها الإدارة السابقة، لاسيما في سوريا وأفغانستان.
  والشيء نفسه يمكن أن يقال عن بريطانيا التي كانت أول الداعمين لواشنطن في حربها على الإرهاب؛ حيث أصرّ رئيس وزرائها الأسبق طوني بلير على احتلال العراق بدعوى امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، وأسهمت لندن أيضاً في تدمير ليبيا وكانت سياستها سبباً مباشراً في انتقال الكثير من التنظيمات الإرهابية إليها؛ وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة البريطانية كانت وما زالت تستقبل فوق أراضيها الكثير من القيادات الدينية المرتبطة بتنظيمات متشددة تحت عنوان الدفاع عن حقوق الإنسان، وترفض تسليم المطلوبين أمنياً إلى حكوماتهم، وتوفر لهم ملاذاً آمناً للتحريض على العنف والفوضى.
  أما فرنسا التي تقول إنها تحارب الإرهاب في دول الساحل الإفريقي، فإن الوقائع تشير إلى أنها تتحمل مسؤولية كبيرة في انتشاره بعد إسقاط نظام القذافي في ليبيا، وما نجم عن ذلك من انفلات أمني وسطو على مخازن السلاح وتوزيعها في دول الجوار، وبخاصة في النيجر ومالي وبوركينافاسو؛ كما أن باريس متهمة بالتستر على نشاطات بعض التنظيمات المتشددة في المنطقة. 
  ويتساءل في سياق متصل فيليب باكي، إذا لم تكن سلطات بلاده تعمل على توظيف قوانين مكافحة الإرهاب من أجل تجريم من حملوا السلاح لمحاربة الإرهاب في سوريا، وفضلاً عن ذلك فإن باريس متهمة بتمويل الإرهاب بشكل غير مباشر من خلال دفعها الفدية للخاطفين، الأمر الذي يجعل مواقفها وتعاملاتها مع الملفات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، تبدو غامضة وتخضع لحسابات مصالحها الضيقة.
 ويمكننا أن نخلص في الأخير إلى أن الدول الغربية تمارس سياسة مزدوجة في حربها على الإرهاب، فهي تلتزم الصمت بشأن النشاطات المشبوهة لقيادات جماعات الإسلام السياسي فوق أراضيها، وتوظف ملف حقوق الإنسان لابتزاز الدول للحصول على تنازلات تخدم أجنداتها السياسية ومشاريعها الاقتصادية، كما تقوم بتوجيه العدالة الدولية لتصفية حساباتها مع الدول التي ترفض الانصياع لإملاءاتها.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"